التحالف السعودي يفقد زمام المبادرة.. وصنعاء تطوّر موقفها السياسي/ احمد المؤيد
17 ديسمبر 2021، 10:00 صباحًا
شارف العام السابع من العدوان السعودي على اليمن على الانتهاء، محمَّلاً بتطوّرات كبيرة على عدة صعد، منها السياسي والعسكري، وأخيراً الرياضي، ولكلٍّ من هذه الجوانب حكاية ملحمية جعلت هذا العام نصفاً، وبقية السنوات الماضية نصفاً آخر، فقد شهد الجانب السياسي انسداداً واضحاً، نتيجة تعنّت دول العدوان وإصرارها على تجاهل رغبة الشعب اليمني في الانعتاق من التبعية للسعودية، بما تقتضيه تلك التعبية من قبول بسلطة حكم فاسدة شكَّلت المشهد السياسي منذ 40 عاماً.
وترافق ذلك التعنّت برفض لكلٍّ مبادرات السلام التي طرحتها صنعاء، مثل مقترح الحل الشامل أو مبادرة مأرب، واللتين كانتا تضمان في ثناياهما فرصاً واعدة للسلام تم تجاهلها، لأنها لا تلبي الرغبة السعودية في إقصاء حركة “أنصار الله” تحديداً من المشهد السياسي اليمني.
في المقابل، لم تستقبل صنعاء المبعوث الدّولي الجديد هانس غروندبرغ الّذي طلب الإذن 3 مرات ولم يؤذن له، إذ كان الجواب أن قدومه يجب أن يكون مسبوقاً بتحريك ملف فتح المطار وفك الحصار قبل أيّ حديث سياسي، لكون هذه الأمور حقوقاً للشعب اليمني لا يمكن إخضاعها لتأثيرات الحوارات السياسية.
من هنا، نفهم أنَّ صنعاء طوَّرت مواقفها السياسية وفقاً لتغير موازين القوة على الأرض، وتعلّمت الدروس من الإفراط في حسن النية، والتي تميّزت بها جولات التفاوض السابقة برعاية الأمم المتحدة، فربط الجانب السياسي بالإنساني كحزمة واحدة تتأثر ببعضها البعض سلباً وإيجاباً بات أمراً من الماضي لا يمكن القبول به الآن.
وإلى جانب هذا الوضع السياسي المعقّد، كان هناك تطوّر عسكري مذهل، تمثّل بتحرير مناطق شاسعة من 3 محافظات كانت تعتبر معقلاً رئيسياً لقوات هادي أو للقوات التكفيرية الرديفة التي تقاتل قوات صنعاء جنباً إلى جنب مع قوات هادي، بإشراف وإسناد من التحالف السعودي الأميركي.
كانت البداية من محافظة الجوف التي تعد على تماس مع الحدود السعودية، إذ تم القضاء فيها على قوات هادي والسيطرة على كلّ المعسكرات المدعومة من التحالف، مع ما تحويه من كميات هائلة من الأسلحة والذخيرة.
بالتوازي، كانت قوات صنعاء تحرز تقدّماً هائلاً في بعض مديريات محافظة البيضاء جنوب مأرب، والتي كانت معقلاً تقليدياً لتنظيم “القاعدة” منذ ما يزيد على 25 عاماً، لينتهي الأمر بتحرير محافظة البيضاء بشكل كامل.
وبوتيرة أسرع، انتقلت عجلة التحرير شرقاً لتشمل 3 مديريات من محافظة شبوة، ثم شمالاً لتحرر المديريات الجنوبية لمحافظة مأرب، لتكون بذلك قد حرّرت 12 مديرية من أصل 14 مديرية تتكوَّن منها محافظة مأرب، وتصبح المعارك على تخوم المدينة؛ المعقل الرئيسي لقوات هادي والتحالف السعودي.
هذا التقدّم المذهل والسريع النتائج كان لعدّة أسباب، أهمها تطور الدفاعات الجوية اليمنية التي باتت تسقط طائرات التحالف التجسّسية بوتيرة أعلى، وثانيها هو القصف المكثّف الذي يتعرّض له العمق السعودي في مفاصل حساسة، وبكثافة نارية من الباليستيات والمسيّرات اليمنية.
أما السبب الأخير، فهو الوضع المزري الذي ترزح تحت وطأته المحافظات التي يسيطر عليها التحالف السعودي الأميركي، والذي تمثّل بانهيار اقتصادي غير مسبوق وانعدام للخدمات وغياب للمسؤولين، ما أدى إلى تقاطر القبائل باتجاه حكومة صنعاء لعقد المصالحات وإعادة بناء ما تهدّم من ثقة في الأعوام السابقة.
لا نحتاج إلى الكثير من الجهد لنفهم أنَّ التحالف السعودي الأميركي يعيش أياماً صعبة، فهو لم يستطع أن يقدّم نموذجاً مشرفاً يشار إليه، كما لم يستطع الحفاظ على أماكن تواجده، وباتت الهزيمة المدوية تلوح في الأفق، بل أصبحت المسألة مجرّد وقت ليسدل الستار على عدوان استمر 7 سنوات وانتهى بهزيمة نكراء. إذاً، لن يصبح للحكومة التي يدعمها موطئ قدم في اليمن بعد مأرب، ولن يجد مشروع السعودية السياسي من ينفّذه إلا في شاشات الإعلام ووسائل التواصل.
تجدر الإشارة إلى فرحة عارمة واحتفالات غير مسبوقة في حجمها واتساع رقعتها، نتيجة الفوز الرياضي الذي أحرزه فريق كرة القدم للناشئين في بطولة غرب آسيا، والذي فاز على المنتخب السعودي.
تلك الاحتفالات تجاوزت في شكلها الاحتفالات الطبيعية، ما اعتبره مراقبون تنفيساً عن كمية الغيظ الذي امتلأت به قلوب اليمنيين تجاه النظام السعودي، وكأنَّ تلك القلوب تبحث عن أيّ نصر تعبّر فيه عن أوجاعها! كما كان لافتاً كمية المبالغ والهدايا التي انهالت على الفريق، والتي بلغت أرقاماً غير مسبوقةٍ، وكأنّ واهبيها يعبرون أيضاً عن شيء في قلوبهم تجاه من أهداهم هذا النصر.
ختاماً، يبدو أنَّ التحالف السعودي الأميركي فقد زمام المبادرة في الشأن اليمني، ولم يعد يستطيع بناء خطط على المستوى المتوسط، بخلاف صنعاء، التي يبدو أنها تتحكّم في المشهد برمته، وتعرف ماذا تفعل في الزمان والمكان المناسبين.