كأس العر ب في قطر.. الخليجيون والمغاربيون كلهم في قارب واحد/ عبد السلام بنعيسي
18 ديسمبر 2021، 09:01 صباحًا
أسفرت نتائج مباريات تصفيات كرة القدم التي دارت في قطر لنيل كأس العرب، عن تأهل المنتخبين التونسي والجزائري ووصولهما إلى الدور النهائي في مباراة ستجري بينهما الأحد المقبل. ولاشك في أن المنتخبين المذكورين يستحقان هذا التأهل، فلقد نالاه عن جدارة واستحقاق، ومن المتوقع أن تكون المقابلة النهائية التي ستجمعهما غاية في الإثارة والندية، فالمنتخبان يعرفان بعضهما جيدا، وغالبا ما تكون المقابلات بينهما، ومعهما المغرب ومصر، مقابلات حماسية ومشوقة، ويطبعها التنافس القوي، وغني عن التذكير، أن الجزائر وتونس، بلدان من شمال إفريقيا، وليسا من الخليج العربي.
لماذا الإشارة إلى هذه النقطة؟ لأن الكثير من التغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي، والعديد من الإشارات في بعض المقالات المنشورة في جرائد إلكترونية، ومن ضمنها رأي اليوم، وفي تعليقات القراء، كان أصحابها يحذرون من إمكانية تلاعب حكام المباريات بالنتائج لتغليب حظوظ واحدٍ من المنتخبات العربية الخليجية للفوز بالبطولة، فلقد كان هذا الهاجس حاضرا، ووجدناه يعبِّرُ عن نفسه بأشكال مختلفة، لكن وقائع مبارياتا النصف النهائي والكيفيتان اللتان جرتا بهما، أبانت أن تلكم التخوفات والتحذيرات كانت في غير محلها، وأن الحكام لم ينحازوا إلى الفرق الخليجية، ولم يُغلّبوها على فرق شمال إفريقيا..
لقد واجه المنتخب التونسي نظيره المصري في مقابلة نصف النهائي، وشاهدنا جميعا أن نتيجة المقابلة لم تحسم لفائدة المنتخب التونسي إلا من خلال ضربة خطأ في الدقيقة الرابعة من الوقت بدل الضائع الذي كان ثلاث دقائق لا غير، لنتصور أن فريقا خليجيا كان هو المنتصر على الفريق التونسي، أو المصري في هذا التوقيت، وفي مثل هذه الظروف، من المؤكد أن الأصوات كانت سترتفع، والاتهامات ستُكال للجهة المنظمة، وللحكام، وسيوصفون بأنهم تحيزوا للمنتخب الخليجي، لأنهم سمحوا له بتسجيل هدف الفوز في وقتٍ خارج الوقت القانوني، وذلك بتمطيط عُمُر المباراة، ولو دقيقة واحدة، لكن المتنافسين الاثنين كانا من شمال إفريقيا، فغابت هذه الاتهامات، واختفت الشكوك، على نطاقها الواسع، حتى لو أن مدرب المنتخب المصري قد احتجَّ على التحكيم، ولكن في سياق مغاير.
وحدثَ أمرٌ مشابهٌ مع المنتخبين القطري والجزائري، فحين أعلن حكم المباراة على أن الوقت بدل الضائع هو 9 دقائق، والمنتخب الجزائري منتصر بهدف لصفر، تعالت صيحات الاستنكار من طرف الطاقم التقني الجزائري، ومعه كل اللاعبين الجزائريين الموجودين في دكة الاحتياط، وحتى الجمهور، فلقد اعتُبرت 9 دقائق، وكأنها مدة زمنية منفوخ فيها، وأعطيت للفريق القطري لكي يحقق خلالها التعادل، ويعود في النتيجة، لينال الفوز على نظيره الجزائري.
غير أنه في خضم الصراع، ومن معترك التخمينات والتأويلات والشكوك والاتهامات الصريحة والمبطنة، أعلن حكمُ المباراة في الدقيقة 14 من الوقت بدل الضائع عن ضربة جزاء لفائدة المنتخب الجزائري، وكان بإمكان الحكم التغاضي عن الإعلان عن ضربة جزاء، وقد يجد ما يكفي من المبررات ليرافع مدافعا بها عن قراره، ولكنه تحكَّم إلى ضميره وقناعته، وأعلن عن ضربة جزاء التي تمكن من ترجمتها إلى هدف اللاعب الجزائري يوسف البلايلي، وأفلح المنتخب الجزائري، بذلك، في المرور إلى الدور النهائي، مرورا مستحقا.
لكن، لنفرض أن الحكم كان قد أعلن في الدقيقة 14 من الوقت بدل الضائع عن ضربة جزاء لفائدة المنتخب القطري، وسجلها القطريون، وفازوا بالمقابلة، وهو أمرٌ كان من الممكن أن يحدث، فكيف كان سيتمُّ تفسير إعلان ضربة جزاء لفائدة المنتخب القطري في ذلك التوقيت؟ وكيف كان سيقع تأويل هذا الإعلان من جانب الحكم؟ ألم تكن الاتهامات والاحتجاجات ستنهال على التحكيم، وعلى قطر، والدول الخليجية، وعلى الفيفا بتزوير نتائج المباريات في كأس العرب لفائدة قطر؟ ألم يكن التشكيك سينصب على مجريات البطولة برمتها، وسيقع تجريدها من أي حسنة من حسناتها؟؟
ما يتعين استنتاجه مما سبق هو تجنب إصدار الأحكام المسبقة، وخلط الأمور ببعضها البعض، فمهما كانت الانتقادات التي توجَّهُ للسياسة الخارجية لبعض الدول الخليجية وما أنتجته من دمار، وقتل، وتشريد، في العراق، وسورية، واليمن وليبيا، فإن المجال الرياضي ينبغي أن يكون مفصولا عن السياسة وبعيدا منها، فالمنتخبات الرياضية هي منتخبات تمثل الشعوب قبل الأنظمة، واحترامها هو احترام لشعوبها في المقام الأول، والتنافس الشريف والنزيه ينبغي أن يظل هو السائد في الرياضة، وأن نحرص في المناسبات الرياضية على البحث عما يجمع، ولا يفرق، وعما يبني، ولا يهدم.
بطولة عربية في كرة القدم تتداعى لها المنتخبات العربية من أقطارها المختلفة، ويتتبعها، عبر الفضائيات، جمهور واسعٌ ممتدٌّ على مستوى الخريطة العربية برمتها، من المفروض أن تشكل هذه البطولة فرصةً نستثمر فيها في المستقبل، وأن نجعل منها وسيلة للتقريب بين الجماهير العربية، لكي تظل أواصر الأخوة منتصبة بينها، رغم الخلافات السياسية القائمة بين الأنظمة الحاكمة، فما لا يُدرك اليوم سياسيا، يمكن إدراكه في المستقبل، إذا تغيرت الظروف والمعطيات، فالمهم هو أن تبقى البنية النفسية العربية تشعر أنها واحدة، ولها قواسم مشتركة، وأن تُوظّفَ الرياضةُ لتنمية هذا الإحساس وتعزيزه.
الأساسي في المباريات الرياضية هي المنافسات والاحتكاكات التي تتم بين اللاعبين، وهو الحضور الجماهيري الذي يتابع هذه المباريات، وهي الأجواء الاحتفالية التي تصاحبها، ولذلك يتعين أن يسود المنافسات الرياضية الاحترام المتبادل، والقبول بالهزيمة والانتصار، ففي أي بطولة يكون الفائز منتخبا واحدا، وتخرج باقي المنتخبات دون الحصول على الكأس أو على البطولة، والمنتخب الذي يخسر مقابلة اليوم، قد يكسب مقابلات غدا، والكرة يومٌ لك ويومٌ عليك، فالبطولات التي تجمع الأشقاء العرب يتعين أن يكون الهدف منها كسر الحواجز بين أبناء الأمة الواحدة، وترسيخ قناعة أن لا فرق بين الخليجيين والمغاربيين، وأنهم كلهم في قارب واحد، وأن أعداء العرب هم الذين يسعون لزرع التفرقة بين أبناء المشرق العربي، وأبناء مغربه..
لقد كنا أمام بطولة ناجحة، ومن مستوى عالٍ جدا، واستمتعنا فيها بمباريات جميلة ومثيرة، وكان اللاعبون في قمة الأخلاق وهم يتنافسون بينهم، وكانت تصريحات المدربين في مجملها مدروسة ويطبعها التواضع والهدوء، وشاهدنا جماهير رياضية تشجع فرقها، وتحترم الفرق الخصمة لها، وكان المعلقون الرياضيون ينقلون مجريات المباريات الرياضية في جو يطبعه التقدير للمنتخبات المشاركة، ولشعوبها، وتاريخها، وكان النقل التلفزي متقنا جدا، بفضل الخبرة القطرية في هذا الباب، وشاهدنا ملاعب رياضية في دولة قطر، تضاهي كبريات الملاعب الأوروبية… والمنتظر الآن هو أن يتم البناء على هذه الدورة لكأس العرب، وأن تقع مأسستها وتنظيمها بشكل دوري وفي جهات مختلفة من الوطن العربي. إنها مكسب رياضي مهم، يتعين التمسك به، ورعايته وتطويره.