اسرائيل وافقت على الاتفاق النووي وهي صاغرة / صالح القزويني
25 ديسمبر 2021، 00:55 صباحًا
أليس من الغريب أن يعلن مساعد منسق السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي انريكي مورا عن الموعد الجديد لانطلاق الجولة الثامنة من المفاوضات النووية في فيينا تزامنا مع انتهاء زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان لاسرائيل؟
تصريحات المسؤولين الاسرائيليين والبيان المشترك الذي صدر بعد زيارة المسؤول الأميركي تدلل على أن الحكومة الاسرائيلية أبصمت بالعشرة على الاتفاق النووي، ربما يعود ذلك الى الغلظة التي استخدمها سوليفان مع بينيت وسائر المسؤولين الاسرائيليين والتهديدات التي أطلقها ضدهم إن قاموا بأي تحرك يعرقل أو يفشل المفاوضات النووية.
لا شك أن هناك من يستخف بهذا الرأي ويستهزئ به ويعتقد أن واشنطن هي التي جاءت الى تل أبيب صاغرة واستأذنتها في العودة للاتفاق النووي بعد أن عرضت عليها العشرات من الأدلة على أن الاتفاق لا يهدد مصالحها ولا وجودها بل على العكس يضمن أمنها، وأن الولايات المتحدة مهما يكن فانها لا تزال ملتزمة بأمن اسرائيل، ولو لم يكن كذلك فما معنى أن تأتي الولايات المتحدة بعظمتها لاسرائيل وأن مورا يحدد الموعد القادم لجولة مفاوضات فيينا بعد انتهاء زيارة سوليفان لتل أبيب مباشرة؟
ولكن سواء جاءت أميركا العظمى لاسرائيل الوضيعة صاغرة، أو وافقت اسرائيل صاغرة على الاتفاق النووي، فيا ترى أين الرعيد والوعيد والتهديدات الصاخبة التي أطلقتها تل أبيب على مدى اكثر من شهر وأشغلت العالم بها، من أنها ستذبح وتسلخ وتدمر وتستهدف المنشآت النووية الايرانية بضربة أوضربات أو هجوم شامل، وكان آخرها القائد الجديد لسلاح الجو الاسرائيلي تومر بار؟ فهذا المسكين بما انه انضم الى الجوقة حديثا، ورأى أن زملاءه استخدموا كافة مصطلحات التهديد الرنانة لذلك لم يجد أمامه الا القول، انه مستعد لمهاجمة ايران الان.
يتصور البعض أن الاتفاق النووي يخدم ايران دون غيرها والحقيقة أنه يخدم الجميع وفي مقدمتهم اسرائيل، فاذا كان هذا الكيان صادق فيما يقول، من انه يخشى صناعة ايران للقنبلة النووية فان الاتفاق النووي يستخدم كافة الوسائل لمنع ايران من صناعتها، لأن الاتفاق لا يسمح لطهران بتخصيب اليورانيوم لأكثر من 4 بالمئة بينما صناعة القنبلة بحاجة الى تخصيب اليورانيوم لأكثر من 90 بالمئة، فكيف حينئذ تتمكن من صناعة القنبلة النووية؟
الى جانب أن الاتفاق النووي لا يسمح لايران بتخصيب اليورانيوم الى أكثر من 4 بالمئة، فان مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصولون ويجولون في ايران، وكاميرات مراقبة الوكالة تسجل كل حركة وسكنة في المنشآت النووية الايرانية على مدار الساعة، وبالتالي فان أي انحراف في هذه المنشآت نحو التصنيع العسكري يكتشفه المراقبون أو كاميراتهم.
اساسا فان كل من لديه القنبلة النووية أو يسعى لامتلاكها لا ينضم الى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، كما هو الحال بالنسبة لأميركا واسرائيل، ولكن السؤال المطروح هو، بما أن اسرائيل تعلم بذلك بل انها متيقنة من ان ايران لن تسعى لامتلاك القنبلة النووية، فمالداعي لكل هذا الضجيج وصداع الرأس؟
تل أبيب أجبن من أن تجيب على هذا السؤال، لأن الاجابة عليه تتطلب التحلي بشجاعة سياسية فائقة واماطة اللثام عن اسرار كثيرة وكشف ما جرى ويجري وراء الستار، وباختصار، فان اسرائيل لا تريد تضييع المكاسب التي حققها الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لها.
فبعد الاتفاق النووي عام 2015 تحولت ايران الى دولة عادية كسائر دول العالم، لها ما لها وعليها ما عليها، وبالتالي لم تعد الدولة المهددة لاستقرار وأمن العالم والمنطقة، كما دأبت ماكنة الاعلام العالمي على تصويرها بذلك، وعندما انسحب ترامب من الاتفاق عادت هذه الماكنة الى ممارسة دورها السابق تجاه ايران، والى جانب الدور الذي لعبه الاعلام بتصوير ايران على انها السبع الضاري واسرائيل الحمل الوديع، فان ترامب قدم بعض الاغراءات لبعض الدول ومارس الضغوط الشديدة على دول أخرى لتطبع وتقيم علاقات مع اسرائيل، وبالفعل اقامت عدة دول علاقات مع اسرائيل.
غير أن المشوار لم يكتمل مع رحيل ترامب فكانت تل أبيب تأمل باقامة علاقات مع جميع الدول التي تقاطعها، ولعل الخبراء في الشأن السياسي كانو يتابعون ما يروجه الاعلام وخاصة الاعلام العبري من أن عدة دول تقف في طابور اقامة العلاقات مع اسرائيل، ولا يمر يوم الا وتتحدث وسائل الاعلام الاسرائيلية عن أن احدى الدول ستقيم قريبا علاقات دبلوماسية مع تل أبيب، بينما اليوم اختفى الحديث عن ذلك ولم يعد أحد يتكلم عنه، بل انعكست الآية ويجري الحديث هذه الايام عن تعزيز العلاقات الايرانية العربية وجولات الحوار بين طهران والرياض وتبادل الزيارات بين كبار المسؤولين الايرانيين والاماراتيين.
واذا كان المجتمع الدولي قد شهد تقاربا ايرانيا مع العديد من دول العالم قبل الاتفاق النووي، فما بالكم باطلاق ايران ومجموعة 5+1 العمل بالاتفاق؟ فهذا هو بالتحديد ما يثير غضب اسرائيل، فهي لا تريد عودة ايران للمجتمع الدولي والغاء الضغوط والعقوبات عنها، لأنه مع عودتها يزول المبرر لاقامة العلاقات بين اسرائيل وسائر الدول وخاصة وانها تقدم نفسها على انها الحامي والمدافع عن دول المنطقة امام “الخطر والتهديد الايراني”.