أبعاد التطبيع و تداعياته على إستقرار و إستمرارية الدولة المغربية/ د. طارق ليساوي
30 ديسمبر 2021، 01:52 صباحًا
أشرت في مقال “في الذكرى الأولى لاتفاق التطبيع بين المغرب و”إسرائيل”: حساب المكاسب والمثالب…” إلى أن هذا الاتفاق المشؤوم، أضر بصورة المغرب في العالم العربي و الإسلامي، خاصة و أن العاهل المغربي رئيس لجنة القدس ، بل إن الميزان التجاري في صالح الكيان و مكاسب المقاولات المغربية هامشية جدا و لا يمكن أن تحقق أي مكاسب ذات قيمة مستقبلا..المستفيد من الاتفاق هو الكيان الصهيوني الذي نجح في استقطاب دولة بحجم المغرب لها مكانة تاريخية بالغة الأهمية في دعم القضية الفلسطينية، و أيضا بموقعها الجيواستراتيجي المتميز…
و نحن على مشارف نهاية عام 2021، قمنا كطاقم تحرير برنامج “إقتصاد×سياسة” بمحاولة لجرد أهم الأحداث الوطنية و الدولية في هذا العام ، و اعتبرنا أن قرار التطبيع مع الكيان الصهيوني أهم حدث سياسي ميز هذا العام، و ركزنا على هذا الاتفاق لأنه يعبر عن اختيارات عامة للدولة المغربية خاصة و للبلدان العربية المطبعة عامة، و سأحاول في هذا المقال تقريب القراء الكرام من وجهة نظر مغايرة و قراءة مختلفة لأبعاد التطبيع و تداعياته…
فاختيارات الدولة المغربية في السنوات الأخيرة ميزها التوجه نحو ليبرالية متوحشة، و قامت بالتضحية بالقيم و الأسس التي قامت عليها الدولة منذ حوالي 1400 سنة ، فالدولة تحاول تمرير و تبني نصوص و قرارات تعارض أسس و مقومات وجودها، و مجازا يمكن أن نشبه هذا التوجه بعملية صيد الأسماك المتناهية الصغر و المحرمة الاصطياد في أعالي أو حصد الأخضر و اليابس، فالدولة المغربية تاريخيا وواقعيا، قامت على أساس ديني و تحديدا على القيم الإسلامية، فقبل الإسلام لم تكن في المغرب دولة ، و أول دولة هي دولة الأدارسة، و التي إحتفظت باستمراريتها رغم اختلاف الأسر الحاكمة من المرابطين و الموحدين و المرينين والوطاسيين إلى العلويين ، فمن الأمور التي يفتخر بها غالبية المغاربة، أن لديهم دولة قديمة في التاريخ و أقدم عرش في التاريخ بعد العرش الياباني، فالدولة تحاول الضرب في دعاماتها و أساساتها ..
وأصل هذا التوجه الملغوم سياسيا، جاء من بوابة الاقتصاد والبرغماتية الاقتصادية، وبدعوى استغلال الرأسمال الرمزي، على اعتبار أن المغرب زاخر بالإرث التاريخي والثقافي الضارب في التاريخ، خاصة و أن المنظمات الدولية المهتمة بالثقافة كاليونيسكو، كل مرة تخرج بتصنيف جديد مفاده إدراج بعض العادات و البنايات التاريخية و الأطباق المغربية ضمن الثرات الإنساني..خاصة و أن الثروات المادية في طريقها للتصحر و التبخر، و كما تم تفقير الغالبية ماديا عبر التضخم و البطالة و تسليع الخدمات العمومية كالصحة و التعليم و فشل الاختيارات التنموية، فالبلاد بصدد موجة جديدة من التفقير” تفقير رمزي و روحي”، فرمزية هذا الوطن يتم تدويلها و سلعنتها و عرضها في المزادات الدولية تحت ذريعة المكاسب السياسية و الاقتصادية و الإشعاع الدولي..
فبعدما تم بيع وتجريف الموارد المادية، مررنا تدريجيا إلى مرحلة بيع الموارد الرمزية والقيمية، مقابل إعتماد القيم والأطروحات الغربية، وتفريغ الأجيال الصاعدة من انتماءها الحضاري و الديني و التاريخي و الثقافي، فأصبح التعليم أولوياته تخريج الياقات البيضاء و الزرقاء التي يحتاجها سوق الشغل، و ليس بالضرورة بناء هوية ثقافية ووطنية متشبعة بأصولها و موروثها الثقافي والتاريخي المستمد من الإسلام.. والتطبيع مع الكيان الصهيوني يندرج ضمن هذا التوجه العام، فالتطبيع يسوق بموجب قيم ظاهرها نبيل و باطنها باطل، كقيم التسامح و التعايش، و لا يختلف إثنين أن الأقلية اليهودية عاشت في المغرب و باقي البلدان الإسلامية، في تعايش مع الأغلبية المسلمة و الشواهد التاريخية و العمرانية دليل على ذلك…
والمغرب بحكم موقعه الجغرافي، استوعب الأخر وتعايش معه، لكن دون التفريط في الهوية الأصلية، فاليهود عاشوا في المغرب طيلة قرون وتمتعوا بحقوق، ضمن نطاق أهل الذمة وفق التصور الإسلامي، ووفق هذا التصور لهم حقوق مكفولة كمواطنين ورعايا يخضعون لحماية السلطان المغربي..
لكن المعادلة في طريقها للانقلاب تماما، فاليوم هذه الأقلية اليهودية التي اختارت في الغالب الرحيل من أجل احتلال و استيطان و اغتصاب أرض فلسطين، سوف تصبح هي الحامية للأغلبية المسلمة في المغرب و في باقي البلدان العربية المطبعة، و تدخل الكيان الصهيوني في ملف الصحراء و في العلاقات الثنائية بين بلدين جارين و شعبين شقيقين هما المغرب و الجزائر، مؤشر على هذا التوجه العام ، فالكيان الصهيوني يحاول ابتلاع المغرب و فرض الوصاية عليه ، بدعوى أن الكيان الصهيوني قوة دولية ضاغطة و مؤثرة في مراكز القرار الدولي، و يحاول ابتلاع المغرب ليبتلع المنطقة المغاربية فيما بعد، كما ابتلع فلسطين سابقا ، فإسرائيل ابتلعت أرض فلسطين، و أصبحت المشغل للفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين، و هي التي تتحكم في أقواتهم و مصائرهم و مساجدهم و كنائسهم…
فمع توالي الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، لجأ النظام الرسمي إلى الارتماء الكلي و اللامشروط في أحضان الكيان الصهيوني وربط مصيره بمصيره، و مراهنة النظام السياسي المغربي على الكيان الصهيوني مراهنة خاطئة، و قوة الكيان المزعومة قوة وهمية و مصطنعة، و نعتقد أن المغرب في طريقه إلى تكرار ذات سيناريو الانخراط في تحالف دعم الشرعية أو “عاصفة الحزم” بقيادة السعودية ، و التي نجحت في جمع عدد كبير من الحلفاء لضرب الحوثيين في اليمن، و قد رأينا كيف انفرط عقد التحالف رغم قوته الظاهرة حين ميلاده.. و سنحاول في مقال موالي إن شاء الله تعالى توضيح لماذا الرهان على الكيان الصهيوني رهان خاطئ … و الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون…
إعلامي وأكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي، أستاذ العلوم السياسية أستاذ العلوم السياسية و السياسات العامة..