أدعوكم لتصفح هذه المجموعة المختصرة من العروض التمويلية التي أعلنتها وزارة الخارجية الأمريكية خلال الربع الأخير من العام الفائت. العروض تنتقل من آسيا لمنطقتنا ولإفريقيا طارحةً فرصاً تمويلية للمنظمات لتقديم أفكار مشاريع تتواءم وأهداف العروض التمويلية. أفكارٌ لمشاريع يمكن تشبيهها بالشجرة الخبيثة.
بدايةً يجب أن نقول أننا نحتفظُ و ندافعُ عن حُزمةِ الهويات التي نحملها، وهي حبنا واحترامنا للإنسانية و الرأفةِ و تعاليم ديننا و مبادئ المساواة المواطنية والمشاركةِ التفاعليةِ الإيجابيةِ القائمة على شرعٍ و دستورٍ و على منظومةِ تبادلِ المنافع ضمن قوانين عادلة، و لا نرضى لَيَّ هذه المبادئ لأن مجتمعاتٍ بعيدةٍ اكتشفت لنفسها إيماناً جديداً تريدُ منا أن نتبناه إن برضانا ورغماً عنا و تستخدم لهذا أدوات الإقناع والترهيب المعروفة من تمويلٍ ومكافآت ومن تشهيرٍ و أزمات. حتماً سنقبلُ ما ينفعنا و يتواءم مع هويتنا و مكوناتها و سنرفضُ كل ما يؤذيها و يؤذينا. نحنُ لسنا شعوباً اكتشفها المستعمرون وقرروا أنها متوحشةً بحاجةٍ للتهذيب والتطوير. ديننا وأخلاقنا بهما من الرحمةِ والتسامح و الحض على التعارف بين الشعوب لعمل الخير ما يُغنينا عن ما نعتقده حراماً وما نراه إعمالاً للعقليةِ الاحتلالية الاستعمارية بمسميات الحرية و الحقوق. لكن الرغبةَ قائمةً لتهذيبنا و تطويرنا و مزودةً بالمالِ والنفوذ والمصيبة أن منا من سيقتنع بها و سيرضخ. و أرجو إبقاءَ الذاكرة مُتَقِّدةً حَيَّةً بشأنِ سجنِ أبو غريب و السجون السرية التي أوكلتها الإدارة الأمريكية لدولٍ مختلفةٍ للتعذيب و منها للأسف بعض دولنا و ذلك لتفادي قوانين منع التعذيب في الولايات المتحدة و سهولة إخفاءه ببلادنا. و أرجو لذلك أن يعلمَ القارئ أننا لسنا أفضل بهذا المقياس من أشرس مستعمر فالتعذيبُ و الترويعُ و القتلْ كانوا سِمةً مستمرةً لسجون العرب. و كذلك استمراء استباحة المحرمات و الأخلاق مع كوننا نفخر بالدين الذي منح حقوق الإنسان و أسَسَّ منظومةَ الأخلاق الحاميةِ للعائلة. هذا أمر مريع و باعث للشك بإيماننا و بمبادئنا حين تصطدم بها أفعالٌ منكرة مما يؤسس لتدخل العقائد الخبيثة و يبرر الإستعانة فأصبحنا نلجأ، لحماية حقوقنا من بعضنا، للمنحِ و العطايا ممن بمساعدتنا استباح ويستبيح حقوق شعوبٍ منا. دوامة شيطانية عناوينها قصورنا و ركوعنا للغير لمعالجة هذا القصور و في العلاج المقدم سموم و في كل منحةٍ بذرةٌ شيطانيةٌ كما سنرى. لقد انحازت حكوماتنا لاستقبال المنحِ وقبول شروطها وبالتدريج تخلينا عن منظومةَ دفاعٍ ذكي عن قيمنا و فتحنا الأبواب لكل ما يهدمها من المهد إلى اللحدِ. ليس المطلوب قنوات الوعظ والإرشاد الكلاسيكي لكن عبقريةً متجددةً لصيانةِ ديمومة أمة. و للأسف فإن التشتت و التنافس لم يفد. ساعد في ذلك التواصل العالمي السريع و الانسياق اللحظي لما يراه المجتمع لحاقا و انتماءاً للتقدم و ساهم كذلك البث الفضائي الممنهج لنشر القبيح الذي يتراكم في العقول مما تستدركه حتى دوله المنتجة له فلا تعرضه إلا بشروط. أما عندنا فهو مُباحٌ في كل وقت. و الأدهى فعلاً هو مزج التمجيد للآلة العسكرية التي تحتلنا مع ترويج المِثليةِ التي تهدد المجتمع و من الملاحظ كثافة بث الأعمال السينمائية المطبعة للمثلية و المُمَجدةً للجيوش الغازية من قنواتٍ عربية فتراهم ُيكبِرونَ هذه القيم الساقطة و يُصَغِّرونَ قيمةَ كل مُخالفٍ لهم. هذا غيضٌ من فيض و جزءٌ مهمٌ من تحويل العقل العربي.
لنتأمل في عروضٍ سنويةٍ صادرةً من مكتب شؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان والعمل بوزارة الخارجيةِ الأمريكية بِمِنَحٍ ماليةٍ لمنظمات المجتمع المدني و غيرهم من منظمات أو هيئات عاملة على مستوى العالم و المناطق الإقليمية و الدول. عددها 66 وأفضَحَها على الإطلاق هو “صندوق المساواة العالمي في شمال وغرب ووسط إفريقيا و الشرق الأوسط وجنوب ووسط وشرق آسيا لتمكين الحركات و المجتمعات المحلية للسحاقيات و اللواطيين و المخنثين و مزدوجي الجنس وعابري الجنس والشواذ ومختلطي الهوية الجنسية” وكل من يتآلف ويتحالف ويتعاون مع هذه الفئات. ستمنح وزارة الخارجية ستة منح بحدٍّ أقصى مليون دولار للمنظمة التي ستقوم بهذا العمل. يساهم بالتمويل لهذا البرنامج حكومات الأرجنتين و أستراليا و كندا و تشيلي وكرواتيا والدنمارك والنرويج وفنلندا وفرنسا وألمانيا وآيسلندا وايطاليا والجبل الأسود وهولندا والسويد والأوروغواي و الولايات المتحدة. وأيضاً مؤسسة آركوس ومؤسسة جون إيڤانس والمنظمة النرويجية للتنوع الجنسي و النوع و صندوق ماك للإيدز وشركة ديلويت و البنك الملكي الكندي و هيلتون و بلومبيرغ و مبادرة تومسون رويترز وحملة حقوق الإنسان وآوت للقيادة. أركان التمويل هي للتخلص من العنف والوصول للعدالة القانونية و الانتماء المجتمعي المُمَكن والاندماج المجتمعي. والشرط الأساسي تلخصه عبارة “لا شيء بشأننا من دوننا” و يعني ضرورة أن تقوم المنظمات التي تتصف بهذه الأوصاف الجنسية بدور القيادة. و تنتبه وزارة الخارجية للخطر المترقب بهذه الفئات ببعض الدول فتطلب من المتقدمين للتمويل تقديم دراسةٍ عن هذه المخاطر و التعامل معها و حماية العاملين وذلك لضمان استلام التمويل و حُسنِ صرفه.
ثاني الأثافي. عرض تمويل بقيمة ٢ مليون و خمسمائة ألف دولار للمنظمات الراغبة لتطوير و إدارة الحراك العالمي للمثليين والشواذ بعموم فئاتهم المذكورة أعلاه من زاوية اندماجهم بالعملية الديمقراطية و التمكين السياسي لهم وحماية حقوقهم. من وجهة نظر الوزارة فإن الديمقراطيات القوية هي الديمقراطيات التي تحتضن كل فئات الشعب و بالطبع هؤلاء الشواذ جنسياً من ضمنهم. يعني، مثلما خرج عضو مجلس شيوخ أمريكي وغيره من السياسيين في الولايات المتحدة والغرب عموماً من إنكار شذوذهم الجنسي للإشهار له و لاقوا مع الوقت القبول و التشجيع، فعلى الديمقراطيات بباقي العالم أن تتبعهم. لكن التمويل كما نلاحظ لا يغطي مناطق تشتهر بالديمقراطية. لذلك فالتمويل المعروض له هدف تقوية الحجة و الوسيلة لتحقيق الاندماج المِثلي الشاذ في عالم السياسة و الإدارة الحكومية بمستوياتها في البلدان النامية. كما أنه يستهدف خلق إعلامٍ مؤازر و بيئةٍ قابلةٍ و مدافعة و بعيدة عن اضطهاد المثليين و فئاتهم. التمويلُ له هدفُ خلق المجتمع المستقبلي في هذه المناطق حين يسود الحب و الوئام على أنقاض الدين و الأخلاق. هذه هي الديموقراطية الإدماجية.
ننتقل لعنوانٍ آخر يتعلق بالحريات الدينية والتراث الحضاري بمنطقةِ غرب إفريقيا. عنوانٌ جديرٌ بالإيجابية للوهلة الأولى ثم تلاحظ أنه يتكلم عن مجموعة الأديان المعروفة و مجموعة اللا دين و مجموعة الحضارات المعروفة وتلك غير المعترف بها و الخلفيات العرقية الدينية وتلك التي لا تملك حضارة اللا إيمان! و الشرط هو إدماج هذه المجموعات و منظماتها بناءً على دينهم و جنسهم و أي إعاقات بهم و عرقهم و أصولهم و تفضيلهم الجنسي و هويتهم النوعية و طريقة تعبيرهم عن نوعهم الجنسي و صفاتهم الجنسية و أصولهم الوطنية و أعمارهم و معلوماتهم الجينية و حالتهم الزواجية و حالتهم الأبوية و إن كانوا حبالى و انتمائهم السياسي أو خدمتهم العسكرية. قوسُ قزحٍ عريض و مستغرب فعلاً لفئات تنطوي تحت الحريات الدينية و الحضارات لا ترى فيها الرابط الديني بقدر الروابط المشجعة لما يشذ عن الطبيعة. و بحالة بنغلاديش يستفيض العرض التمويلي ليشمل حث الحكومة على الابتعاد عن العنف واضطهاد الأقليات الهندوس والمسيحيين و الأحمديين و الإنسانيين. و يشتمل التمويل على ذات الشرط الخاص بالحالات العرقية و الأفضليات الجنسية. و تشجيع الحكومة في كازاخستان المشتعلة هذه الأيام على التعامل برفق مع الحريات الدينية هو برنامج تمويل آخر أيضاً يحتوي على نفس الشرط. و يتكرر الأمر بتمويلٍ لأندونيسيا مع الحث على السماح بحرياتٍ دينيةٍ واضحة و بذات الشرط السابق. باختصار، تمويلٌ له اسم و محتواه فيه خبث الدخول لتفسيخ مجتمعات و إعادة تركيبها.
ثم ننتقل لموضوع دعم الحريات الأساسية و حكم القانون الذي يشمل عدداً من الدول العربية و الشرط فيه هو نفس الشرط السابق لغرب أفريقيا! و يتكرر التمويل من البحرين للسودان و للعراق مع التمييز لكل حالة بلد لكنه في حالة العراق يتكلم عن منع الفظائع والمساءلة فيما يستجلب للذاكرة فظائع أبو غريب مثلاً و التي لا يذكرها العرض التمويلي. و هناك برامج تمويلية مشابهة لكل الدول العربية باستثناءات قليلة.
من المطلوب فهم سياسة الولايات المتحدة والغرب فيما يخص دعم الإباحيةَ المثلية اللامحدود سواء بوضوحٍ لا لبس فيه أو من ثنايا برامج تمويلية لدعم الحريات بأشكالها، و فهم لماذا تُؤمر البعثات الدبلوماسية الأمريكية برصد حقوق الإنسان المِثْلي و فئات الشذوذ و إرسال تقاريرها لواشنطن. و من المتوقع أن حكوماتنا ستقع تحت الضغط لحمايةِ هذه الفئات كشرطٍ من شروط التمويل المتاحة. تذكرون أنه ما من اتفاقيةِ منحةٍ من مانحٍ لمؤسسة أو منظمة إلا و صارت تحتوي على شرط عدم التعاون مع الإرهاب. و سنرى قريباً شرطاً بإدماج المثليين و فئاتهم.
نحن لسنا عنصريون مع الاعتراف بوجود العنصرية عندنا بأشكالها، لكننا نشأنا بمبادئ تقوم على أسس دينية تلتقي مع اليهودية و المسيحية الحقة لتحريم الإباحية المثلية. و لذلك من الصعوبة بمكان أن نلتقي في الرفض للإباحية المثلية مع مؤسساتٍ عنصريةٍ مثل اليمين المتطرف في أمريكا و الغرب الذي لا يحمل لنا عاطفةً تُذكر و نجد أننا نختلف بعنف مع مؤسساتٍ ليبرالية لكنها باتت عصب و جذع الحركات المثلية، ولكن هذا يحصل. و من المثير للريبة أن نرى سياسات مشجعة للمثلية في الكيان الصهيوني الذي يقوم بناءه على اليهودية؛ و من غير المنطقي أن نتقبل انحراف الولايات المتحدة والغرب لتعزيز الحقوق المثلية بمناطق مختلفةً في العالم في الوقت الذي يهينون فيه حقوق الشعوب الأصيلة. نحن لا نعلم من هي المنظمات الفائزة بهذه المنح المالية و لا كيف ستعمل لكن آثار أعمال المنح السابقة تتضح تدريجياً ببلادنا. والمثير للوحشة و القرف هو الربط بين حقوق هذه الفئات و التخلص من العقلية الاستعمارية! إنهم يصورون في كتاباتهم أنهم هم ضحايا احتلالٍ مُستَعْمِر ذهنياً و عملياً و من دون حصولهم على حقوقهم، مثلهم مثل شعوب مُحتلة بالحديد و النار و السجون، فلن يكون هناك عدالة. تصوروا هذا التشبيه بين المِثليين و فئاتهم و شعوب لم تتخلص من الاستعمار بعد. و انظروا لموقف الغرب من الاستعمار بأنواعه ببلادنا و هم الذين يؤججونه، و موقفه من تحرير المثليين و منحهم الحرية. مُقاربةٌ لا تقوم لكنها فعلاً قائمة و يمكن الرجوع لها في الكتابات التي تنشر الوعي بحقوق المثليين في الدبلوماسية و السياسة و الإعلام.
ونسأل عن السبب؟ لماذا يهتمون كل هذا الاهتمام و يبذلون المال و أساليب الضغط و الرقابة و إصدار التقارير المسهبة و يوقعون العقوبة لمن يخالفهم في العقيدة و الرأي و السوية؟ و لماذا نُسْحَبُ سحباً لقبول عقيدتهم و رأيهم و حياتهم؟ سؤالٌ له إجاباتٌ متعددة بحثها يطول لكن الأكيد أن الشجرةَ الخبيثة تجدُ الأرض الخصبة في انكسارات حكوماتنا الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية مما يجعلها رهينة علاقات تمويل مشروطة و تغيير مجتمعي كاسح للقيم و الأخلاق.