قمة الجزائر عُقِدت.. والثوابت والمقاومة /فؤاد البطاينة
30 يناير 2022، 00:07 صباحًا
من العبث السياسي في عصر الإنحطاط العربي أن نفصل مشكلة قُطر عربي عن مأساة الوضع العربي العام، ومن الجهل السياسي أن نفصل الوضع المأساوي العربي العام عن كارثة فلسطين، قارئ التاريخ يُقرُّ بأن فلسطين هي حاضرة العرب وسردية تاريخهم ونقطة وصل أوصالهم وأمصارهم، وللمسلمين هي وقف إسلامي، إنها ناصية الوطن العربي وعاصمته السياسية، ولذلك كانت تاريخيا محل استهداف استعماري وبالتالي مفتاح المنطقة ككل.. وحين تسقط العاصمة يرتبك المشهد سياسيا وجغرافياً وتصبح الإمتدادات مستهدفة في حرب بقاء لا تحتمل تسوية، وعندما يكون المحتل لفلسطين بحجم وهدف مشروع صهيو إمبريالي استيطاني، تصبح دول المنطقة كلها، عربية وغير عربية أمام خيارين، إما مواجهة هذا الإحتلال والبقاء الكريم، أو الوقوع فريسة وأداة له على نفسها، وما التعامل مع هذا المحتل أو صداقته تحت أية ذريعه، إلا كصداقة كلب الصيد للصياد.
فلسطين اليوم عاصمة احتلال أو إخضاع للدول العربية والمنطقة برمتها، والمحتل الصهيوني يدرك بأنه دخل في صراع وجودي مع العرب ابتدءا، ولكن للأسف فإن الأنظمة العربية اعتقدت بأن القضية الفلسطينية هي في إطار فلسطين فقط، وبأن أقلمتها في كيانات سياسية سيجعلها أمنة وقوية، فعزمت على استخدام القضية في صراعاتها على السلطة، وجعلت من فلسطين نشيداً عاطفياً بلا مضمون، ثم تمادت بفعل دخول الصهيونية على خط هاجسها ومصالحها، فأمطر سحابها على فلسطين خونة وتجار سلطة ومُلك لهذه اللحظة. وحروبهم مع العدو كلها كانت سياسية، والهزائم العسكرية نتائجها. ولكن الفلسطينيين تمكنوا من إبقاء القضية حية بصمودهم ومقاومتهم وتضحياتهم التي لم تتوقف يوماً ً غير مبالين بخيانة الأشقاء وتحالفهم مع المحتل، إلى أن غزاهم ذات الإحتلال قطراً تلو الأخر، ودخلت في حضنه صاغرة وزرع فيها الخراب والدمار وكل ما يشغلها بنفسها، ولكن عبثاً كل محاولات الإنقاذ قبل إنقاذ فلسطين أولا كشرط يفرض نفسه بالمنطق.
لقد حُرمت أقطارنا على أنواعها من قيادات سياسية محترفة واعية، ومن شراكتها لمفكري وسياسيي الأمه وعقلائها، وبالتالي من إدراك طبيعة واتجاه وهدف المشروع الصهيوني ومتطلباته وتعاملت مع القضية بمنظور سياسي خاطئ، وغير وطني أو قومي، ولا أخلاقي، إذ اعتبرتها حكراً على فلسطين والفلسطينيين. بينما من البديهي استحالة استقرار وإنجاح احتلال فلسطين أو تمرير المشروع الاستعماري في المنطقة مالم يتم إخضاغ امتدادات فلسطين الجغرافية والبشرية العربية على أقل تقدير.
قمة الجزائر
فالجسم العربي اليوم مسرطن وكلمة السر فلسطين، وأوصاله المرتمية ملتبسة امام استحقاق قمة الجزائر المقبلة. ولعلها أخر قمم الجامعة العبرية. مكانها حر طاهر وزمانها قاهر وشعارها يحاكي التحدي، والمؤتمرون المفترضون يعانون من انهيار وطني وخلقي وعمالة نزلت للحضيض وجعلت من وجودهم في السلطة صورياً، حقيقته تمثيل الإرادة الصهيو- أمريكية، ويرهنون مقدرات شعوبهم وأموالها تحت تصرفه. فعلام يأتمرون وماذا يُنتظر منهم إن حضروها.أليس من المفترض بنا هنا أن نتساءل واثقين، ماذا تريد الجزائر من إصرارها على عقد المؤتمر بظرفه العربي المحسوم
لا يستوقفني شئ من كل ما يُتداول عن مثل هذه القمة التي يسودها ويأتمر فيها عرب صهاينة بأدوار مختلفة، إنما يستوقفني ويعنيني كمواطن عربي هي الجزائر العظمى عندما تُصر على اختراق الواقع العربي بعقد القمة تحت شعار يخاطب الإنحطاط العربي الراكع للصهيونية ويضع الأمور بنصابها وهو، شعار قمة فلسطين، حين أردفته علانية أمام العالم بفتح ذراعيها للمقاومة الفلسطينية ورأب صدعها، ففي هذا التوجه تعبير عن أصالة الثورة الجزائرية وعالمية فكرتها السامية، وإحساسا بعروبة فلسطين وعدالة قضيتها من ناحية،وإدراكاً ووعياً منها على خطر الصهيونية الفاتك بالمحيط العربي والذي لن يترك الجزائر بالتأكيد.
ما أذكاه وأعظمه من شعار عميق وشجاع وهادئ ترُد به الجزائر على الحالة العربية بكل معانيه في عصر الردة والظرف الذي فيه يقود العربَ صبيةٌ ممثلون لإرادة الصهيو أمريكي، والشريف فيهم خائن. وليس منهم واحد يجرأ ولو على سبيل النفاق أن يطرح قضية فلسطين كقضية احتلال أو كقضية له ولشعبه، أو قومية أو إسلامية. ولا منهم من يبقى على كرسيه إن أيّد مشروعية المقاومة، ولا من يجرأ على إسعاف غزة دون الإذن والتنسيق مع الإحتلال. بل وفي عصر يخلو فيه الإقليم الإسلامي والعالم من نظام يقف علانية مع الفلسطينيين ومقاومتهم ويرفض الاعتراف بكيان الإحتلال سوى إيران. نعم نعم، قمة الجزائر انعقدت بمجرد رفع شعار ” قمة فلسطين “، عُقِدت بحضور الشعب العربي بقلبه وعقله، على أجندة فلسطين ومشروع المقاومة.
وعلى هذا الأساس نتطلع الى قمة الجزائر أن تكون نقطة تحول تُدفن فيها مؤسسة قمة القصور والخيانة ويبزغ فيها فجر قمة الأحرار المقاومين للمشروع الصهيوني الإحتلالي الاستعماري في المنطقة، وعنوان وعيه وجديته هو فلسطين أولاً. فالجسم موجود بالشعب العربي، والطليعة ورأس حربته بالشعب الفلسطيني، والجناحين راسخين يغطيان منطقتنا من مفصل الجزائر لمفصل طهران. والروح مبثوثة في كل حر في هذا العالم.
لقد رفعت الجزائر شعار فلسطين لقمة تعرفها موبوءة. وتعرف بأنه شعار وعنوان طارد لا جاذب للقمة، لكن السر فيه. رفعته لأنها الحرة في عصر الذل والإنحطاط. أما لماذا هي حرة من دون أقطار العرب فلأنها القطر العربي الوحيد الذي انتزع استقلاله انتزاعاً من قبضة وهجمة أعتى وأعمق استعمار احتلالي في التاريخ ودفع له أغلى ثمن، ولم يكن منحة ولا تدويراً للإستعمار ولا تآمراً. ومن هنا فإن العقل الثوري الجزائري الحر يعلم بأن الشعب الفلسطيني شبيهه وشقيقه الذي رفض المساومة على استقلاله، ودأب من لحظة انتهاء الحرب الأولى وظهور خيوط المؤامرة، على النضال المقاوم لانتزاع استقلاله من إستعمار صهيوني احتلالي إحلالي تسنده قوى الإمبريالية العالمية بصمت الدول الكبرى الأخرى وبتغطية وتآمر من العمالة العربية الناشئة.
لماذا التحرير لكل فلسطين؟
أعود لمسألة رأب صدع المقاومة الفلسطينية، إنه صدع عميق تتجاوز طبيعته الشأن الفلسطيني الى كل دول المنطقة من عربية وغير عربية. ويتمثل في تحديد هدف المقاومة التحريرية ومداها الجغرافي. وهي مسألة استجدت من واقع انكسارات العرب وخياناتهم وترسخت وتقوننت في أوسلو وتبعاتها. وبهذا أقول بأن هذه المسألة يحكمها أربعة ثوابت.
ألأولى: هو الحق السيادي التاريخي لشعب فلسطين على كامل ترابه الوطني بمعزل عن سطو القوة الاستعمارية الغاشمة.
الثانية: هي طبيعة المشروع الصهيوني الاحتلالي الذي يستهدف لجانب فلسطين كل دول المنطقة العربية والإقليم.
الثالثة: تنبع من كون فلسطين كلها وقف إسلامي يخص قرابة الملياري مسلم في مواجهة سردية توراتية استعمارية.
الرابعة: تنبع من رسوخ النقاط الثلاث التي تجعل الصراع بالنسبة لكيان الإحتلال صراعاً وجودياً في المنطقة ولا يقبل الحلول الوسط. ومن هنا فلا يمكن أن يكون هدف المقاومة ومداها الجغرافي بأقل من تحرير فلسطين كاملة وتنظيف كامل المنطقة من وجود الصهيونية الإستعمارية. أما عقبة سلطة أوسلو فستنتحر بمجرد بروز مشروع المقاومة.