محاكمة الجنرال خالد نزار في سويسرا.. وكعب إيخيل الدولة الجزائرية / عبد السلام بنعيسي
11 فبراير 2022، 19:58 مساءً
أعلنت منظمة حقوقية سويسرية، أن محاكمة وزير الدفاع الجزائري الأسبق الجنرال خالد نزار ستتم أمام القضاء السويسري، بتهم اقترافه جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الفترة الممتدة بين 1992 و1994 أثناء الحرب الأهلية الجزائرية، وكشفت ذات المنظمة أن النيابة العامة السويسرية استمعت، الأسبوع الماضي، لخالد نزار لمدة ثلاثة أيام، في مقر مكتب المدعي العام الاتحادي في بيرن، وقررت مقاضاته.
مهما كانت صدقية الاتهامات الموجهة لخالد نزار، وقوة الأدلة والحجج التي يمكن أن تكون بحوزة الضحايا الجزائريين الذين يقاضونه، ويلتمسون الاقتصاص منه، فإن المتابعة القضائية للرجل من طرف الجهاز القضائي السويسري لا يمكن أن تكون لاعتبارات قانونية محضة، وأن سويسرا لوحدها هي التي تقف خلفها، الراجح أن قرار قبول الدعوة وتحريكها من طرف القضاء السويسري، كان بدوافع سياسية، وأنه قرار اتُّخذَ بتنسيقٍ وبدعم من عواصم عالمية كبرى أخرى.
الذي سيوضع، في النهاية، في قفص الاتهام ليس خالد نزار لوحده، فالرجل كان يشتغل ضمن طاقم عسكري، وأمني، وسياسي يحيط به من كل الاتجاهات، ولم يكن نزار يشتغل لذاته وبمفرده، لقد كان عضوا في حكومة، وكان يعمل بالتشاور والتنسيق مع باقي أفرادها، بدءا من رئيس الدولة، إلى كل عضوٍ في الجهاز التنفيذي، فوزير الدفاع كان يبلور القرارات المتخذة من طرف الحكومة.
فإذن المسؤولية في حدوث جرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية، المتهم خالد نزار بارتكابها، لا تقع عليه لوحده، وإنما يتقاسمها وإياه، كلُّ الذين كانوا معه في الحكومة، وحتى قادة الجيش والجهاز الأمني، فهم جميعا كانوا في نفس المركب، ومبدأ التضامن الحكومي، في السراء والضراء، سارٍ به العمل، من طرف جميع حكومات العالم.
لا يجوز قانونيا وأخلاقيا مسح تبعات حرب أهلية في شخصٍ بمفرده، واعتباره المسؤول الأوحد عنها، فهذا تصرُّف خالٍ من المنطق، وبعيدٍ عن الحق، ولا يمكن له أن يستقيم، فمن خلال خالد نزار، يبدو أن هناك إرادة من قوى دولية معينة للوصول إلى الجزائر، وإلحاق الأذى بها. فنحن أمام قرار من القرارات الصادرة عن الغرف السوداء، حيث تطبخ الملفات والمؤامرات ضد الدول المستهدفة، لتخرج إلى العلن معبأة في إخراج قانوني، يوهم الجمهور بأنه يروم تطبيق القانون، وإحقاق العدل، ولكن الهدف منه شيء آخر مغاير تماما، ولا علاقة له بالحق وبالقانون.
محاكمة خالد نزار ستؤدي إلى محاكمة العديدين من رفاقه، وستعني في النهاية محاكمة الدولة الجزائرية الحالية، فجل الذين كانوا يحكمون الجزائر في فترة الحرب الأهلية، لا يزالون يحكمونها إلى اليوم، واستدعاؤهم للمثول أمام القضاء وتوجيه التهم لهم باقتراف جرائم ضد الإنسانية، يعني أنهم سيظلون متمسكين بالسلطة ولن يقبلوا التخلي عنها للزج بهم في السجون السويسرية، وستصبح التهم الموجهة إليهم موجهة للدولة الجزائرية، والإجراءات العقابية التي قد تتخذ ضدهم، ستصبح إجراءات ضد هذه الدولة.
لسنا مع الإفلات من العقاب، ونحن مع إنصاف الضحايا أي كانوا، ولكن على أساس أن يكون الهدف الحقيقي من الإنصافِ، إنصافَ الضحايا فعلا، وألا يكون الإنصاف شعارا يرفع للوصول إلى غايات أخرى تبغيها القوى العظمى، وتخطط لها، وتكون نتيجتها، في المحصلة النهائية، ضررا يلحق الدولة، وأفراد المجتمع، ومن بينهم الضحايا أنفسهم.
ما يجعل الكثيرين يشككون في مثل هذه المحاكمات التي تُجرى لبعض المسؤولين من دول الجنوب هو طابعها الانتقائي، فمن الذي حاكم مثلا جورج بوش الابن عن المذابح والمجازر التي اقترفها في العراق حين غزاه تحت ذريعة امتلاكه أسلحة الدمار الشامل، فتبين بعد الغزو، وتدمير العراق وقتل الآلاف من أبنائه، أنَّ لا أثر لهذه الأسلحة التي من أجلها وقع الغزو؟ ومن الذي حاسب رئيس وزراء بريطانيا الأسبق توني بلير الذي شارك هو أيضا في غزو العراق تحت نفس المبررات؟ ألم تقم ملكة بريطانيا بتكريم بلير بالنياشين والأوسمة الرفيعة رغم أن يديه ملطختان بدماء آلاف العراقيين؟ ومن الذي يسأل القادة الصهاينة عما يرتكبونه من جرائم بشعة في حق الشعب الفلسطيني منذ ما يفوق السبعين سنة؟؟؟
جرائم كثيرة تقترف من طرف الأقوياء ضد الشعوب المستضعفة في أماكن متعددة من العالم، ورغم أنها موثقة بالصوت والصورة، وتنقل عبر شاشات الفضائيات، وفي مواقع النت، فإنها تمرُّ مرار الكرام، ولا أحد يجرؤ على محاسبة مقترفيها، بل يُفرشُ للكثيرين منهم السجاد الأحمر أينما حلوا وارتحلوا، وتقام لاستقبالهم الحفلات والأعراس، ويتم مدهم بالأسلحة الفتاكة، والخبرات القتالية، وتوفر لهم الحماية في مجلس الأمن، للاستمرار في ارتكابهم لجرائمهم، وهذه الانتقائية في التعامل مع الجرائم المقترفة ضد الإنسان، هي التي تدفع للتشكيك في إثارة المساءلة ضد البعض دون الآخرين، كما يقع في محاكمة الجنرال خالد نزار.
الدولة الجزائرية مستهدفة، ومعها أيضا كامل المنطقة، لكن هذا لا يعني أنها ليست مطالبة باتخاذ التدابير الإصلاحية اللازمة التي تقطع بها الطريق على من يستهدفها، فاحترام حقوق الإنسان الجزائري، وتمتيعه بالديمقراطية، وحرية الرأي والتعبير، والتظاهر السلمي، واختيار من يحكمه، للمشاركة في تدبير الشأن العام، ومراقبة المسؤولين حول كيفية إدارة الدولة والمال العام، هذه الحقوق وغيرها، يتعين على الدولة الجزائرية، والمغاربية، الاستجابة لها بشكل طوعي، كما يتعين عليها مراجعة سياستها الخارجية، خصوصا تجاه جارتها المغرب، وأن تنفتح عليها، وتقيم أحسن العلاقات معها، وتنهيان معا النزاع حول الصحراء الغربية، بما يرضي الدولتان..
النزاع حول الصحراء الغربية هو كعب إيخيل الجزائر التي ينبغي عليها الانتباه إليه ومعالجته بحكمة، لسدِّ الذرائع في وجه من يتربص بها، وليشكل ذلك المدخل لعقد مؤتمر القمة العربي في الجزائر، ولبناء المغرب العربي تاليا، وإرساء التضامن العري لاحقا، وقد توفر الدولة الجزائرية بهذا الإجراء لنفسها وللمنطقة المغاربية برمتها، تغطية عربية، وحماية إسلامية، وروسية، وصينية، من المخططات التي تستهدفها. ما عدا ذلك، فإن كل إجراءات وتدابير عقابية قد تتخذ ضد الجزائر، ستكون لها انعكاسات سلبية على مواطنيها، وعلى مواطني كل الدول المجاورة لها..