هل تصاب مؤسسة القمة العربية بالشلل نتيجةً النزاع المغربي الجزائري.. ؟ /عبد السلام بنعيسى
16 فبراير 2022، 17:38 مساءً
بعد أن أفادنا الأمين المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي بأن مؤتمر القمة العربية الذي كان مزمعا عقده في شهر مارس بالجزائر، قد أُجِّلَ إلى ما بعد شهر رمضان، سيعقد وزراء خارجية الدول العربية اجتماعا في شهر مارس المقبل بالقاهرة، وسيكون من أولى الأولويات الملقاة على عاتق الوزراء في هذا الاجتماع، الحسمُ في إمكانية عقد مؤتمر القمة العربية بالجزائر أم لا، والتاريخ المناسب لعقده.
في هذه الأثناء، أي قبل اجتماع الوزراء العرب، أدلى وزير خارجية المغرب ناصر بوريطا بتصريح لافت للصحافة، أشار فيه إلى أن ميثاق جامعة الدول العربية ينصُّ على أن شهر مارس من كل سنة، هو الشهر المحدد لعقد مؤتمرات القمة العربية العادية، وأن عدم عقد المؤتمر في هذا الشهر، يعني أن المؤتمر الذي يُراد عقده، لن يكون عاديا، وإنما استثنائي.
وما لم يفصح عنه وزير خارجية المغرب، أفشته الصحافة المغربية، وأعلنت عنه للرأي العام العربي، فلقد طالبت تلكم الصحافة الجزائرَ بأن تقدم ((خلال اجتماع وزراء خارجية الدول العربية قائمة الالتزامات البروتوكولية والإدارية على حد سواء إذا لم تكن ترغب في رؤية التأجيل إلى أجل غير مسمى يتحول إلى إلغاء القمة أو نقلها إلى دولة أخرى)).
يستخلص مما سبق، أن تاريخ ومكان عقد مؤتمر القمة العربية المقبلة، وجدول أعمالها، والقرارات التي تصدر عنها، ستكون محلّ سجال ونزاع بين الدولتين المغربية والجزائرية، ففي ظل التوتر الشديد في العلاقات السائدة بين البلدين، حول الصحراء الغربية، ستسعى الرباط جاهدةً لمنع عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر، وقد تهدِّدُ بمقاطعته، إن تقرر إجراؤه في عاصمتها، ولدى الرباط ما يكفي من الأسباب التي تتحجج بها حاليا لاتخاذ موقفٍ رافض لعقد المؤتمر بالجزائر.
فبالإضافة إلى العلاقات المقطوعة بين البلدين، وإلى الحدود المغلقة بين الدولتين، والطيران المغربي غير المسموح له بالتحليق في الأجواء الجزائرية، ففي مؤتمر القمة الذي انعقد بالجزائر سنة 2005 وحضره العاهل المغربي محمد السادس بعد أن ربط حضوره، باتفاق مع بوتفليقة على كسر الجمود في العلاقات بين الجزائر والرباط، والعمل من أجل حل مشكل الصحراء، وإحياء الفضاء المغاربي، لكن عقب انتهاء أشغال القمة، لم يوف بوتفليقة لمحمد السادس بما تعاهدا عليه، وبدا حضور العاهل المغربي أشغال المؤتمر، وكأنه حضور مجاني، والمستفيد الأوحد منه كان هو الرئيس الجزائري.
كل هذه المعطيات ستستند عليها الرباط للحض على عدم عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر، ويبدو أن المغرب، في موقفه من المؤتمر الذي تريد الجزائر عقده عندها، سيكون مدعوما من طرف دول مجلس التعاون الخليجي، ومن الدولة المصرية، فهذه الدول أعربت مجتمعة عن تأييدها، ودون مواربة، لسيادة المغرب على أقاليمه الصحراوية، وأكدت على هذا التأييد في استقبالها، سواء للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، أو لوزير خارجيته رمضان لعمامرة، في زياراتهما لها، فإذا قاطع المغرب أشغال مؤتمر الجزائر، فإن هذه الدول ستتضامن معه، وستطالب بتأجيل المؤتمر، أو تغيير مكان انعقاده.
يمكن للجزائر التضحية بعودة سورية لشغل مقعدها في الجامعة، وقد تؤجله، كمطلبٍ، من أجل عقد المؤتمر، كما أنها أدانت هجوم الحوثيين على الإمارات العربية المتحدة، وتحرص على ترك مسافة بينها والجمهورية الإسلامية الإيرانية، دفعا لغضب دول الخليج، وتعتبر الجزائر محمود عباس بوابة الشرعية الفلسطينية، ولقد صرّح بذلك الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، واستقبله بحفاوة بالغة في العاصمة الجزائرية، ولا تناهض الجزائر، بصرامة، التطبيعَ مع الكيان الصهيوني، إلا التطبيع المغربي، فعلاقات الدولة الجزائرية بالإمارات العربية، والبحرين، والسودان، ومصر، والأردن، علاقات جيدة، رغم أنها دول مطبعة..
وأكثر من هذا، ففي زيارته الأخيرة لمصر، اختار الرئيس الجزائري وضع إكليلٍ من الزهور على قبر أنور السادات، دون الاقتراب من ضريح الرئيس جمال عبدالناصر الذي تعرضت مصر في عهده للعدوان الثلاثي، وكان على رأس أسباب مشاركة فرنسا في العدوان، المساندةُ التي كانت تقدمها بسخاء الدولةُ المصرية الناصرية للثورة الجزائرية في مقارعتها للاستعمار الفرنسي.
ولعل هذا يفيد بأن الجزائر مستعدة لتدوير الزوايا حول مختلف القضايا لتأمين عقد مؤتمر القمة العربية في عاصمتها، والقضية الوحيدة التي لا يمكن لها مراجعةَ نفسها فيها، هي نزاعها مع المغرب حول الصحراء الغربية، إنها متمسكة بموقفها التقليدي المناهض للوحدة الترابية المغربية، ويصعب عليها التراجع عن القرارات المتشددة التي اتخذتها مؤخرا ضد المغرب، إلى أن باتت هذه القرارات تقف حاجزا أمام عقد مؤتمر القمة العربية في الجزائر.
لكن ما مصير القمة العربية في حال تعذر عقدها بالجزائر؟ إذا اختيرت دولة عربية أخرى لاحتضانها، فإن الجزائر سترفض ذلك، وستقاطعها، وستتضامن معها دول عربية أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى أن مؤسسة القمة العربية قد تصبح في حالة شلل، ويتعذر عقدها. والخلاصة هي أن النزاع المغربي/ الجزائري الذي طال واستفحل، بات واحدا من أكبر التحديات التي تواجه العمل العربي المشترك، وصار ينذر بعواقب وخيمة على الدولتين معا، ومعهما الأمة العربية برمتها..