لا يراودني أدنى شك في صدق النوايا الايرانية تجاه القطريين، وفي نفس الوقت لا يراودني أدنى شك في صدق نوايا الدوحة تجاه طهران، ولكن أن يرتفع سقف آمال بعض الايرانيين تجاه قطر، ليصل الى عنان السماء، فهذا إن دل على شيء فانما يدل على عدم فهم هؤلاء للسياسة القطرية.
بعض الايرانيين تحدث عن أن زيارة الرئيس الايراني للدوحة ستسفر عن ابرام اتفاق لمد نفق بحري من قطر الى ايران، ولما علموا استحالة تنفيذ هكذا مشروع سارعوا في نفيه.
بتقديري أن بعض هذه الآمال والاحلام الوردية تعود الى صدق نوايا الايرانيين وجديتهم في ايصال مستوى العلاقات (ليس مع قطر وحسب وانما مع سائر الدول) الى أعلى المستويات، ولكن عندما يصطدمون بواقع السياسة الخارجية القطرية سيتحدثون بواقعية، لأن الأمر لا يتعلق بالاخلاق الرفيعة وطيبة نفس المسؤولين والشعب القطري وحفاوة استقبال الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للرئيس ابراهيم رئيسي في الدوحة، وانما لبعض المعادلات والمبادئ التي تؤمن بها الحكومة القطرية واصرارها على تنفيذها بحذافيرها.
قبل أن أبين طبيعة السياسة الخارجية القطرية سأضرب مثالا ربما يمهد لما اريد قوله.
عندما فرضت الدول الأربعة (السعودية، ومصر، والامارات، البحرين) الحصار القاتل ضد قطر عام 2017 وأغلقت حدودها البرية والجوية والبحرية بوجهها، كانت ايران احدى المنافذ الرئيسية لقطر، ففتحت أجوائها ومياهها أمام القطريين ولعبت دورا مهما في تجاوز الحصار، وصحيح أن ايران لم تكن المنفذ الوحيد لقطر للتخلص من الحصار، إلا انه الأقل كلفة.
وعلى الرغم من الدور الذي لعبته ايران في تجاوز الحصار الظالم الذي فرضته الدول الأربعة ضد قطر، إلا أن الدوحة لم تعلن يوما أن علاقتها استراتيجية مع طهران بل اصرت على أن تكون كافة العقود التي أبرمتها مع ايران خلال فترة الحصار سرية، لكي لا يكتشف الطرف الآخر المستوى الذي وصلت اليه العلاقات بين البلدين، هذا لا يعني أن الدوحة لم تعبر عن شكرها وامتنانها للدور الذي لعبته طهران في تجاوز محنة الحصار خاصة في السنة الأولى منه، بل من المؤكد أن القطريين يتناولون هذا الموضوع في كل لقاء يجمعهم مع الايرانيين، لكنهم لايريدون تسليط الأضواء عليه لاعتبارات سياستهم الخارجية وكذلك لعدم استفزاز الآخر الذي يرفض تفارب اية دولة مع ايران.
اذا عرفنا المبدأ الأساسي الذي تعتمده الدوحة في سياستها الخارجية لأدركنا لماذا احلام بعض الايرانيين تجاه علاقة بلادهم مع قطر ليست واقعية.
بكلمة، فان قطر تعتمد سياسة التوازن في علاقاتها الخارجية، فبما أنها بلد صغير وسرعان ما يتأثر بالتهديدات الخارجية، لذلك فانها لا تريد أن تضع كل بيضها في سلة واحدة، الأمر الذي يمكنها من استخدام الخيارات المتاحة بمرونة كبيرة، بعكس الدول التي ترمي بثقلها على طرف واحد وتدخل في اصطفافات ومحاور خاصة، فان التهديدات تؤثر بشكل مباشر عليها.
ومن الطبيعي أن تكون قطر قد دفعت ولا تزال تدفع ثمنا كبيرا نتيجة هذه السياسة التي لا ترضي الكبار، هؤلاء الذين لايحتوي قاموسهم على كلمات كاستقلال القرار والسيادة، وعلى الرغم من ذلك بقيت متمسكة بهذه السياسة لأنها السبيل الوحيد لتحصين حكمها وفي نفسها الوقت يمنحها القدرة على لعب دور اقليمي ويوفر لها المكانة المرموقة في المنطقة والعالم.
وبما أن علاقة ايران مع الولايات المتحدة واسرائيل وبعض الدول متوترة فان قطر لا تريد أن تستفز هذه الدول، لذلك فانها تحرص على أن تكون العلاقة على المستوى الطبيعي، وفي نفس الوقت وبما أن الدوحة تريد أن تكون لاعبا رئيسيا في المنطقة والعالم، فانها لا تريد أن توحي لأحد بأنها دخلت في المحور الايراني أو انها تابعة للسياسات الايرانية أو غير ذلك.
من هنا فان الحديث عن أن قطر ستكون الوسيط في علاقات ايران مع الدول العربية أو مع الولايات المتحدة أو انها ستشكل تحالفا مع ايران في سياسة تصدير الغاز للعالم؛ ليس واردا وليس في محله بتاتا.
أحد المكاسب الرئيسية التي يحققها الرئيس الايراني في زيارته لقطر، هي، أنه سيحبط ما يروج في وسائل الاعلام من أن النظام الايراني يشكل خطرا على المنطقة وعلى دول الخليج الفارسي بالذات، فحفاوة الاستقبال والاتفاقيات التي ابرمت دليل على أن ما تعلنه بعض وسائل الاعلام من أن طهران تتدخل في شؤون دول المنطقة وتشكل خطرا عليها لا يمت للواقع بصلة.
ومن بين مكاسب الزيارة أيضا، ان رئيسي برهن على انه ماض قدما في سياسة الانفتاح على الجيران وتوطيد وتطوير العلاقات معهم، الى جانب المكاسب الاقتصادية للزيارة والتي تلعب دورا مهما في التخفيف عن تبعات العقوبات على ايران.