لم تكن الامال المعلقة على القمة الاوروبية الافريقية المنعقدة في العاصمة البلجيكية بروكسيل الاسبوع الماضي أو توحي بتغيير واقع القارة السمراء او بالاحرى تغيير واقع الشراكة بين اوروبا وافريقيا وهي شراكة محكومة بقيود الماضي و ارث عقود طويلة من الاحتلال والهيمنة على ثروات القارة السمراء و لكن ايضا و هنا مربط الفرس و المهيمنة على حياة الكثيرمن الافارقة الذين لم تكن حياتهم ملكا لهم و نقصد بذلك تجار البشر ممن جعلوا من تجارة العبيد و تسفيرهم من افريقيا الى اوروبا و امريكا لتكون مصدر ثراء لهم ..
ثم ان القمة تاتي في خضم الازمة في اوكرانيا و المخاوف الاوروبية من حرب جديدة في اوروبا , و تاتي ايضا في خضم حملة انتخابية تنتظر الرئيس ماكرون الذي لم يعلن ترشحه رسميا لولاية رئاسية ثانية في و لكنه يستعد لذلك على كل الجبهات ..
صحيح اننا ازاء زمن مختلف عما كان سائدا قبل و بعد الحرب الكونيتين و أننا ازاء مناخ دولي يدفع اكثر فاكثررغم كل انحرافات العدالة الدولية نحوعولمة الديموقراطية و الحقوق والحريات والاعتراف بالمساواة بين الامم والشعوب على اختلاف معتقداتهم و الوانهم وهذا ما يفسرعدم مشاركة كل من مالي و بوركينا فاصو و غينيا و جنوب السودان بسبب موجة الانقلابات العسكرية , و صحيح ايضا ان هناك توجه نحو فرض الضغوطات على الانظمة الشمولية عبرالقيود و العقوبات الاقتصادية و السياسية و رفض منطق الانقلابات العسكرية و لكن صحيح ايضا ان هناك ازمة ثقة عميقة بين قارتين تشكلان معا قوة ديموغرافية تقترب من مليار نسمة خلال عقود و يمكن ان تشكل سوقا اقتصادية استهلاكية مغرية و لكن صحيح ايضا ان الطريق نحو هذه الشراكة ليس معبدا و ان النوايا الطيبة والبيانات المشتركة لا تعني بالضرورة تغييرا في الواقع رغم كل الافاق والفرص التي يمكن تحقيقها بين اوروبا و افريقيا التي تبقى عالما مجهولا ولكنه مغر للكثيرين رغم كل مظاهر الفساد فيه ’ و تبقى ارضا عذراء تنتظر من يستثمر فيها و يعمر حقولها و جبالها و لكنه في ذات الوقت عالم غني بثرواته الطبيعية المختلفة و طاقاته البشرية و ثقافته المتنوعة ..
مستقبل العالم بين ايدي الكبار الذين يتحكمون في خيوط اللعبة و يرهنون مستقبل بقية شعوب العالم لاسيما تلك التي لا تملك رفاهية الخيار ولا تستطيع اطعام شعوبها او تعليم اطفالها او ضمان الحد الادنى من كرامة مواطنيها ..
و يكفي ان نعرف ان احد عشر بالمائة من الشعوب الافريقية تمكنت من التلقيح ضد جائحة كورونا حتى ندرك حجم الهوة العميقة التي تفصل بين القارة الاوروبية و الافريقية التي تقف في انتظار الحصول على نصيبها من اللقاح لمنع انتشار الجائحة و الاستعداد لمرحلة ما بعد كوفيد ..
لا خلاف ان اوروبا قارة عجوز تشكو من هرم سكاني غير متوازن و شيخوخة شعوبها و هي بالتاكيد في حاجة لتوفر اليد العاملة التي تحتاجها حقولها و مصانعها و اداراتها ومستشفياتها و جامعاتها وقد وجدت الدول الاوروبية حاجتها في استهداف افضل الكفاءات في مختلف المجالات لتلبية احتياجاتها الحقيقة ومن هنا فقد كانت دوما صاحبة الكلمة الاخيرة في فرض شروط و حكام و خيارات مواجهة الهجرة غير المشروعة و هي بذلك تسعى لتكون الدول الافريقية و دول جنوب المتوسط الشرطي و الحارس الامين لحدودها و سواحلها و تتناسى في الوقت ذاته مسؤولياتها الامنية و القانونية و الانسانية في مواجهة الظاهرة ..
انتهت القمة الاوروبية الافريقية باعلان اختيار ست دول إفريقية من بينها بينها مصر وتونس وجنوب إفريقيا وكينيا والسنغال ونيجيريا للسماح للقارة الإفريقية التي تتلقى اللقاحات بشكل محدود جدا، بانتاج لقاحاتها الخاصة لمكافحة كوفيد-19 وأمراض أخرى. ..قرار اعتبره
الأمين العام لمنظمة الصحة العالمية تيدروس أدهانوم اساسي للقطع مع هيمنة بعض المخابرواستئثار بعض
الدول الغنية باللقاحات ,و هو ما اعتبرته رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير خطوة كبيرة نحو سيادة إفريقيا في مجال اللقاحات, و الامر الذي جعل الرئيس السنغالي ماكي سال يعتبره باليوم العظيم لإفريقيا وأوروبا..و بعيدا عن تحميل الحدث اكثر مما يحتمل و نترك للايام القادمة ان تكشف مدى استجابة القمة الاوروبية الافريقية السادسة لاهدافها فان الارجح ان هذا الهدف لن يكون سهل التحقيق و سيحتاج لاكثر من التصريحات المتفائلة و البيانات المشتركة في ظل عدم القبول برفع
براءات اختراع شركات الأدوية الغربية لتعزيز الصناعة الإفريقية بشكل مستدام.وهي مسألة لا تخضع للحسابات السياسية وحدها بل تخضع قبل ذلك لحسابات الربح و الخسارة و المصالح الانية و المستقبلية التي تقود اللعبة …
بمجرد انتهاء القمة الافريقية الاوروبية اعلن الرئيس التركي اردوغان جولة في القارة السمراء تشمل اربع دول افريقية اختارها لتكون محطته لامتداد تركيا في القارة السمراء, وهذا في الحقيقة خيار داب عليه عديد الرؤساء في العالم و من ذلك الرئيس الصيني الذي ابتدع عنوانا ديبلوماسيا جديدا حيث يقوم سنويا بزيارة خمس دول افريقية , حتى بوتين الرئيس الروسي حول انظاره الى افريقيا وبات ينافس الحضور الفرنسي والصيني والامريكي والياباني فيها فالقارة الفتية ورغم انها عنوان كل الماسي من فقرو فساد و صراعات وتخلف و انقلابات تغري قادة العالم ممن يرون فيها ارضية خصبة للاستثمار ..هكذا هي القارة السمراء حنون على غيرها من الشعوب و لكنها جحود مع ابناءها و ربما بات لزاما على شعوب القارة و حكوماتها التطلع الى تغيير جذري في العقول يكون فيه لاطفال و شباب القارة من الاناث و الذكور موقع في المؤسسات التربوية و الجامعات و في المعرفة و العلوم و الصحة حتى تفتك موقعها و تتولى تحديد خياراتها و مصيرها بعيدا عن كل وصاية من أي طرف كان …