“انتفاضة” شبيلات.. و”حتمية” مأسسة الحراك الأردني /فؤاد البطاينة
3 مارس 2022، 02:58 صباحًا
تغص ساحتنا الأردنية بالحراكات النخبوية في الصالونات المتوالدة وأخرى شعبية محدودة في الشارع وليس لأحدهما أثر على الأرض وبالتالي لا أثر ولا ردة فعل على المستوى الرسمي الأردني أو الجماهيري أو الدولي، والقافلة الأمريكية تحدو بنظامنا ونظامنا يحدو بنا وبنفسه للتهلكة. لو سألنا أنفسنا ما هو الجديد السياسي أو التغيير الذي حصل على الساحة الأردية شعبيا أو نخبويا لإعاقة أو وقف قافلة الموت فلن نجد سوى نفس الخطاب المُبعثر ونفس سلوك الصالونات النخبوية وتوسعها واتساع الشرذمة السياسية، وتراجع الحراكات الشعبية، وتأصيل سياسة ردات الفعل الإستعراضية في “جمع مشمشية “.
الرحلة نحو الهدف لا تكون إلّا بالطرق الموصلة وبوصلتها الضامنة. ولأن حالتنا الأردنية شعبية ولها خصوصيتها السياسية وطبيعتها الإخضاعية الإحتلالية، فإن الصراع مع العدو يتركز على هذا المحور. وما زال ناجحاً بتضليلنا للطريق وحرف بوصلتنا وجعل شعبنا في دوامة. رغم أنه لم يبق فينا من لا يعلم بأن التغيير سنة بشرية، وأن التغيير المستجيب للمتغيرات سنة البقاء وشرطه. وما لم نتغير بما يكفي لمواجهة المتغيرات فلن نكون.
علينا أن ندرك بأن ملف حراكاتنا السياسية سواء النخبوية في الصالونات أو الشعبية في الشارع يُعالج بعقلية وإدارة العدو الإسرا-أمريكي من وراء ستار السلطة الأردنية. وهدفه توجيه هذه الحراكات بطريقة غير مباشرة لتبقى فاشله وتخدمه فيما يتقاطع من مصالح معها. والتوجيه المطلوب للحراكات في هذه المرحلة هو بالتعابير العسكرية ( الى اليمين دور الى اليسار دور، مكانك قف ). فلا السلطة حرة ولا هي مؤهلة بنظر الأمريكي من حيث ثقافتها السياسية وعقليتها القمعية الإنتقامية على ادارة الملف الشعبي بحنكة سياسية وذكاء. وأقول في هذا بأن نشاط الأستاذ ليث شبيلات الأخير لو تركت إدارته للسلطة الغبية لأشعل ثورة أتت عليها مُبكراً، ومع ذلك فقد أشعل ثورة مفاهيمية لدى النخب والشعب.
إن كل ذي لب في هذا الشعب يدرك ما آلت اليه مسيرة ومخرجات الحراكات الأردنية بشقيها على مدى خمسة عشر عاما مضت،وبأنها ما زالت لهذه اللحظة تراوح مكانها بذات أساليبها في عملها دون أن تتغير أو تتقدم خطوة واحدة على الأرض تقنع العدو أو السلطة أو الشعب بفاعليتها أو جديتها أو بوعيها السياسي، ودون أن تفرض أي اعتبار لها على هذه المستويات الثلاثة. إنها تراوح مكانها على الأرض وفشلها يتعمق بينما قافلة العدو تسير بنا وبالأردن. ولذلك أسبابه العلمية.
فحراكاتنا هي في الواقع حراكات أشخاص بنزعة فردية، عشائرية كانت أو أيدولوجية أو حتى برامجية. فهي لم تتمكن من أن ترتقي لمستوى وطني ممأسس يحاكي خطورة المرحلة. فلا حراك الأشخاص النخبويين في الصالونات متلاق على رؤية سياسية جامعة ولا هم مُجدين أو قادرين على مأسسة معارضتهم وتحويل أنفسهم من معارضين الى معارضه مؤطرة وإفراز قيادة سياسية جماعية واحدة تخاطب الحالة الأردنية تخصيصاً، ولا الحراكات الشعبية في الشارع تحمل رؤية سياسية وطنية واحدة وقيادة واحدة توحدها أو تجعلها جماهيرية منضبطة الشعار والخطاب. وعامة الشعب الذي يشكل الكتلة الحرجة وصاحب المصلحة الأساسية وفرس الرهان ينظر بألم ويأس من النظام والنخب والحراكات.
نحن كأردنيين لسنا في صراع شخصي أو مصالحي أو مطلبي مع أحد أو جهة، داخلية كانت أو خارجية، بل نحن في صراع مع استعمار اخضاعي احتلالي تقوده أمريكا لحساب الكيان الاسرائيلي وبالتعاون الحثيث معه وبتعاون وتغطية قانونية وتنفيذ من القيادة الأردنية (الهاشمية) التي لولا دورها لما كان ممكنا للصهيو أمريكي أن يفعل ما يفعله بهده الأريحية. فنحن الآن في مواجهة المشروع الصهيوني على الأرض الأردنية يستهدف وجودنا كشعب وهويه ودولة ووطن. هذه هي خلفية وطبيعة صراعنا الذي يشكل قضيتنا. والغريم لنا أمريكا وإسرائيل والسلطة الأردنية. لكنهم يعمدون لإخفاء الحقيقة عنا وعن العالم بإشغالنا في مسائل ذات طابع مالي واقتصادي ومعيشي ويطرحونها على العالم كقضيتنا وسبب حراكنا.
نحن لا نقلل من قيمة هذه المسائل ولكنها تبقى مجرد وسائل تدميرية استُخدمت وقضت وطرها على مذبح الوصول لهدفهم السياسي الماحق، وإن جعلها قضيتنا وأولويتنا هو بمثابة وضع عربتنا أمام الحصان ويُشكل الغطاء المطلوب لاستكمال مشروعهم في الأردن بنجاح. ما أريد قوله، عندما نتمكن من ابراز قضيتنا كقضية استهداف سياسي وجودي لدولة ووطن وشعب يتوج ذات الإستهداف في فلسطين، وعندما نكشف مشروعهم ونضعه على الأجندة الدولية الإعلامية والسياسية واستعادة سلطتنا ودولتنا وتحرير وطننا مُبكرا حينها يكون استرجاع مقدراتنا ممكنا وأولوية. وما رمى اليه السيد ليث شبيلات في نشاطه الأخير لم يكن معزولا عن هذه الحقيقة السياسية بل كان في صلبها وكان مدخلاً ناجحاً ومحكماً للنفاذ لوعي الأردنيين من باب الفساد، وقد طرق باب عقولهم بقوة على نظامهم وأوصلهم لعدم شرعية قراراته السياسية الخطيرة المتفقة مع المشروع الصهيوني في الأردن.
أقول بناء على ما تقدم، إن المُستهدف الأساسي هو وطننا، وهذا هو ما يُحتم عليهم استهداف دولتنا ووجودنا وهويتنا الوطنية كشعب أولاً أو بالتوازي ومحونا من خارطة الشعوب. ولذلك نحن الأردنيين في حالة تحرير لإرادتنا وقرارانا السياسي وسلطتنا ودولتنا كي نحمي وطننا الذي بحمايته نحمي أنفسنا. وحالة التحرير الوطني هي مهمة شعبية بامتياز، ولا تحتمل ولا تتقبل غير أجندة التحرير والطرح السياسي برؤية سياسية واضحة نحو الهدف. وإن أجندة التحرير وتعبئة الشعب سياسيا وتوعياً ونضالياً لإنجاز المهمة مرهون قبل كل شيء بوجود قيادة سياسية جماعية واحدة وواعية تشكل المظلة للشعب وإدارة عمله الجماعي.
فهناك فصل هيكلي بين القيادة والشعب واجب التحقيق في الحالة التحريرية. ومن هنا أهيب بالطليعة على اتساع الساحة الوطنية والسياسية ومساحة الوطن أن توقف تعددية الإستقطابات الشعبية تحت عناوين مختلفة وتبدأ التواصل مع نفسها واستقطاب نفسها أولا في اجتماعات فنية متواصلة لتضع الرؤية السياسية وبرنامجها وتؤطر عملها وتشكل قيادتها السياسية الجماعية وتخرج على الشعب بتلك الرؤية التي ستزيل يتمه السياسي وتولد لديه الإحساس بالخطر الكبير وبالمسئولية الجماعية وبالتوحد على مفهوم الشعب الواحد وعندها سننتصر بدون حرب.