صراع بين منظومتين على الأرض الأوكرانية/ مها القصراوي
5 مارس 2022، 00:10 صباحًا
منذ ما يقارب الأربعة عقود تفردت منظومة رأس المال(كاردينيلات المال) الشركات العملاقة متعددة الجنسيات على التحكم في معظم دول العالم، هذه المنظومة المتوحشة التي سعت عبر سنوات الى تفريغ معظم الدول من مضامينها وحولتها الى بلديات تتلقى أوامرها من هذه المنظومة، فعلى المستوى الاقتصادي مثلا قادت هذه المنظومة معظم الدول إلى نظام الخصخصة حيث تقوم الدولة ببيع مؤسساتها كالكهرباء والمياه والاتصالات والطاقة والتعليم والصحة وغيرها لشركات أجنبية وتصبح مرهونة لهذه الشركات، فتفقد الدولة سيطرتها وإدارتها على هذه المؤسسات وبالتالي يتحول الحاكم الى رئيس بلدية يصرف امور بلده الداخلية عبر توجيه هذه المنظومة، ومن هنا فقدت معظم الدول في العالم استقلالها وامتلاكها للقرار السياسي.
ولعل كتاب (صدام الحضارات) لصموئيل هنتنجتون الذي نظّر فيه للنظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الامريكية يكشف فلسفة هذه المنظومة المتوحشة في السيطرة على دول العالم من خلال فكر العولمة الذي يسعى الى تحويل الدول الى نموذج واحد يشبه النموذج الأمريكي في المأكل والمشرب واللباس واللغة وكل مناحي الحياة، وهو نموذج يفتقد الى الجذور الحضارية والامتداد التاريخي،وبالتالي هذه المنظومة لا تسعى الى سيطرة اقتصادية فقط وإنما سيطرة سياسية وثقافية واجتماعية، وشرعت في إسقاط منظومة القيم والأخلاق ورفعت شعار المنفعة والمصلحة والفائدة المادية، وقد جندت امبراطوريات الاعلام ووسائل التواصل الاجتماعي من اجل اهدافها المسمومة في الاستعمار والسيطرة وسلب انسانية الإنسان.
أمام تغول المنظومة المتوحشة في استعباد معظم الشعوب وعلى رأسها القارة الأوروبية التى استولت عليها بعد الحرب العالمية الثانية، رغم ما يروج في الظاهر من حريتها واستقلال قرارها،لكن في حقيقة الأمر أوروبا ليست سوى تابع لهذه المنظومة ولعل الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية يؤكد ضعف الأوروبيين في مواجهة المنظومة المتوحشة، فألمانيا من أكثر الدول الرافضة لهذه الحرب وهي الأكثر تضررا ولكنها غير قادرة على مواجهة هذه المنظومة، لذلك يأتي دور الشعوب الأوروبية في الانتفاض على سطوة المنظومة المتوحشة والتحرر من سيطرتها والانقلاب على السياسيين الخاضعين وعلى حلف الناتو الذي يعد أحد الأذرع العسكرية لهذه المنظومة.
إن الحرب الدائرة على الأرض الأوكرانية هو صراع حضاري شرس بين منظومتين، منظومة رأس المال المتوحشة التي تريد استعباد العالم والسيطرة عليه وتنفيذ أجندتها، ومنظومة أخرى تتمثل في دول ذات بعد أيديولوجي مثل الصين وإيران وروسيا وفنزويلا وكوريا الشمالية،ترفض الاستعباد والتبعية وفلسفة منظومة رأس المال في التعامل مع الإنسانية وتؤمن بخصوصية الشعوب وحضارتها، من هنا تأتي خطورة هذه الحرب وشراستها، فهذه الحرب لها بعد اقتصادي وسياسي وعسكري ولكن البعد الأكثر خطورة هو البعد الحضاري.
إن شراسة الصراع تجعلنا نقف أمام تساؤلات عدة، أبرزها:
-هل تتدحرج هذه الحرب الى استخدام السلاح النووي إذا شعرت كاردينيلات المال بفقد السيطرة والهزيمة في الساحة الأوكرانية، خصوصا أن هزيمتهم تعني هزيمة النظام العالمي الجديد الذي عملوا من أجله لسنوات،،،،
-هل تنقلب الدول الحرة على المؤسسات الدولية مثل مجلس الأمن والامم المتحدة والجمعية العامة وغيرها من المؤسسات الدولية المرهونة في أيدي منظومة المال،،،،
-هل الخوف من الآتي يتمثل في أن قرار السلام والحرب في العالم مرهون بيد هذه المنظومة المتوحشة، ولم يعد القرار في أروقة الدول،،،،
-من استباح انسانية الانسان في فلسطين والعراق وافغانستان وسوريا ولبنان واليمن وليبيا وغيرها من الدول باسم الحرية والديمقراطية،هل يعجز عن استباحة الانسانية في أي مكان،،،،