لم يصدر أي تصريح من كبار المسؤولين الايرانيين يدل على أن طهران تدعم أو تعارض الهجوم الروسي على أوكرانيا، وما عدا التصريح الذي أدلى به رئيس مكتب قائد الثورة الاسلامية الشيخ محمد محمدي كلبايكاني والذي عدّ بأنه دفاع عن الحرب، فان كبار المسؤولين الايرانيين التزموا الحياد في موقفهم تجاه الهجوم.
وحتى قائد الثورة الاسلامية السيد علي خامنئي عندما تطرق للحرب الاسبوع الماضي، ألقى بلائمة ما جرى على الولايات المتحدة الأميركية واعتبر أن سياستها في أوكرانيا هي التي أدت الى نشوب الحرب.
أما محمدي كلبايكاني الذي لا يتولى مسؤولية تنفيذية في الحكومة، فقد قال، “إنهم كانوا يريدون توريط روسيا في حرب أوكرانيا إلا أن الرئيس الروسي ذكي وسبقهم في ذلك”، الأمر الذي اعتبر تأييدا ودعما لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
وعلى الرغم من الموقف المحايد ورفض طهران حل الخلافات باستخدام القوة والدعوة للحوار، إلا أن الداعمين لأوكرانيا يصنفون ايران على أنها متحالفة وداعمة لروسيا في حربها ضد أوكرانيا.
هذا هو موقف طهران الرسمي من الحرب على أوكرانيا، أما الموقف الشعبي والسياسي والذي يتمثل بالشخصيات والاحزاب السياسية في ايران، فإنه منقسم الى مندد بالهجوم الروسي والى ملتزم بالصمت والى حد ما داعم لروسيا، وعموم التيار الاصلاحي وقاعدته الشعبية، لا يندد بالهجوم الروسي على اوكرانيا وحسب وانما يعترض على التحالف الايراني الروسي والدور الذي تلعبه موسكو في الملف النووي الايراني.
الذي دفع هذا التيار وشخصياته الى رفع صوته والجهر بموقفه تجاه الحرب في أوكرانيا، هي التصريحات التي أدلى بها المسؤولون الروس من الاتفاق النووي، حيث هددت موسكو الاسبوع الماضي بالانسحاب من المفاوضات الجارية في فيينا وعدم التوقيع على الاتفاق النووي إن لم تقدم واشنطن ضمانات بأن لا تمس العقوبات الأميركية عليها العلاقات الاقتصادية بين ايران وروسيا.
ضبابية الموقف الروسي الجديد من المفاوضات وعدم وضوح المدى الذي تسعى موسكو الوصول اليه من هذا الموقف الجديد، وهل حقا أن موسكو ستقوم بافشال الاتفاق وايصاله الى طريق مسدود ان لم تقدم واشنطن ضمانات مكتوبة بخصوص التعاون مع ايران؟ زاد من غضب أولئك الايرانيين الغاضبون اساسا من العلاقات الروسية الايرانية والدور الروسي في المفاوضات النووية.
ومن الطبيعي فان الذين يحسنون الظن بموسكو حملوا الموقف الروسي الجديد على أنه يخدم المصالح الايرانية وانه يرغم الطرف الآخر في المفاوضات وخاصة الولايات المتحدة الأميركية على تقديم التنازلات والتراجع عن المواقف الصلبة وابداء مرونة تجاه ايران.
هؤلاء يعتقدون أن من حق موسكو أن يكون لها حصة في الاتفاق النووي وأن لا تقتصر المكاسب على الطرف الأميركي والغربي وحتى الصيني، بل يستفيد الجميع من الاتفاق ومكاسبه الاقتصادية والتجارية.
ومع الانقسام تجاه الموقف الروسي الجديد فان غموضا حقيقيا يلفه، خاصة اذا عرفنا ان ايران لن تلتزم بأية عقوبة أميركية أو حتى غربية تجاه روسيا، بل ستتعزز العلاقات وتتطور خاصة على الصعيد الاقتصادي بعد الاتفاق النووي، فمالداعي لتطالب موسكو بهذه الضمانات وهي تعلم سلفا أن واشنطن لن تقدمها؟ ويتعزز هذا الغموض عندما تقدم موسكو طلبها بالتزامن مع الحرب على أوكرانيا مما يوحي الى أن روسيا تريد استخدام المفاوضات النووية الجارية كرهينة للضغط على الطرف الغربي ليتراجع عن سياساتها تجاه أوكرانيا.