كتاب عربموضوعات رئيسية
قراءة قانونية للأزمة فى أوكرانيا/ السفير د. عبدالله الأشعل
قدمنا فى مقال سابق قراءة سياسية للأزمة فى أوكرانيا وبدت لنا هذه الأزمة صراعا بين روسيا والغرب اتصالا بالصراع التاريخى بينهما ورغم أن لروسيا قدما كبيرا فى أوروبا إذ تمتد مساحتها الواسعة على آسيا وأوروبا إلا أن الروس أكدوا فى ندوه حضرتها فى موسكو منذ سنوات أن روسيا ليست دولة أوروبية وأنهم يستغربون أن تسعى تركيا إلى الانضمام للاتحاد الأوروبى بل على العكس يذكر الروس أن الغرب ساعد الدولة العثمانية ضدهم فى حرب القرم ومع ذلك أنتصرت روسيا على الدولة العثمانية واستولت على شبه جزيرة القرم فى صلح باريس عام 1856 ولذلك قدم خورتشوف عام 1953 الجزيرة إلى أوكرانيا ضمن الترتيبات الداخلية للدفاعات والأراضى السوفيتية وعندما استولى بوتن على القرم عام 2014 هل كانت جزيرة القرم تابعة للاتحاد السوفيتى عموما ولا يحق لروسيا أن تستردها إلا إذا كانت وارثا شرعيا للاتحاد السوفيتى أم كانت القرم ملكا لروسيا ومن حقها أن تستردها وكان السؤال الثانى هو منذ تحلل الاتحاد السوفيتى عام 1990 وأصبحت موسكو وريثا شرعيا لالتزاماته وحقوقه لماذا لم تتم تصفية العلاقات مع أوكرانيا بما فيها القرم؟
والاجابة هى أن أوكرانيا كانت فيها حكومة موالية لموسكو فلم تجد موسكو ضرورة لتصفية العلاقات معها ولكن بعد أن رأت موسكو الغرب ينفذ إلى الأمن الروسى من أوكرانيا تنبهت موسكو إلى الحقيقة الجديدة خاصة بعد الثورة البرتقالية التى دبرها الغرب وأتت بحكومة معادية لموسكو لصالح الغرب فكأن أوكرانيا أصبحت ثغرة لكى ينفذ منها الغرب لتقويض روسيا خاصة وأن الغرب يسعى بعد تفكيك الاتحاد السوفيتى إلى تفكيك الاتحاد الروسى وكذلك لاحباط مساعى موسكو لتجميع الجمهوريات السوفيتية السابقة وقد رأى الغرب بنفسه أن موسكو تواجه هذه المساعى بعمليات عسكرية صريحة وهو ما حدث منذ سنوات فى جمهورية جورجيا. وكانت أوكرانيا أكبر الجمهوريات السوفيتية بعد روسيا وكان التركيز عليها فى الاستراتيجية السوفيتية استقر لديها بعض الاسلحة النووية ومنها مفاعل شرنوبيل وكذلك بعض القواعد العسكرية اللازمة للدفاع عن الاتحاد السوفيتى ضد الغرب. ولكن بوتن قرر أن يحقق بالعملية العسكرية فى أوكرانيا هدفين الهدف الأدنى هو أن لا يتم التلاعب من جانب الغرب فى أوكرانيا للاضرار بروسيا والهدف الأعلى هو اظهار عزم روسيا على عدم رضاها بهيمنة الغرب على النظام الدولى وهو ما ظهر جليا عندما اتحد الغرب فى كل مؤسساته وقرر عزل روسيا فى المنظمات الدولية وفرض العقوبات عليها أملا فى وقف مشروعها ضد الغرب وتمسكا بالنظام الدولى لصالح الغرب ولذلك فإن روسيا والغرب متمسك بأهدافه ويستحيل أن ينزلق الصراع إلى حرب عالمية ثالثة وهو ما أوضحته واشنطن صراحة مؤخرا عندما أكدت أنها لن تخاطر من أجل حرب عالمية لأوكرانيا وأصبح واضحا أن الصراع السياسى الروسى الغربى له وجه عسكرى حيث يمد الغرب أوكرانيا بكل أنواع الأسلحة ولكنه يحاذر من استفزاز موسكو خوفا من التصعيد نحو حرب شاملة.
الأزمة فى أوكرانيا كشفت عن التصادم بين قواعد القانون الدولى وقواعد العلاقات الدولية كما كشفت نفاق الغرب فى تطبيق القانون الدولى فقد رفض الغرب مقولة موسكو الخاصة بالدفاع الشرعى الوقائى بينما قبلت هذا الزعم من إسرائيل عام 1967 فى عدوانها على مصر وسوريا والأردن. فالقانون الدولى ثابت وواضح ولكن فعالية قواعده تتوقف على قوة الدولة التى تسوق هذه القواعد.
الدرس الثانى هو أن قواعد العلاقات الدولية تتغير وفق مصالح الدول وقدراتها النسبية ولذلك خصصنا هذه المقالة لتطوير فكرة التناقض بين العلاقات الدولية والقانون الدولى على أساس أن القانون الدولى هو من الملطفات الثلاثة لنظرية الصراع وهى جوهر العلاقات الدولية فالقانون الدولى وقواعد المجاملة الدولية والاخلاق الدولية هى كوابح معنوية لتوحش نظرية القوة فى العلاقات الدولية وتسمى النظرية الاخلاقية أو المثالية فى مواجهة النظرية البرجماتيه العملية وهذا واضح فى الكثير من المسائل القانونية ، ولذلك صوتت أغلبية دول العالم (أكثر من ثلثى أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة) لصالح القرار الذى يؤكد على مبادئ القانون الدولى. صحيح أن القرار وصف العمل الروسى بالعدوان وطالب روسيا بسحب قواتها من أوكرانيا إلا أن التركيز كان على المبادئ وليس الادانة وهذا سمح لدول مثل مصر وإيران وإسرائيل أن تصوت لصالح القرار بينما أمتنعت عن التصويت 35 دولة ولا يؤيد القرار إلا 5 دول وهى روسيا وروسيا البيضاء والصين وسوريا وأرتريا. والمعلوم أن الغرب عرض الموضوع على مجلس الأمن فلما عجز المجلس عن اصدار قرار بسبب الفيتو الروسى طلب مجلس الأمن وفقا للميثاق عقب جلسة طارئه للجمعية العامة بناءا على قرار الاتحاد من أجل السلم أملا فى أن تحل الجمعية العامة محل مجلس الأمن فى الموضوع.
المسائل القانونية المرتبطة بالموقف فى أوكرانيا
- العدوان . من الناحية النظرية روسيا هى التى قامت بغزو أوكرانيا واستخدم قرار الجمعية العامة هذا المصطلح وهو مصطلح هام لأنه شرط لعقد اختصاص المحكمة الجنائية الدولية فى جريمة العدوان وهى جريمة ترتكبها دولة وهى المره الأولى التى ينطبق فيها هذا الوصف والعدوان يتكون من انتهاك عدد من مبادئ القانون الدولى هى استخدام القوة والتهديد بها والثانى هو الاعتداء على استقلال الدولة السياسى والثالث هو المساس بوحدتها الاقليمية خاصة فصل جمهوريتين كانتا جزءا من اقليم اوكرانيا وفصلهما واستقلالهما.
- فصل الجمهوريتين أم استقلالهما وهذا يثير ثلاثة مسائل قانونية : المسألة الأولى هى اتهام روسيا لاوكرانيا بابادة العرق الروسى فى الجمهوريتين فكان فصلهما عن أوكرانيا ردا على هذه الابادة (وقد رفضت محكمة العدل الدولية هذا الزعم الروسى) المسألة الثانية هى دفع روسيا بحق الشعب الروسى فى الجمهوريتين فى تقرير مصيره. المسألة الثالثة هى الاعتراف بفصل الجمهوريتين حيث فهم العالم أن هذا الفصل واعتراف موسكو بهما هو جزء من تفاصيل الصراع السياسى إلى جانب العسكرى بعبارة أخرى هل تحقق أهداف موسكو فى أوكرانيا يؤدى إلى عودة الجمهوريتين إلى الجسد الاوكرانى أم ضمهما إلى الأراضى الروسية الملاصقه لهما.
- مقاومة أوكرانيا للغزو الروسى .اعترف الغرب بشرعية المقاومة مادامت ردا على عدوان وهو عمل غير مشروع ولكن نفس الغرب قبل العكس اكراما لإسرائيل، فقد اعترف الغرب بنظرية إسرائيل فى الدفاع الشرعى الوقائى ثم اعتبر المقاومة لإسرائيل من قبيل الإرهاب فكأن الغرب يكيل بمكيالين.
- جرائم الابادة فى أوكرانيا يتهم الغرب روسيا بأنها تقوم عمدا بضرب الاهداف المدنية وهذا يعتبر من جرائم الإبادة الجماعية بينما لم يحرك الغرب ساكنا عندما ذبح الصرب مئات الالاف من المسلمين فى البوسنة كما سكت عن جرائم الإبادة الإسرائيلية واعترف لها بالحق فى اغتيال قيادات المقاومة الفلسطينية رغم حظر الاغتيال السياسى فى القانون الدولى .
- المتطوعون دفع الغرب بعشرات الالاف من المتطوعين الذين انضموا إلى المقاومة الأوكرانية ضد القوات الروسية فاعتبرتهم روسيا مرتزقة في المقابل اتهم الغرب روسيا بأنها جلبت متطرفين من سوريا لمساندة الجيش الروسى فما هو وضع المتطوعين إذا سوينا بينهما بالمعسكرين من الواضح أن المتطوع لمساعدة المعتدى يأخذ حكم المعتدى وأما المتطوع لمساندة المقاوم المشروع يأخذ مشروعيته هذا من الناحية القانونية الدقيقة ولكن الغرب لا يعترفوا بهذه القاعدة عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. ولكن لابد من الاحتكام إلى قواعد الارتزاق فى القانون الدولى فى المادة 47 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف الأربعة.