الأسلحة المحرّمة دولياً بين الحرب الروسية الأوكرانية وحروب “إسرائيل”/ د. تمارا برّو
27 مارس 2022، 11:16 صباحًا
شهدت الحروب والنزاعات خلال العقود الأخيرة استخداماً مكثفاً للأسلحة المحرّمة دولياً. وبما أننا في الوطن العربي قد عانينا من استخدام هذه الأسلحة، فبتنا نعرف البعض منها كالفوسفور الأبيض والذخائر العنقودية والأسلحة الكيميائية.
منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية أخذت موسكو وكييف وإلى جانبها واشنطن بتراشق الاتهامات حول استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً. فقد اتهم مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة كييف باستخدام الذخائر العنقودية والفوسفورية، بالمقابل وجهت أوكرانيا اتهامات إلى روسيا باستخدام الفوسفور الأبيض والذخائر العنقودية والقنابل الفراغية. ناهيك عن تبادل الاتهامات بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية حول احتمال استخدام أسلحة الدمار الشامل.
بشكل عام تعرّف الأسلحة المحرّمة دولياً بأنها الأسلحة المحظّر استخدامها صراحة بموجب اتفاقية دولية أو بموجب القواعد العرفية . فبالنسبة إلى الذخائر العنقودية فإن استخدامها محظّر بموجب اتفاقية الذخائر العنقودية لعام 2008 التي منعت الدول الأطراف من استخدام الذخائر العنقودية في أي ظرف من الظروف أي حتى لو استدعت الضرورة العسكرية ذلك، لما يلحقه هذا الاستخدام من ضرر يصيب المدنيين. كما حظرت الاتفاقية نقل وتخزين واستحداث وانتاج وحيازة هذا السلاح. واستخدام الذخائر العنقودية محظّر أيضاً بموجب أحكام القانون الدولي الإنساني التي تحظر استخدام الأسلحة العشوائية والتي تسبب الاماً لا داعي لها وتلحق ضرراً شديداً وطول الأمد بالبيئة.
أما بالنسبة إلى الفوسفور الأبيض فيعرف بأنه مادة سامة وخطيرة له رائحة تشبه رائحة الثوم، ويكون لونه أبيض إذا كان بالشكل النقي، وذا لون أصفر إذا كان منتجاً مصنعاً بسبب امتزاجه مع المركبات الكيميائية، ولذلك فهو يسمّى بالفوسفور الأصفر، ويكون شديد الاشتعال يحترق بمجرد تعرضه للأوكسجين منتجاً ناراً أبيضاً كثيفاً. وسلاح الفوسفور الأبيض عبارة عن سلاح يعمل عبر امتزاج الفوسفور الأبيض فيه مع الأوكسجين. وعندما يتعرّض الفوسفور الأبيض للهواء، يتحوّل بسرعة كبيرة إلى خامس أكسيد الفوسفور، ويولّد هذا التفاعل الكيميائي حرارة كبيرة مع دخان أبيض كثيف. وإذا كان القانون الدولي يخلو من اتفاقية تحظر استخدام سلاح الفوسفور الأبيض صراحة، إلا أنه مع ذلك هناك اتفاقيات معينة يمكن تطبيقها على هذا السلاح ويتم ذلك من خلال تشابه الآثار التي يحدثها مع تلك الخاصة بالأسلحة المحظورة بموجب الاتفاقيات الدولية. وبما أنّ سلاح الفوسفور الأبيض عبارة عن مادة كيميائية سامة، يسبّب عندما يلامس الجلد حروقاً كثيفة ومؤلمة، فهو بذلك أقرب إلى الأسلحة الكيميائية والأسلحة الحارقة. وقد حظّر القانون الدولي استخدام الأسلحة الكيميائية من خلال إتفاقية حظر الأسلحة الكيميائية للعام 1993، كما نظّم استخدام الأسلحة الحارقة من خلال البروتوكول الخاص بالأسلحة الحارقة الملحق باتفاقية الأسلحة التقليدية للعام 1980. كما أن استخدام سلاح الفوسفور الأبيض محظّر بموجب قواعد القانون الدولي الإنساني.
لقد تعالت الأصوات الغربية التي تتهم روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا. فقد اتهم وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن روسيا بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا، كما قرر المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية كريم خان فتح تحقيق بشأن ارتكاب جرائم حرب في هذا البلد. وأعلنت بريطانيا أنها ستقدم الدعم المالي والعسكري للمحكمة الجنائية الدولية للتحقيق في جرائم روسيا بأوكرانيا. لقد أثرت صور المدنيين الأوكرانيين في نفوس وضمائر المجتمع الدولي، ولكن لماذا لم تحرك الدول ساكناً عندما كانت إسرائيل تمعن في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الشعبين اللبناني والفلسطيني؟
فأثناء حرب تموز في العام 2006 أمطرت إسرائيل جنوب لبنان بنحو 4،6 مليون قنبلة عنقودية ، مسببة بذلك كارثة إنسانية وبيئية مدمرة في تلك المنطقة وما زالت آثارها تلحق ضرراً باللبنانيين حتى اليوم. وفي عدوان إسرائيل على غزة في العام 2009 جميعنا شاهدنا صور الضحايا المدنيين التي تنفطر لها القلوب بسبب استخدام إسرائيل المكثف لسلاح الفوسفور الأبيض في المناطق المأهولة بالسكان ضاربة بعرض الحائط كل المواثيق والاتفاقيات الدولية التي تحمي المدنيين. ولماذا لم نسمع أيضاً الأصوات الدولية التي تدين ارتكاب الولايات المتحدة الأميركية جرائم يندى لها الجبين في أفغانستان والعراق واستخدام سلاح اليورانيوم المنضب الذي ما زالت آثاره واضحة إلى اليوم من زيادة في نسبة الأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية.
مما لا شك فيه أن الدول الغربية تقوم بفرض عقوبات على روسيا وتدينها وتتهمها بارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا ليس رأفة وحزن على الضحايا الأوكرانيين الذين يتحملون العبء الأكبر من ويلات هذه الحرب ، بل رغبة في تدمير الاقتصاد الروسي وانصياع روسيا إلى الأوامر الغربية. ومهما يكن من أمر فإن استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً أمر شنيع، وفي خضم تبادل الأطراف المتنازعة التهم حول استخدام الأسلحة المحرّمة دولياً، يبقى المدنيون كبش المحرقة في حروب وصراعات إقليمية ودولية، يسعى كل طرف إلى تحقيق مصالحه، وبسط نفوذه بأي وسيلة أو أسلوب ومهما كان الثمن غالياً، غير مبالين بالمدنيين الذين يقتلون ولا ذنب لهم سوى أنهم ولدوا في وقت نهشت الأمم من أجسادهم.
حاصلة على دكتوراه في القانون الدولي، وباحثة في شؤون الأسلحة