صادم ومؤلم ويجمع كل مفردات البشاعة وانعدام الإنسانية المشهد القادم من فلسطين هذه الأيام حيث يستمر النزيف وتستمر الإعدامات على تلك الرقعة من الأرض المعزولة بفعل الحواجز الأمنية الإسرائيلية التي جعلت من المدن والقرى الفلسطينية سجونا مفتوحة ولكن أيضا بفعل إفلاس العدالة الدولية وعنصريتها.. وفي الوقت الذي تكاد تنحصر فيه أنظار العالم نحو ما يحدث في أوكرانيا وفي الوقت الذي تتجه فيه بوصلة الإعلام العالمي العربي والغربي إلى تطورات الحرب الروسية وتطورات الحرب الاقتصادية على موسكو تمضي سلطة الاحتلال في ممارسة إرهاب الدولة على الفلسطينيين الذين خذلهم الجميع في محنة طال أمدها وبات واضحا أنها لم تعد ضمن أولويات المجتمع الدولي المعني بمحاصرة وعزل ومعاقبة بوتي والانتصار لخصمه زيلنسكي وتحقيق العدالة لشعب أوكرانيا المشرد والمهدد في أمنه وسيادته واستقراره ..
المشهد الأول رصاصة أولى تتلوها ثانية وثالثة امرأة تتهاوى في جلبابها ثم تسقط على الأرض قبل أن يهرع نحوها جنود إسرائيليون.. إنها غادة سباتين المرأة الفلسطينية التي سيتابع الآلاف بل الملايين إعدامها برصاص إسرائيلي على المباشر وسيطوف الفيديو الذي سجل الجريمة مختلف أنحاء العالم قبل أن يودعها الفلسطينيون الغاضبون ويعود الجميع إلى حياتهم اليومية في انتظار الضحية القادمة.. بقية الحكاية تقول إن بيانا رسميا صدر عن السلطات الإسرائيلية يشير إلى أن المرأة كانت تتهيأ لتنفيذ عملية طعن تستهدف جنودا إسرائيليين.. بيان جاهز كما في كل مرة قبل أن يتضح أن المرأة الفلسطينية أصيلة بيت لحم وهي أربعينية وأرملة، أم لستة أيتام أصغرهم في سن الرابعة كانت تمر من هناك ولم يكن معها أي سلاح.. تركوا غادة سباتين تنزف حتى الموت، ولم يتم إسعافها شهادة موثقة بل وثيقة إدانة تعني توفر كل أركان الجريمة ضد الإنسانية بما لا يمكن إلا لحاقد أو جاحد إنكاره وهي جريمة تحمل توقيع الجيش الذي طالما وصف بأنه لا يقهر..
طبعا لا يمكن للمجتمع الدولي المعني بضمان واحترام حقوق الإنسان في العالم أن يستنكر أو يدفع إلى وقف تعليمات سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بينيت بإطلاق النار من اجل القتل shot to kill policy وهو الذي أطلق أيدي قواته لاستهداف كل ما يمكن أن يريبه أولا يريبه وان يقتحم المخيمات والقرى والمدن فالأصل في الأشياء تنفيذ أحكام الإعدام ثم إصدار شهادات براءة الضحايا ..
وفي انتظار تحقيق قد يأتي وقد لا يأتي والأرجح أنه لن يأتي وحتى وان تواضع المحتل واصدر بيانا لاحقا فلن يغير من الواقع شيئا، إذ يبدو أن موسم الإعدامات والقتل اليومي قد انطلق هذه المرة مع بداية شهر رمضان ليسجل يوميا سقوط مزيد الضحايا برصاص الاحتلال داخل الخط الأخضر كما في مدن الضفة وفي مخيم جنين عنوان ملحمة جنين غراد التي لم ينس الاحتلال ما تكبده فيها من خسائر عسكرية مذله.. فيديو إعدام غادة سباتين لم يكن الأول فقد سبقته إعدامات موثقة لنساء أو أطفال أو شباب على يد الاحتلال وقد لا يكون حتما الأخير طالما ظلت الآلة العسكرية الإسرائيلية المسعورة تواصل حصد الأبرياء دون محاسبة أو مساءلة ..
الحكايات القادمة من فلسطين هذه الأيام مثقلة برائحة الموت والتشفي وقد أسقطت بقية أقنعة النفاق والرياء وكشفت عبثية الخطاب الإنساني الحقوقي الذي يمنح حق الحياة والبقاء والحرية لشعوب دون أخرى ويمنح حق النضال من أجل الأوطان وضد الاحتلال والعدوان لأطراف وينكرها على أطراف أخرى ..
قد يبدو الحديث عن فلسطين اليوم في خضم التحولات الدولية والتحالفات من سبيل الحرث في الماء بعد أن بات التطبيع مع الاحتلال قاعدة والعكس استثناء.. ولكن يبقى الأكيد في خضم الفوضى العارمة التي تحكم المشهد السياسي الدولي أنها قضية لا تسقط بالتقادم والأكيد أن الأجيال القادمة سيكون لها كلمتها لتحديد مصيرها.. ما يحدث اليوم على أيدي القوات الإسرائيلية الخاصة والقوات المستعربة لا يختلف في شيء عما اقترفته عصابات الشترن والهاغانا منذ مذابح دير ياسين وكفر قاسم وخان يونس وغزة وجنين ونابلس، وقنانا والقدس والخليل وغزة .. لكن سياسة ازدواجية المعايير تأبى أن ترى ما يحدث ..
وعندما يقول وزير الخارجية الأمريكي بان “تقوم به روسيا في أوكرانيا ليس هجوما على الشعب الأوكراني وحده، بل على النظام الدولي القائم على القواعد كذلك سيتعين تابين العدالة الدولية التي لا تصلح لكل الأزمان أو كل الأوقات.. غادة سباتين حكاية من حكايات فلسطينية كثيرة قد لا تكون الأكثر ألما ولكنها تستحق أن توثق وتروى للأجيال.. غدا نتحدث عن قصة أحمد مناصرة الطفل السجين …