هل وصلنا إلى جامعة عربية بقيادة عبرية؟.. عبد الباري عطوان مطلوب بتهمة إنتمائه لقضيته وعروبته!/ خالد شحام
17 أبريل 2022، 01:32 صباحًا
في فترة ما مما كان يسمى (الصراع العربي – الاسرائيلي) الهزلي كانت أقصى أمنيات الكيان الصهيوني السياسية الناعمة تتمثل في الحصول على نوع من القبول أو الموافقة أو الحضور لدى الدول العربية الكبيرة من مثل مصر أو العراق أو سوريا أو غيرها ، بعدما أفتتحت مصر عهد كامب ديفيد وفرط السوار حبة تلو الآخرى ، ارتقت أمنية الكيان الصهيوني إلى تحقيق نوع من الصلح او الاتفاقيات مع المقاوم و المتضرر الرئيسي من الاحتلال وهو الشعب الفلسطيني الممثل وقتها بمنظمة التحرير الفلسطينية ، وبعد ان تحققت هذه الأمنية بفضل العصا السحرية ودخلت المنظمة جب أوسلو وخرجت منه على شكل دار إيواء لكبار السن وما تبع ذلك من تنازلات مكتوبة بريش الحمام ذهبت أماني بني صهيون إلى حلم بالتعايش مع كل الدول العربية والخليجية خاصة واكتساب صفة حسن الجوار بعد تحجيم وتقليص القضية الفلسطينية لتصبح بحجم علبة كوكاكولا تشرب منها وقت تشاء وتلقيها في المهملات بعد رواء ، عقب تحقق هذه الأمنية من مصباح علاء الدين أصبحت دولة الكيان تسهر في الليل وتدعو بقلب مخلص أن تمنحها الأقدار المحبة والوجود في قلب كل دولة عربية وأن يصبح أصحاب القبعات الصغيرة تجارا وسياحا وأصهارا وأصحاب قرار في كل عاصمة عربية ويسرحون ويمرحون بكل امان وسلام بصحبة الحمام ، واستجابت لهم الأقدار وصرنا نسبا وصهرا ، وكما ترون يجري التخطيط الان لتكون دولة اسرائيل مرحب بها إسلاميا عالميا وربما ستكون ذات يوم عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي العالمي ، باكستان وما يجري فيها ليست عنا ببعيد حسب مقالة الدكتور طارق ليساوي القيمة ليوم الخميس الماضي ، واليوم وبعد ان حققت الكرة السحرية لهم كل ذلك فها نحن ذا أمام حالة تاريخية عجيبة لم نكن نحلم بأن نسمع أو نعايش تفاصيلها ذات يوم إلا في حكايا ألف ليلة وليلة .
تحول هذا الكيان إلى شيء مقيم وحاضر ومؤثر في داخل كل ركن ومجلس عربي ، ينهى ويأمر ، يعين فلانا ولا يقبل بعلان ، يزكي أحدهم كرئيس لجامعة ويحول دون أحدهم والوزارة ، يحكم ويرسم خطط الأمن الداخلي العربي ويضع له الأولويات ويضع له عقيدته ، تحولت المقاومة العربية إلى المستهدف الجديد الذي يمثل لب عمل الجيوش العربية وهو الارهاب وصارت المهمة الكبرى هي ( تنظيف ) العالم العربي عن بكرة أبيه من ( الإرهاب ) وكنس أي شيء يمكن أن يولد هذه الظاهرة الخطيرة ، لذلك تم الاشتغال في محاربة أية عوامل يمكن أن تكون سببا في تشكيل حتى فكرة المقاومة ، بموجب ذلك يجب تهذيب المساجد وتحويلها إلى مجرد أفيون حقيقي يعلمك الوضوء ومبطلات الصيام ، يجب تحطيم التعليم العالي والمنخفض ، يجب ترويض فكر العامة وتعبئته بقضايا المعيشة من سكر و أرز وحليب وزيت قلي ونجوم السينما والطرب واللهب ، يجب تحطيم نفوس الشعوب بإفقارها وتجويعها كي تبقى حبيسة الخبز والماء والكهرباء وإلهائها بأي شيء عدا مصيرها وقضاياها الحقيقية ، كل هذه الحقائق الموثقة وسجلات الإنجازات الصاعدة دفعت هؤلاء ليدخلوا في حالة من النشوة والثمالة التاريخية بهذه الفتوحات لتدخل بالضبط في قالب زمني تاريخي تم وصفه بدقة بإسم الإستعلاء في الأرض كما ذكرت سورة الإسراء.
من تجليات العلو الكبير لبني اسرائيل أن كل ذلك لم يعد يكفيهم ولا يشبع نهمهم ، وكلما وصلوا إلى مكاسب جديدة تسلقوا عليها بسرعة ليحظوا بالمزيد دون توقف ولا قناعة ولا رادع ، اليوم تتكامل التجليات الاستعلائية لكي نشاهد مظاهر فاضحة مدوية لهذا الإستعلاء ، يخرج علينا وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس في واحدة من الندوات الاعلامية ويقول عبارة من فئة الغمز والتلميح والتهريج السياسي بأنه بمقدور سوريا أن تعود إلى حيز الجامعة العربية إن تخلت عن تضامنها مع ايران ! …. أي أن السيد غانتس سوف يمنح الإذن بعودة سوريا المسكينة المطرودة من جامعة الدول العربية إن هي تأدبت وتابت عن تمسكها بإيران ! …..صدقا بأنني أعدت قراءة الفقرة مرتين لأتأكد من الذي يتكلم بالضبط !
درجت عادة مسؤولي الكيان أن تكون عباراتهم سامة واخزة هدفها زرع الشكوك وهز الثقة بالذات وبكل المحاور العربية ولكن تصريحا بمثل هذا النوع يدعو لكثير من التفكير وإعادة جدول الديون في ضمير الوجود العربي بما وصلنا إليه من مستوى الانحطاط السياسي الذي نعاني منه ، مثل هذا التصريح يكشف نقطتين أساسيتين : الأولى هي ان كل التحركات العربية التي حاولت التقرب من سوريا خلال الفترة الماضية لم تكن تهدف إلى ( لم الشمل العربي ) و( جمع القرار العربي تحت سقف واحد ) كما تقول عبارات التهليس التي يشتهر بها المتحدثون بشأن الجامعة ، بل أصبح من الواضح أن هدف تلك السياسات هو مراودة سوريا عن نفسها وعن علاقاتها التي تضر جدا بالكيان الصهيوني ولم تكن تلك التحركات العربية نحو سوريا إلا برمجة اسرائيلية بحتة نفذها الموكلون بهذه المهمة بهدف الإحتواء مقابل بعض المكاسب الزائفة .
النقطة الثانية : ماذا يعني ذلك ؟ هل كانت جامعة الدول العربية مملوكة للكيان الصهيوني كي يقيل او يقبل من يدخل ومن يخرج منها ؟ من أنت كي تتكلم بالسماحية لقبول أو خروج دولة بحجم سوريا إلى منظمة دولية معلنة بأنها عربية صرفة ؟ ……….الإجابة على ذلك هي نعم سادتي وصدقوا أو لا تصدقوا فهذا يعني بأن دولة الكيان ستصبح هي المحور المسيطر في داخل هذه المنظمة وتتحول إلى الآمر الناهي فيها وبالانتخاب والتصويت (الطوعي ) وفقا للمسار السياسي المتهور الذي تتحرك فيه المنطقة والدول التي تعبث فيها خدمة وتكاملا للمشروع الصهيوامريكي ، وانتبهوا أنه حتى اللحظة لم تعلق أية دولة عربية على تصريحات الوزير غانتس أو تثير حفيظتها !
في إشارة استعلائية أخرى ذات صلة وليست بجديدة بشأن العلو الكبير ومظاهر النشوة بالفتح المبين على العرب شنت صحيفة الأخبار اليهودية ( جويش كرونيكل ) هجوما حادا على السيد عبد الباري عطوان وجرى اتهامه بتشجيع الإرهاب بسبب مواقفه وانحيازه لقضايا أمته وشعبه وتأييده ومناصرته للعمليات البطولية داخل الأراضي الفلسطينية ، هذا الهجوم والذي يعد برنامجا مستمرا منذ سنوات طويلة ضد كل الصحف والشخصيات والكتاب والمفكرين والمواقف الداعمة للنضال الفلسطيني والقضايا العربية هو نهج آخذ في التوسع والتضخم ويتمتع بأذرع ضاربة طويلة جدا عابرة للقارات وسوف يتبلور سريعا جدا داخل الدول العربية ليصبح قانونا يجرم ويعاقب كل من تسول له نفسه مس سمعة الشعب المختار أو تشجيع او تمجيد أي من العمليات أو المناكفات او المقاومة ضده او ضد امتداداته .
نحن أمام مرحلة سياسية يجري فيها إجراء تغييرات ضخمة ليست بعيدة أبدا عن كل المجريات العالمية من مثل الحرب الروسية – الأوكرانية ولا عما يجري في باكستان ولا في الخليج ولا في القدس المحتلة ، هنالك خطة ضخمة المقياس تجري بتناغم وتحاول فرض نفسها على واقع هذا العالم وخاصة في منطقة الشرق الأوسط كما تشير كل المؤشرات والانقلابات ، الولايات المتحدة الأمريكية هي المحرك الرئيسي لكل هذا ، تهاوي العرش الأمريكي هو الدافع الكبير لهذه الهجمة الشرسة ، اهتزاز الاقتصاد الأمريكي ومنابع قوته يدفع بسياسييهم إلى الاستماتة في الثبات ، هيمنة الكيان الصهيوني وتحويله إلى المركز الاقليمي والاقتصادي والاداري للمنطقة هو حلم قديم متجدد يتخذ نفسه واقعا اليوم كجزء لا يتجزأ من نفوذ الولايات المتحدة ويعتبر بمثابة عنصر قوة هام للسيطرة على منابع الطاقة في الشرق الأوسط وما يقوم به الكيان هو جزء من المخطط الأمريكي العالمي .
الهجمة على المناضل الكبير عبد الباري عطوان لها رمزية كبيرة لأن الرجل ينوب في فكره وتوجهه عن شعوب بأكملها تحمل نفس الفكر ونفس الروح ، وهي ليست مجرد رمزية للهجوم وفتح النار على كل من يؤمن بنفس النهج وكل من يفكر بنفس التفكير أو يقف في نفس الطابور المقاوم للاستعمار والنشاط الصهيوني في المنطقة ، إنها الإيذان القادم بوضع قانون خاص على غرار قانون معاداة السامية ولكن هذه المرة ليست المسألة متعلقة بعداء اليهود بل سيكون عنوان القانون من مثل تأديب العصاة أو قانون مكافحة العبيد الغوييم والذي بموجبه سيعاقب بالحبس او الغرامة او كليهما كل من تسول له نفسه المس بسمعة او سلوكات الكيان الصهيوني أو دعم ومؤازرة المقاومة التي تقف في وجهه مهما كان شكلها أو نوعها ، إنها أيضا إعلان أولي بأننا عدنا وسوف نحكمكم ونكون سادة عليكم ، إنها الإيذان بقوانين مقدسة يسنها الحاخامات لكي تجعلكم عبيدا لنا دون تذمر ولا شكوى ولا صوت ولا اعتراض لأن ذنوبنا مغفورة وذنوبكم لا يمكن التسامح فيها أيها العبيد !
نبشر السادة وزراء وقياديي الكيان الصهيوني الذين قتلوا واستباحوا دماءنا وأرضنا وأراضي العرب بأنهم لن يتمكنوا في أي يوم من الأيام من تحقيق أحلامهم أو الارتقاء فوق رقابنا كعرب ومسلمين مهما فعلوا ومهما تطاولوا لأن الشعوب في نهاية الحكاية هي من يغير التاريخ وليس الاستسلام ولا الأنعام ، نبشركم بأن هؤلاء الذين يعتصمون في الأقصى ويتحدون ناركم هم من سوف يدحرونكم وينهوا كل مؤامراتكم ، نبشركم بأن هنالك وعدا خاصا أعد لكم وضعه خالق الخلق وهو الذي لا يخلف وعدا بإنهاء علوكم وختام مسيرتكم في رحلة الأرض وبأن الخاتمة هي سوء المنقلب وسوء المصير وسوم الوجوه ، نؤكد لكم بأن شباب الضفة الغربية وكل مواطن فلسطيني يقيم على أرض الأنبياء هو جندي من جنود الله سيبعثه الله عليكم من حيث لا تحتسبون ويسقط ويفشل كل ما ترسمون وتخططون ، نبشركم بأن شعوب العرب والمسلمين على الرغم من كل مؤامراتكم وكل عمليات غسيل الدماغ التي تفعلونها إنما هي على مرمى الحجر منكم وجاهزة لأكلكم أحياء ، نبشركم بأن شباب العرب وشعوب العرب على العهد باقون وأنهم لأجل الله وفلسطين وكل قضية عربية هم حاضرون !