الأسئلة الأخيرة من النعش الراحل… العلم لا يسقط عن الشهداء!/ خالد شحام
15 مايو 2022، 01:01 صباحًا
في مشهد تراجيدي من زمن الملحمة الفلسطينية تقدم الكاميرا صورة حية لرحلة الانحطاط الأخيرة والوحشية القصوى من الرحلة العبرانية العبثية ، مشهد للنازية الجديدة في بث مباشر لثلة من المجرمين في ثوب جنود دخلاء يعتدون مرة ثانية على موكب الرحيل للشهيدة الفلسطنية ويكملون الجريمة في شقها الثاني عن سابق إصرار وترصد ، مشهد بسيط لكنه يمثل حقيقة هؤلاء في نهايات رحلتهم على حواف القرن الحادي والعشرين ، حاشا لله أن يكون هؤلاء بشرا أو يرتقوا لمنزلة أنصاف السعادين ، إنهم بقايا الهمجية والنازية الاخيرة على الأرض ، جريمتهم تتحرك بالإزاحة الزمنية نحو مستوى أعلى وأرقى ،فبعد اغتيال الجسد يأتي الان اغتيال الأثر والمعنى والرمز ، وبعد اغتيال الشهيدة تأتي الان مرحلة اغتيال الشهود والشاهدين على الجريمة بل حتى اغتيال وعي وأعين المشاهدين والعالم بأسره الذي عايش الجريمة سمعا وبصرا .
تحولت جريمة شيرين وبسرعة إلى تقاطع طرق كالمعتاد يكثر عنده الصيادون واللصوص والانتهازيون وبائعو سجائر التضليل المتجولون بين المآسي ، تحولت الجريمة إلى محطة قطارالشرق حيث يتلاقى عندها المجرم مع الضحية مع السمسار مع المثقف اليساري والمثقف المتحول جنسيا والمثقف الذي نصفه اسرئيلي والشق الاخر عربي مسلم لكن الشق العربي فيه لا يعلم أن النصف الآسرائيلي استولى على كل شيء في وعيه وكلماته وحياته ، قبل الهجمة على النعش وموكب المشيعيين تعرض موكب الشهيدة لهجمة بالعصي والهروات من نوع آخر وكاد النعش ان يسقط مرة أخرى قبل سقطته من على أكتف الثائرين عندما تم دس السم الاسرائيلي في برغر التحليل الديني عن اهلية الشهيدة للرحمة من عدمها وسط حال يقول يا أمة ضحكت من جهلها الأمم ويا شعوبا ضحكت من غربتها العقول ولذلك تم خلع العلم الفلسطيني عن شيرين مرتين قبل المثوى الأخير .
نشطت قناة الجزيرة التي تنتمي إليها الشهيدة وطيلة الأيام الماضية في برنامج إدانة واسع وتشابك عالمي مع مسؤولين وسياسيين ومحللين يلقون عبارات التنديد والتأييد لمحاسبة الكيان ، تصريحات معممة وفاترة ومميعة حول الجريمة ويتم عرضها في الشريط الأحمر للأخبار العاجلة وتشبه رائحتها رائحة الورود البلاستيكية ، يدعي كل مسؤول أمريكي وغربي حدوث صدمته من جراء مشاهدة ما جرى في مراسم التشييع ومطالبته القصوى بالتحقيق والمحاسبة ، لكن ما أثر كل هذه ( الصدمات ) وماذا فعلت أو ماذا ستفعل ؟ ألم نتعلم الدرس مليون مرة ! كل التصريحات كانت تركز على الجريمة الفردية بحق شيرين والمطالبة بتجريم الفاعل وتغاضت عن الجريمة الأكبر بحق فلسطين والشعب الفلسطيني وتجريم كيان غاصب محتل بأكمله ، كلهم قالوا وأدانوا وشددوا على ضرورة محاسبة القاتل ولكن أحدا لم يطالب بمحاسبة قتلة ألوف الفلسطينين والأطفال والنساء والمجازر التاريخية بحقهم ، لم يطالب أحد بإنهاء معاناة الفلسطينين الدائمة في كل مكان من هذا العالم وايجاد أرضية لحل العقدة الكبرى التي تئن تحت الاحتلال منذ أكثر من مائة عام ، هل جريمة قتل شيرين هي جريمة ضحية فردية وحالة معزولة ، أم أنها أصبحت أيقونة لنهج كامل من برنامج القتل المستمر والإبادة لشعب محتل منذ مائة سنة ؟
من الصحيح تماما أن شيرين الشهيدة هزت وجدان الأمة واجتمع على رحيلها كل الوجع الفلسطيني لكن ذلك لا يمنح قناة الجزيرة نفس الامتيازات الوجدانية والظن الحسن و البراءة المطلقة من شبهات خطيرة لعبت فيها أدوارا غير مريحة ووضعت نفسها في منطقة البرزخ بين المؤامرة والمناصرة ، يمكن لنا أن نضم أصواتنا لقناة الجزيرة في وقفتها مع المناضلة شيرين ويمكن للقناة ولكل الصحف والمواقع الإخبارية أن تتغنى بألوف المقالات والشعارات والكلمات واللقاءات المنددة سواءا على لسان صحافي او مواطن أو مسؤول عالمي رفيع المستوى ولكن ذلك لن يغير من الحقائق شيئا ولن يغير من واقع الحال شيئا ، بل على العكس ستتحول كل مطالبات المحاكمة والتحقيق الناعمة إلى ممازحات ومدعاة تسلية للكيان الصهيوني ولن تخيفه نتائج تحقيق أو غيرها لأنننا شاهدنا نتائج تحقيقي جولدستون كمثال في جرائم غزة وما ترتب عليها ومثلها كثير في الداخل الفلسطيني وغيره .
الرصاصة التي قتلت شيرين لا تمثل القزم الجبان الذي ضغط الزناد ، هذه الرصاصة تنوب عن متسلسلة طويلة من طفيليات الاستعمار التي تجثم على منطقتنا وبلادنا وتبدأ من بايدن وبريطانيا وفرنسا والكيان بأكمله ودويلات الخونة وحلف كامل من الوجوه المجرمة ، حيال هذه المتسلسلة لا قيمة على الإطلاق لأية تنديدات أو محاولات إدانة أو تصريحات نارية من المسؤولين الغربيين والأمريكيين ، لا تنفع العين أمام المخرز ولا تنفع المداعبات مع القتلة والمجرمين ، مخيم جنين البطل هو الذي قدم الرد المناسب بما أمكنه من استطاعة .
على كل و قبل لحظات الوصول النهائية للجبل الحزين تسللت أسئلة أطلقها التابوت في ضمير الفضاء وكانت تحوم فوق رؤوس المشيعيين قبل دسه في المثوى الأخير من متساءل متفكر غادر عالم الدنيا إلى عالم الحقيقة وظهرت أمامه الأسئلة الحقيقية التي لا ريب فيها : أين هي الشعوب العربية أمام هذا النوع من الجريمة ؟ ألست أنا شرفكم وابنتكم ؟ أين هي الفصائل الفلسطينية ؟ وهل خجلت الصواريخ لأنني مسيحية ؟ أم تبدلت العمليات إلى ملح و فلفل أسمر نرشه على طعم الاغتيال ؟
في المقطع المسجل بالأمس الجمعة لعميد الصحافة عبد الباري عطوان حول جنازة الشهيدة ذكر عبارة مركزية : قد يأتي الخير من باطن الشر! …. جريمة شيرين وعلى الرغم من وجعها الكبير إلا أنها ستنقلب إلى نار وانتصار عليكم ، حذار أن تظنوا أن إسكات صوتها قد حيد القضية بل على العكس تحولت شيرين البطلة إلى فضيحة إعلامية لكم ولإجرامكم الطويل ، شيرين ستقاومكم ، شعب فلسطين سيقاومكم ، بكل شيء وبكل أداة وبكل وسيلة بلا توقف ولا استسلام .
كما كانت صورتك تزهر أمام قبة القدس ببسمتك الساحرة وتتربع المشهد….. كان نعشك يتربع قلب المشهد المشتعل مرة ثانية وفي مشهد مهيب بين الضحية والجلاد ، هذا التابوت يا شيرين هو أيقونة اللعنة وبداية تحقق النبوءة المقدسة بسقوط دولة صهيون وإنتهاء رحلة جبل سيناء وتهاوي أحلام شاؤول وختام الكذب على صحف موسى ، تابوتك الفلسطيني هو الذي سيسقط أكذوبة تابوت سفر الخروج وسيكون فاتحة الباب لنهاية الخرافة الصهيونية التي سامت البشرية سوء العذاب .