بالصدفة قرأت تعليقا لاحدهم حول كتابي الذي صدر منذ فترة حول الشهيد غسان كنفاني كقائد سياسي وكمفكر وكاتب واثار هذا التعليق في ذهني أمورا كثيرة منها غسان ومنها مواضيع أخرى لا علاقة لغسان بها .
اثار هذا التعليق في ذهني سؤال هل يحق لي ان اتحدث او ان اكتب او ان انشر كل ما اعرف.
لقد عشت حياة سياسية نضالية طويلة ومتشعبة وعرفت أمورا كثيرة منها ما هو سري ومنها ما هو سري جدا ومنها ما هو ممنوع من التداول ومنها ومنها ومنها ومنها أمور شخصية حساسة جدا تمس أسماء لامعة في العالم والعمل السياسي والنضالي والقيادي أيضا، السؤال هل يحق لي !
وكان جوابي لنفسي لا يحق لك فهنالك من الأمور التي قد تفهمها انت تشكل ميزانا لتجمع لاعصاب حساسة انتجتها مواضيع حساسة وعلاقات حساسة لا تسمح لك بالبوح بها لانها قد تسيء الى شخص قيادي مرموق او قد تسيء الى شخص غير قيادي ولكنه مرموق .
هل يحق لي ان اتحدث حول وثائق سرية اطلعت عليها ومست قيادات عربية كبيرة ورؤساء ووزراء ام لا !
كان جوابي لنفسي لا لا يحق لي لان بوحي بتلك الأمور من شأنه ان يبدل الصورة التي رسمها المواطن لذلك القيادي الذي ضحى بالفعل بحياته من اجل الوطن ومن أجل وحدة الامة من هنا اردت بشكل غير مباشر ان أقول لصاحب التعليق الذي قال ان كتاب بسام أبو شريف لم يأتي بشيء جديد عن غسان كنفاني وكان حري به وهو الأقرب له وعمل معه اكثر من غيره فترة طويلة ان يكتب عن غسان أمورا لا نعلمها نحن وتغني لدينا صورة غسان كنفاني ، دققت في هذا القول كلام سليم .
كلام صحيح
كان بامكاني ان احول كتابي عن غسان الى نوع من الرواية السياسية التي تسجل تاريخ غسان بصعوده وهبوطه بفرحه وحزنه بابتسامته وكشرته باغمائه من السكري او صحوه به بكل ما اعرفه عن غسان .
كان بامكاني ان اتحدث عن الطيور التي تطير بكل الاتجاهات ثم تعود الى عشها لتطمئن على اطفالها كان بامكاني ان اكتب عن من يبحر بلا سفينة بل على لوح خشب مزقته الرياح كان بامكاني ان اكتب عن عشق غسان للعشق وحبه للحب …
كان بامكاني ان اكتب عن غسان الذي شكلت الحروف لديه الوان رسمة جميلة …
كان بامكاني ان اكتب عن غسان الذي تحولت الألوان الجميلة عنده الى حروف مبدعة …
كان بامكاني ان اكتب عن غسان في أي ظرف وتحت أي مظلة كان يحب ان يكتب كان بامكاني ان اكتب غسان وهو في السجن وكيف تصرف …
كان بامكاني …
كان بامكاني …
لكنني اردت ان ابدأ بالكتابة عن توأم روحي بان اعرف توأم روحي للاخرين كما عرفته حقائق أساسية بابداعاته الأساسية بمنهجه الرئيس بتوجهه الحقيقي بتضحياته الحقيقية وبصلابته التي كانت تعكس مئة بالمئة مضادا لضعفه الجسدي كان غسان يستمد من ضعفه الكرستالي قوة تهد الجبال بحروف او بالوان او بابتسامة ،
أقول لذلك الصديق الذي علق على كتابي واتهمني بانني أخطأت بالاكتفاء بالكتابة عن غسان بما يعرفه المطلعون عن غسان أي انني لم آت بجديد حول غسان كنفاني بالفعل لم آتي بجديد حول غسان كنفاني لانني تعاطيت مع الأساسيات لدى غسان كنفاني من نوع مولده وحياته وكيف تربى وكيف تعلم وكيف كتب وكيف انتقل من مكان الى مكان وكيف تهرب من بلد الى بلد وكيف تسلل الى لبنان وكيف اصبح امير الكتاب ومحور التقدميين وملتقى الادباء واشعراء وحبيب الرسامين كان بامكاني ان اكتب عن أصدقائه الخلَص ذكورا واناثا وقصصهم الجميلة كان بامكاني ان اكتب عن قصصي انا وهو ومغامراتنا التي كادت تصل الى حد الجنون بحثا عن الجمال في الحرف او اللون او الإبحار على قطعة خشب مهترئة لكنني اردت في اول كتاب لي عن غسان ان أقول للأجيال هذا هو غسان كنفاني لان الخوض في غسان كنفاني من الداخل كان يعني الخوض في مواضيع لا يستطيع ان يستوعبها الا من عاش المر في تلك التجربة ولاقى الفرح والالم وتحملهما … معا .
ما تحدث عن غسان كنفاني من الداخل كان يعني ان اغوص في مواضيع حساسة جدا شخصية جدا فغسان كان كذلك الباب الضخم الذي لا يفتح بسهولة واقفاله قديمة لا تفتح بمفاتيح جديدة بل تحتاج الى ذلك المفتاح الذي يبدو لك كمارد متمدد على الأرض كي تفتح القفل ليفتح الباب لتبدأ بمعرفة الجواب .
ذلك التعليق رفع في وجهي كل تلك الأسئلة وبسط امامي كل تلك الأجوبة وأقول بصراحة انه شجعني وحمسني ان اكتب ملاحظاتي العميقة حول قدرة غسان على تحويل اللون الى حرف ورسم اللون بالحرف تلك كانت قدرة عجيبة لا يملكها الا الموهوبون وكانت اداته في ذلك أقلام حبر كسرت ريشتها بضغط من يده التي كانت تتحرك رسما او كتابة بعنف وكانه يريد ان يصب على الورق كل ما يجول ويجوش في صدره من الوان تتحول الى حروف ومن حروف ترسم الألوان واعد هذا الصديق لان من يعلق لا شك يعلق انطلاقا من رغبة في المعرفة ولذلك يصبح صديقي فكل من يسعى للمعرفة صديق لمن يسعى للمعرفة وانا ما زلت اسعى للمعرفة واتعلم كل يوم كل صباح وكل مساء اتعلم شيئا جديدا .
لم يمر علي شيء لا في سنين الثانوية ولا في سنين الجامعة ولا في الحياة العادية بل ما مر علي بين حياتي وموتي وعودتي من الموت الى الحياة ومعرفتي بطعم الموت و كيف اهزمه وكيف انجو بنفسي مما خطط لي على يد الأعداء شجعني صديق ان اكتب وفي جعبتي الكثير الكثير حول غسان التداء من دوره في رسم الخط السياسي والتعبير عنه بوضوح لا يظلله غبش او ضباب او بموقف صلب يتصل بالحقائق الأساسية لقضية نذرنا انفسنا لها لنحقق آمال شعبنا بها وسأبدأ قريبا بكتابة مجموعة من الملاحظات التي سأدونها جميعا تحت عنوان ريشة مكسورة تحول الحرف الى رسم الوان والوان تتحول بريشة مكسورة الى حروف من نور ،
شكرا للصديق الذي علق وهذا هو تفسيري لقد قمت بواجبي تجاه الأجيال بسرد الحقائق الأساسية حول البطل الذي اغتالته إسرائيل شابا في السادسة والثلاثين من عمره وقد ترك مكتبة كاملة من الروايات والقصص والمقالات والرسومات والملصقات والمنحوتات والتماثيل الحديدية يكفي ان نقول انه كان يستمع بكل عشق للمغنية الكبيرة توكيكو كاتو اليابانية وهي كام كلثوم لدى المشرق العربي وكأنه يفهم اليابانية ويدركها ويرقص على انغامها .
لقد كانت لغته لغة اممية لان احساسه كان إحساس الانسان الذي لا يحده مكان ولا تمنعه من العبور حدود ولا تغرقه محيطات ليس لها .