ابراهيم النابلسي وامه…الشهيد والشاهدة / بسام الياسين
افتح اصداف الابجدية، بحثاً عن لؤلؤها المكنون .انثر حروفي لاستدرج قوافي الشعر، لاستحلاب اعذب موسيقاها.اجوب حقول اللغة لقطف،اجمل وردة فيها،كي ازرعها في عروة جاكيت ابراهيم المرقطة. الفارس العشريني،الذي خرج من حواري البلدة القديمة،ليعيد امة بملايينها الى مربع المقاومة.بطلقة مباركة،فجر ينابيع الوعي،وانزل اليهود من صياصيهم المُحصنة،ما زاد في منسوب الكراهية للصهاينة، والحقد على تجار القضية.
ابراهيم ليس اسطورة صنعها المخيال الشعبي،لكنه سبيكة جمعت #الرجولة والبطولة،في زمن عزَّ فيه الرجال.شاب طاعن في الكبرياء،مدجج بالعقيدة،واجه اعتى جيش في المنطقة ،ببارودة يتيمة،فكان جيشاً وحده. واقعة تذكرنا برسولنا الكريم، حين دعا للجهاد ايام العسرة ،فتقاعس بعض المسلمين.الصحابي الجليل ابو ذر تأخر عن الركب،لانه لم يجد ركوبة له،فدار الهمس بين الجند انه من المتخلفين،فلحق بالمسلمين ماشياً، ولما رآى سيدنا محمد سحابة غبار عن بُعد قال :ـ كن ابا ذر فكان .وكانت نبؤة النبي عنه قبل هذه الواقعة،تمشي وحدك،وتموت وحدك ،وتُبعث وحدك،كذلك انت يا ابراهيم.
ابشروا، لا يُهزم شعب فيه ابراهيم.بتمرده على السائد المدان،اسقط عار اوسلو وشقيقاتها،فضح كذبةغصن الزيتون ،واعاد للبندقية مجدها الغائب و ذاكرتها المفقود.فلا تخافوا على من رضع حليب الطهارة من ثدي”هدى جرار” امه. فلا تحزني ذلك قدر الله،فالزهور مواسمهن قصيرة،والابطال يموتون صغارا. الفراق موجع والمصاب جلل،لكن لا بد من مواصلة المشوار لاجتثات اليهود من فلسطين،كل فلسطين .
لا يعنيني التاريخ ولا التأرخة،ولا تعنيني الجغرافيا او الارشفة.ما يهمني من الجغرافيا، خوازيق سايكس بيكو التي كرست العربان،قبائل متحاربة،وما يهمني من التاريخ انه لا يفتح ابوابه الا للقلة من العظماء. اولئك الذين اتخذوا موعظة الموت شعارا :ـ الحياة اقصر من طرفة عين،وارخص من جناح بعوضة،فباعوها واشتروا الجنة.حكمة اغتنمها شهيدنا :ـ ” ومن الناس من يشري نفسه إبتغاء مرضاة الله”.هذه فلسفة دين ابراهيمنا،لا دجل ” الابراهيمية المنحولة”.
ارتقى ابراهيم سلم المجد، فامتشقت البلاغة جمالها ،تزف البشرى للاركان الاربعة،حاملة اوراق اعتمادها لتحظى بشرف قبولها،فاندفعت الفصاحة على عتبة دارة ام ابراهيم،لتنحني امام المرأة المستحيلة التي حملته جنيناً في بطنها،وعلى صدرها رضيعاً ثم شالته على كتفها شهيداً.مشهدٍ يفلق الصوان،يُجمدّ الماء في الغدران ،يُنشّف الدم في الشرايين .
نور على نور سيدتي،المعفرة بالكبرياء،المعطرة بالكرامة،المُتشحة بالنبالة.زيتونة فلسطينية انت،غير قابلة للخلع والقلع،يكاد زيتها يُضي ولم تمسسه نار.تلك طبيعة اهل جبل النار،ثوار انحدروا من اصلاب ثوار.طيبون كالكنافة،عصيون كالصبار.
زينة النساء انت يا ام ابراهيم.امرأة فولاذية،اعادت للرجال الهيبة حين غاب الكبار وتعملق الصِغَار.خنساءُ تتجدد ثانية فينا،تسامت على الموت،ولقنت المتخاذلين درساً في الثبات.همها الاهم، كان قبل فلذة كبدها،سلامة الاقصى والمسرى.ما دون ذلك هين عندها.لم تلطم الخدود ولا شقت الجيوب بل زغردت زغرودة الانتصار.ابكت الملايين حين اعادت تلاوة وصية ابراهيم :ـ حافضوا على الهوية والبارودة،وتمسكوا بالثأر من الصهاينة واحتقار الخونة.
ارفعي رأسك اماه .ابراهيم لم يرفع راية الاستسلام ،لم يُنكس راية الاسلام كعربان آخر زمان.كان يحلم كغيره من الشباب،بوطنٍ عربي بلا حدود ولا يهود.اسرج حصانه وامتشق سيفه حتى اخر قطرة من دمه.فعرج الى منزلته العلوية،الى بيته البهي العلي ،وكانني اسمعه يغني طَرِباً :ـ “غداً القى الاحبة / محمداً وصحبه ” فتلقفته الملائكة، وقد بلغ به الشوق لله اقصاه، تاركاً فتات الحياة للمتكالبين عليها.