أستراليا: شرطي واشنطن أم المدير التنفيذي للصين؟
لم تختر أستراليا موقعها بين الصين والولايات المتحدة الأميركية، ولا كان بإمكانها المُفاضلَة بين قوّتين عسكرية واقتصادية. وسعت عبر كل الحكومات المُتعاقبة إلى إيجاد توازنات في العلاقات بين الدولتين بما يُرضيهما ولو على حساب كانبيرا.
العلاقات الأميركية الأسترالية قديمة جداً، حيث شاركت أستراليا الولايات المتحدة في حروبها، من الحرب الكورية إلى الفييتنامية وحرب الخليج الأولى، إلى المشاركة في غزو أفغانستان والعراق وسوريا. كما وقفت أستراليا داعمة للولايات المتحدة في غالبية المواقف الدولية، وشكّلتا أحلافاً مع العديد من الدول، كان معظمها للوقوف بوجه الصين والاتحاد السوفياتي السابق، والروسي حالياً.
وما كلام وزير الدفاع الأميركي الأسبق دونالد رامسفيلد عن تشبيه أستراليا واليابان بالحصن الشمالي والجنوبي في منطقة آسيا الباسيفيك، إلا دليل على ما تعنيه أستراليا للولايات المتحدة. كما أن إعلان الإدارة الأميركية إبّان ولاية الرئيس باراك أوباما “جئنا هنا لنبقى” قاصداً التواجد الأميركي في آسيا الباسيفيك، مع البدء بتمركز قوات أميركية في أستراليا، وإنشاء قواعد عسكرية دائمة، وإجراء مناورات مشتركة، إلا دليل جديد على أهمية المنطقة لواشنطن في استراتيجيتها الجديدة، خاصة وأن ثلث التجارة العالمية يمر عبر بحر الصين الجنوبي.
كما قيل إن وزير الخارجية الأسترالية هو أول من طرح فكرة إنشاء “آليّة مشاورات أمنية رُباعية” بين أميركا وأستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، ليتّضح بعد ذلك إنها هندسة أميركية طرحها المُحلّل الأميركي روبرت بلاكوير، وعَهَد بها إلى أستراليا للكشف عنها. كل هذا يؤكّد عُمق التعاون والتنسيق الأميركي الأسترالي.
إلى ذلك، افتُتحت في ولاية غرب أستراليا أكبر محطّة أميركية للمراقبة والإنذار المُبكر في العالم، يُقال إن بإمكانها إدارة العمليات العسكرية في الشرق الأوسط.
أما على الجانب الآخر، فالصين مصدر قلق لأستراليا عسكرياً، لكنها حليفة اقتصادية قوية. فحجم التبادل التجاري يفوق مئة مليار دولار، تتوزّع بين الحديد والفحم واليورانيوم. وإذا ما نظرنا إلى الميزان التجاري، فإننا نراه يميل لصالح أستراليا. فالصين تستورد مئة مليار فيما تُصدّر إلى أستراليا ما قيمته خمسون ملياراً فقط. وهناك دعوات عدّة من أجل إيلاء المصالح الاقتصادية الأهمية المطلوبة، وبذا تكون الصين الحليف الأقرب لاستراليا.
أما وإن استعرضنا في عُجالة بعض القضايا المشتركة بين الدولتين، لتمكّنا من إدراك ما تعنيه بكين لكانبيرا. فهناك خمسون ألف طالب صيني يتلقّون التعليم في الجامعات الأسترالية، وكبرى الشركات في مجال الحديد والمناجم مملوكة لشركات صينية، والتغذية الكهربائية لولاية نيو ساوث ويلز تعتمد على شركة صينية، ومقاطعة شمال أستراليا استخدمت أموالاً صينية لتطوير موانئها، ناهيك عن قطاعات واسعة من الأعمال. كما وقّعت أستراليا والصين على اتفاقية للتجارة الحرّة استغرق البحث فيها سنوات.
ويُسجّل في التاريخ الأسترالي أن رئيس الوزراء الأسبق هارولد هولت كان متّهماً بالتجسس لصالح الصين، وقد أمّنت له البحرية الصينية هروباً إلى أراضيها خلال قيامه بالعوم أمام أحد شواطئ أستراليا، ولم يزل مصيره مجهولاً. كما أن الحكومات الأسترالية السابقة منعت الهجرة الصينية إلى أراضيها بعد تنامي قوة المهاجرين الذين كانوا يبحثون عن الذهب. وتعكس هذه الحوادث مدى التغلغل الصيني في الداخل الأسترالي، إضافة إلى جعل أستراليا قلقلة من السيطرة الصينية الناعمة. لذلك تتبنّى الحكومات الأسترالية، وتحديداً، منذ أربعة عقود، سياسة التوازن بين الصين والولايات المتحدة.
فقد قالت وزيرة الخارجية الأسترالية جولي بيشوب بأنها تعتقد أن أستراليا يمكنها أن تقف بالوسط بين واشنطن وبكين، كما تفعل مع باقي الدول. فيما يؤكّد د. آدم لوكيار (من جامعة ماكواري) “إنه في اللحظة التي يُفرَض فيها علينا الاختيار بين الصين وأميركا نكون قد خسرنا”.
مستشار الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما الأمني ديفيد س كامبرت قال في لقاء صحفي إن أستراليا قد تلعب دوراً محورياً إذا ما تصاعدت الأزمة أو اندلعت الحرب بين الصين وأميركا.
وعملت أستراليا، ولا تزل مستمرّة في تقريب وجهات النظر بين القوّتين، بالرغم من الدعوات لفكّ الارتباط مع واشنطن والتحوّل نحو بكين، مع مؤشّرات تقول إن الصين ستكون القوة الأولى في العالم بحلول العام ٢٠٥٠. فقد ناشدت أستراليا الولايات المتحدة من أجل الانسجام مع الصين وتجنّب الصراع. وتقوم منذ سنوات قليلة بإجراء مناورات مشتركة لوحدات عسكرية أميركية وصينية وأسترالية تحت إسم مناورات “كواري”، في المقاطعة الشمالية لأستراليا بغية تقريب وجهات النظر والتعاون بين واشنطن وبكين. واستجابت كانبيرا للضغوط الأميركية من أجل بيع اليورانيوم إلى الهند، أسوة بالصين، علماً أن الهند ليست من الموقّعين على معاهدة منع الانتشار النووي.