النهج السياسي المستورد ألية تدمير.. كيف نواجهه؟ / فؤاد البطاينة
11 نوفمبر 2022، 17:48 مساءً
فهمي أن النهج السياسي للدول هو قواعد اطارية معتمدة بالتقنين أو بالعرف لصياغة وتحقيق أهدافها بأبعادها المختلفة، وتتضمن مرتكزات السياستين الخارجية والداخلية وتكاملهما، وبالتالي التأسيس لوجهة بقية النهوج في الدول وعلى رأسها الإقتصادية والإدارية والإجتماعية ضمن البيئة الثقافية. فهو مصطلح مرتبط أو مُترجم بالنظم السياسية المختلفة التي تحدد طبيعة الحكم في الدول. ومن بداهة القول أن الدول الحرة كلها تبني نهجها السياسي بصرف النظر عن طبيعته، أما غير الحرة فهي تنفذ نهجاً سياسياً مُستورداً.
وإذا تحدثنا بالخطوط العريضة للنظم السياسية التي يرتبط بها النهج السياسي وطبيعته، فهناك دول ذات نظم ديمقراطية سواء كانت رئاسية أو برلمانية في جمهوريات أو ملكيات دستورية أو فدراليات واتحادات. وهذه كلها تبني نهجها السياسي على قاعدة الشعب مصدر السلطة ومانحها ومنتزعها وفوق الدستور. فهي بالضرورة أنظمة حرة ووطنية ولسنا بصددها هنا. وهناك دول دكتاتوريات وطنية، ودكتاتوريات غير وطنية ولا حرة.
أما الدكتاتوريات الوطنيه أو الحرة فهي مع استبدادها بالسلطة، فإن الدكتاتور شخصاً كان أو حزباً أو عائلة هو من يصنع نهجها السياسي من منظوره، وينطوي نهجه على الحفاظ على سيادة القرار الوطني والمصالح الوطنية. ولا تخضع هذه الدكتاتوريات عادة أو تقع تحت تأثير دول أجنبية. وتكفل وجودها وبقاءها بتقييد الحريات أو البطش المُفرط بمناوئيها. وباختصار فهي تفتقد للعقل الجمعي والقبول الشعبي وتقدم الحفاظ على سلطتها على الدولة نفسها، وآيلة للفشل ما لم تصبح كالأسد في الغابة. ولسنا بصددها هنا أيضاً طالما أنها تضع نهجها السياسي بنفسها.
ad
أما الدكتاتوريات غير الوطنية فهي التي ترتبط بعنوان المقال. وهي شكل من أشكال الحكم تطور أو لنقل مستوحى من الإستعمار الإمبراطوري القديم، حيث كان الإمبراطور يُعين حكاماً محليين على مساحة الامبراطورية المترامية الأطرف لضبط الأمن وجمع الضرائب ويسمَون ملوكاً. وكان هذا شائعاً في منطقتنا العربية. وأصبح اليوم شكلاً من أشكال الاستعمار المغلف محلياً وشائعاً أيضاً في منطقتنا العربية ويمكن تسميته بالإستعمار الجديد.
الأنظمة في هذا الدكتاتوريات غير الوطنية صورية السيادة وتخضع لإرادة أجنبية استعمارية وتأخذ شرعيتها الواقعية في الحكم أو البقاء فيه منها وبواسطتها تحمي نفسها. فهي لا تصنع نهجاً سياسيا وطنياً لنفسها، بل تنفذ نهجاً سياسياً يضعه لها المستعمر،بمعنى أنها لا تمتلك سياسة خارجيه ولذلك تبدوا سياساتها هلامية ينتابها الغموض وقراراتها في السياستين الخارجية والداخية تخضع للرؤية التي تفي بأغراض المستعمر. ومثل هذه الدكتاتوريات تفتك بالمصالح الوطنية بكل أشكالها وبقضايا شعوبها لصالح متطلبات الدولة الأجنبية المستفيدة على خلفية عمالة، أو ضمان سلطتها ومكتسباتها المفتوحة.
يتراءى أمامنا من هذا الطرح بأن الشعوب في الدكتاتوريات غير الوطنية ودولها، هم ضحية مباشرة للنهج السياسي المستورد والمسؤول عن سيرورة تدميرها، وهذا صحيح، إلّا أن وجود هذا النهج وبقاءه، مرتبط مباشرة بوجود وبقاء طبيعة الحكم وليس بوجود الدكتاتور أو بشكل النظام. فالدكتاتور عامل متغير بإرادة المستعمر أو بتنفيذه لنهجه أو بمدة صلاحيته أو حتى بانقلاب أو ثورة شعبية عليه، بينما النهج السياسي عامل ثابت طالما بقيت طبيعة الحكم قائمة وليس أداة الحكم. فالتخلص من النهج السياسي المستورد وبناء النهج الوطني البديل هما حزمة واحدة لا تتحقق إلّا على أنقاض طبيعة الحكم، ولا تصمد وتُثمر إلا إذا كانت الوسيلة واعية على لحظة التغيير وكان البديل السياسي الوطني المرحلي جاهزاً.
ومن هنا، لا يوجد شي إسمه إصلاح سياسي أو تحديث سياسي ولا أحزاب سياسية تحقق الفكرة الحزبية ولا إيقاف للتدهور مع وجود النهج السياسي المستورد والمرتبط بطبيعة الحكم. فأنظمته غير قادرة على ذلك ولا هو من مصلحتها. والعلاقة بين هذه الأنظمة وشعوبها لا يمكن أن تكون غير علاقة صراع قوامها السلطة والمصالح المتناقضة. ومع كل ضغط شعبي للإصلاح يقابلها تولد قناعة لدى النظام بحاجته لتعميق وتوثيق نهجه وإحكام قبضته، ويحقق هذا بعمليات الإصلاح.
لذلك فكل مشاركة لجهة محلية في تمثيليات الإصلاح أو بمخرجاتها أو بمنظومتها السياسية هو عمل يتجاوز العبثية والصفاقة السياسية والتهرب من المسؤولية إلى المتاجرة بالوطن باسم الوطنية. فلا بد من إسقاط النهج المستورد أولاً، وإسقاطه لا يكون باسقاط الدكتاتور، بل بإسقاط طبيعة حكم الدكتاتور الإستعمارية. وهذا هو التحدي ومهمة الشعوب التي لا تتحقق إلّا بتوفر مرجعيات سياسية وطنية شعبية وواعية ذات برنامج سياسي استشرافي، تعبئ شعوبها بالوعي وتقف معها بانتفاضات وثورات سلمية على الحالة الاستعمارية بالوكالة.