لا تهدأ نعرات العرب. فهي لم تهدأ منذ أقدم ما يذكره من كَتَبَ تاريخ العرب. و لن تهدأ. قحطان و عدنان. المناذرة و الغساسنة. كانوا المقدمة للتدحرج العربي المبني علي من هو الأشرف و الأقوى و الأثير بالحكم و الجاه و المال. و لا تختلف نعرات العرب عن غير العرب إلا من حيث المكان. كل البشر يحتفظون برصيدٍ من النعرات لم و لن ينقص لأن من طبيعتهم التفاخر بما يجعلهم متميزين. و يحدوهم التفاخر للتنافس ثم المشاحنة والتشاجر وإلى القتال. نحن عرباً، مثلنا مثل باقي البشر؛ و فينا جاهليةٌ و عصبيةٌ.
الحكام تعالج النعرات بالقوانين بدءً بالدساتير و إلى التحاكم أمام القاضي. نجحت دولٌ كثيرةٌ أن تتفادى النعرات باستخدام مزيجٍ من القانون و التعليم و التربية و التسامح. المزيج لا يداوي النعرات بل يعالج مبدأ إثارتها و تبعاتها. من يريد أن يثير فتنة يجد نفسه مقيداً بأخلاقيات مجتمعٍ لا يؤيده بالكامل و دولةٍ ستسمح له بإبداء رأيه بحدود و إن تجاوزها فيخضع للقانون ليرتدع. لكن هذا لا يمحو النعرات بل يهذبها لكي لا تتطور. و هي رغم أنوف الدول تتفاقم بين المتنافرين بالنعرات فتشتعل ثم تذوي جمراً تحت الرماد.
ad
يجمع المفكرون أن أصل النعرات هو التنافس علي القيادة والرياسة. أو أن أصلها هو من سيقود السياسة. و ليس فقط سياسة حارة أو بلد أو امبراطورية و لكن حتى سياسة عملٍ صغير أو متعة. سيتصارع البشر علي الرياسة و سيسمون الصراح طموح و تنافس والرياسة ريادة. و لكن الواعز للطموح والتنافس ورغبة الريادة هو الإيمان بوجود أفضلية علي الغير. تفهم الأفضلية أن تكون علماً و ما يساويه من كفاءة، لكنها في كثيرٍ بل في أغلب الأحوال ليست إلا لون البشرة و إسم العائلة و يتبعهما انتماءٌ مُكتسبٌ لدينٍ و طائفة و تفرعات الانتماء الثانوية التي تتكرسُ عند الشخص كمحدداتٍ لمن هو و كيف يتصرف في المجتمع. و في أحيان لا يحوز العلم إلا من كان له إسمٌ رنان فيكتسح غيره بكفاءةٍ حاز عليها و أساسها نعرة. و هكذا مع التراكم تنفلت أمور الأمم و تتحاكم فيها الناس للمقت و الخلاف و ربما القتال. التاريخ و الحاضر و المستقبل يشهد.
أشكالُ النعرات لا تختلف بين الشعوب و لن يكون العرب الاستثناء علي الإطلاق إلا في أنهم مأمورين من الله بأن يتخلوا عن النعرات وأن يتمسكوا بالتقوى – إن أكرمكم عند الله أتقاكم. و هم لا يفعلون. بل هم دأبوا يتبعون سياسة التنبيذ حتى بعد دخولهم الإسلام بإضفاء دلالات استصغار و استهانة لبعضهم البعض إمعاناً في تقويةِ النعرات. تاريخنا الذي لا نتعلمه و لكنا نقرأه يعج بقصص التضاد الذي وصل لأبشع أشكال القتل و المبني علي النعرات و أنانية الأفضلية. و اليوم لو ذهبت من أقصى المغرب العربي لأقصى الشرق لوجدت انتقاصاتٍ لا تعد و لا تحصى يلوكها المجتمع. و ليس عجيباً أن يسود في المجتمع التناحر ثم ترى فيه اتحاداً ضد مجتمع مغاير تصديقاً للقول العربي أنه مع أخيه ضد ابن عمه و مع ابن عمه ضد الغريب.
أن تعيش في بيئة التناعر و التنابذ ليس سهلاً. و من لا يرد يهاجر ليجد أن النعرات تسبقه. تتركها للقانون و الحكمة و التسامح أو تتحداها هو اختيارٌ فردي، فاختر ما يريحك لكن لا تتوقع أن تختفي النعرات، و العربية منها هي داءٌ لا دواء له.