تفسير اخر لإثارة قضية لوكربي.. / د. سعد ناجي جواد
بادرنا الاخ العزيز الاستاذ عبد الباري عطوان بمقال جميل كعادته شرح لنا وجهة نظره المنطقية وتفسيره لمسألة اعادة اثارة قضية طائرة (بان ام) الامريكية التي انفجرت فوق مدينة لوكربي في اسكتلندا في مثل هذا الشهر سنة 1988، اي قبل 34 عاما. وسأحاول ان اقدم تفسيرا اضافيا واربطه بإثارة قضية اخرى لكي اشرح، من وجهة نظري المتواضعة، اسباب اثارة المسالتين. والمسالة الثانية، والتي تمت اثارتها مؤخرا ايضا هي قضية اغتيال الرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي في نوفمبر/ تشرين الثاني عام 1963، اي قبل اكثر من 59 عاما. ويبدو من توقيت اثارة المسالتين ان لدى الولايات المتحدة اغراضا اخرى.
بالنسبة للمسالة الاولى، بعد ان تم (تهريب او اختطاف) السيد محمد سعود ابو عجيلة (المسؤول السابق في المخابرات الليبية) من سجنه في ليبيا الذي كان يقبع فيه منذ سنين، الى الولايات المتحدة، حيث ادعت الاخيرة انها وجدت ادلة على (مشاركة ابو عجيلة في صنع القنبلة التي زُرِعت في الطائرة الامريكية وتسليمها (للجاني) المرحوم عبد الباسط المقراحي)، والذي ظل يدفع ببراءته حتى وهو على فراش الموت، هذه القضية التي استخدمت لكي (يتم ابتزاز) ليبيا بمبلغ 2.7 مليار دولار كتعويضات لضحايا الطائرة. لكن يبدو ان الولايات المتحدة تريد ان تستثمر قضية طائرة لوكربي استخداما اخر هذه المرة يتماشى مع سياستها في المنطقة. ويجب ان لا نتعجب اذا ما طورت الولايات المتحدة هذه القضية وربطتها بايران او بمنظمات فلسطينية، لان هذا الربط يخدم مصالحها اليوم المتمثلة بحملات العقوبات المتصاعدة التي تفرضها على ايران وحركات المقاومة الفلسطينية. (على اساس ان ايران قامت بذلك انتقاما لإسقاط البحرية الامريكية لطائرة مدنية ايرانية فوق الخليج تموز/يوليو 1988).
اما بالنسبة لجريمة اغتيال الرئيس الامريكي الاسبق جون كنيدي فان هناك امور لابد وان تسترعي الانتباه وتثير تساؤلات. السؤال الاول لماذا قررت الادارة الامريكية رفع السرية عن اغلب الوثائق المتعلقة بقضية اغتيال الرئيس كيندي بعد هذه المدة الطويلة من الزمن؟ فالوثائق عادة ما تفتح بعد ثلاثين او خمسين عاما، ورغم مرور هذه السنين لم نسمع من الادارة الامريكية اي اشارة عن الرغبة في رفع السرية عن تلك الوثائق، (بالمناسبة فان اغلب الوثائق المتعلقة باغتصاب فلسطين لم يتم رفع السرية عنها وكذلك الوثائق المتعلقة بمقتل الملك غازي الملك الثاني للعراق في عام 1939 وغيرها كثير). السؤال الثاني هو لماذا تم رفع السرية، مع التأكيد على المعلومات التي تربط قاتل كنيدي (اوزوالد) بالمخابرات السوفيتية (كي بي جي)، والتركيز على هذه النقطة بالذات؟ هل لان الولايات المتحدة تريد ربط قضية الاغتيال بالاتحاد السوفيتي السابق، وبالتبعية بروسيا وبالجهاز الذي كان بوتين احد اعمدته، وفي هذا الوقت بالذات الذي يحتد فيه الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا حول اوكرانيا. علما بانه منذ ان اغتيل الرئيس كيندي، ظلت اصابع الاتهام توجه للأجهزة الامنية الامريكية نفسها، واصابع اخرى وجهت للإدارة الامريكية، وخاصة الرئيس جونسون الذي خلفه. وهناك من اتهم الموساد (بصورة غير مباشرة) بسبب موقف كيندي الرافض لامتلاك اسرائيل للقنبلة النووية واصر على ان تكون تجارب اسرائيل في هذا المجال تحت المراقبة المشددة. هذا الرفض الذي اختفى بعد مقتله!
قد يقول قائل ان هذا التحليل مبالغ فيه، او قد يكون خيالي. ومع احترامي لمثل هذه الآراء فان تاريخ الولايات المتحدة مليء بحوادث من هذا النوع تم فيها تغيير اتجاه اصابع الاتهام من جهة الى اخرى. وفعلت مع العراق امرا مشابها. فعندما حدثت فاجعة ضرب مدينة حليجة بالسلاح الكيمياوي عام 1988، اتهمت الولايات المتحدة ايران بقصف المدينة المنكوبة بنوع معين من السلاح الكيمياوي قالت انه لم يكن متوفرا الا لديها، كما وصل الامر الى اتهام احد حلفاء طهران من الاحزاب الكردية بالتواطؤ في العملية. ولكن وبعد ان اتخذ نظام البعث القرار الكارثي المتضمن اجتياح الكويت عام 1990، وبدأت الاستعداد لضرب العراق، قُلِبت كل التصريحات السابقة وجرى اتهام العراق بتلك الجريمة وحُمِّل العراق اوزارها التي ما يزال يعاني منها لحد الان. والتصريحات كلها منشورة ومتوفرة. اما فيما يخص قلب الحقائق بخصوص جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين، وتبريرها على اساس انها دفاعا عن النفس فحدث ولا حرج. وكما هو معلوم فان الولايات المتحدة والغرب يمتلكون من الاجهزة الاعلامية التي تستطيع ان تمرر وتدعم اي ادعاءات حتى وان كانت غير صحيحة.