canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
كتاب عربموضوعات رئيسية

من زئير اللاءات الرافضة إلى تأوهات “النَّعَمَات” المهرولة/ دكتور محيي الدين عميمور

كنت أشرت في حديثي السابق إلى الزيارة التي قام بها الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد إلى قطاع غزة في منتصف الستينيات، وما حدث فيها من سوء فهم ونقص تفهم، وهو ما لم يكن بعيدا عما حدث في زيارة الرئيس التونسي الحبيب بو رقيبة للأراضي الفلسطينية في مارس 1965 بالتزامن مع زيارة لمصر.

 وألقى الرئيس التونسي في أريحا خطابا كان تجسيدا مزدوجا لشخصية الرئيس التونسي ولمساره الوطني، كسياسي بارع وشخصية كاريزمية متميزة، قيل يوما عنه، ما لم أستطع التأكد منه شخصيا، أنه يرى نفسه أكبر من المنصب الذي يتولاه.

وربما كان من خلفيات ما حدث في أريحا مما يرتبط بمصر هو ما حدث له في منطقة السلوم عند دخوله إلى مصر برّا للمرة الأولى.

ففي الساعات الأخيرة من ليلة الخامس والعشرين من أبريل 1945، ألقى حرس الحدود المصري القبض على رجلين داخل خيمة منصوبة قرب واحة وسط الصحراء الفاصلة بين مصر وليبيا، واقتادوهما مخفورين بالحديد نحو مركز “الضبعة” الحدودي.

وحين سألهما مأمور المركز: “لماذا دخلتما البلاد بلا جوازات؟”، صاح أحدهما بجسارة غير مألوفة في مثل هذه المواقف: “جواز سفر؟ ألا تعرفني؟ أنا الحبيب بورقيبة”.

نفى الضابط معرفته به، فزاد حنق بورقيبة: “يا رجل، ألم تسمع عن نضالي ودخولي السجن وخروجي من السجن وعن جهادي ضد فرنسا… يا رجل أنا في تونس مثل سعد زغلول في مصر”.

وفشلت كل محاولات بورقيبة في شرح القضية الوطنية التونسية للمأمور، بل فشل في أن ينتزع منه اعترافاً بوجود تونس على الخريطة.

وينقل محمد حسنين هيكل عن بورقيبة قوله :”استدرت أخرج غاضباً يائساً… لكن ضابط الحدود قال لي: تعال هنا… كيف دخلت الحدود من غير جواز سفر؟ فقلت: لقد جئت هارباً، فمن أين لي أن أحصل على جواز سفر؟ فأجاب ببرود شديد: إذن لا بد من ترحيلك إلى سلاح الحدود ليحققوا معك!”.

فما كان من بورقيبة إلا أن ضرب كفاً بكف مردداً: “وأنا الذي كنت أنتظر أن تستقبلني الجماهير في مصر بالورد والموسيقى.”

سمعت تلك القصة من الرئيس التونسي شخصيا في زيارة قمت بها إلى تونس في بداية السبعينيات مرافقا الرئيس الجزائري هواري بو مدين، ولم تمحُ السنوات التي مرت منذ الأربعينيات تلك الواقعة من ذاكرة الرئيس التونسي، ولعلها برزت بشكل أكثر حدة خلال الزيارة التي قام بها إلى فلسطين في منتصف الستينيات، وهو يلاحظ الهتافات الهائلة بحياة الرئيس المصري جمال عبد الناصر، والذي تزايد نفوره منه عندما تذكر هتاف صديقه الرئيس الجزائري أحمد بن بله في تونس صارخا بثلاثية لم ينسها الرئيس التونسي : نحن عرب، نحن عرب، نحن عرب.

كان الرئيس التونسي قد  دخل العمل السياسي عام 1933 من بوابة الحزب الحرّ الدستوري التونسي الذي كان يقوده “عبد العزيز الثعالبي”، لكنه سرعان ما تركه وأسس مع آخرين الحزب الحر الدستوري الجديد في 2 مارس 1934، واعتقل مرات عديدة من طرف سلطات الاستعمار الفرنسي بسبب نضاله من أجل التحرر، وفي أعقاب خروج الاحتلال الألماني من تونس في مايو 1943، وعودتها تحت سيطرة الإدارة الاستعمارية الفرنسية، بدأ الفرنسيون بتنفيذ حملة انتقامية قادها الجنرال “شارل ماست”، المقيم العام الفرنسي في تونس، ضد الحركة الوطنية التونسية، بدعوى أن التونسيين كانوا في صف قوات المحور.

وشملت الحملة أمير البلاد الوطني ‘المنصف باي’، الذي عُزل من منصبه، وكذلك رموز حزب الدستور، ومن بينهم الحبيب بورقيبة الذي وُضع تحت المراقبة ومُنع من مغادرة العاصمة، على الرغم من أنه والحركة الوطنية التونسية رفضا الاصطفاف وراء الألمان خلال الحرب.

في ظروف المنع هذه، والتي استمرت حوالي سنتين، بدأت تتصاعد في العالم انتفاضات الاستقلال الوطني، خاصة بعد بروز الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قوة دولية توازي أو تفوق قوى الاستعمار التقليدية، بريطانيا وفرنسا.

وبدأ بورقيبة التفكير في التوجه شرقاً نحو القاهرة، لاستحالة العمل السياسي من داخل البلاد.

كانت الشرطة السرّية الاستعمارية تطبّق حصاراً أمنياً صارماً على بورقيبة ورفاقه، إذ كان التنقل داخل العاصمة صعباً، أما التحرك نحو مدن أخرى فشبه مستحيل، واضطر بورقيبة للعودة إلى مهنة المحاماة والتذرّع بها لفض الطوق الأمني المفروض عليه، وقد نجح بذلك في تضليل عناصر المراقبة بعد أن تعلل بقضية يترافع فيها في مدينة “صفاقس” جنوب البلاد.

ومن سواحل صفاقس بدأت رحلة العبور السري نحو القاهرة، وحمل بورقيبة اسماً مستعاراً هو “علي محفوظ”، ومكث في دار قريبة من ميناء المدينة وفّرها له الزعيم العمالي الحبيب عاشور، والذي سينتهي سجيناً في عهد بورقيبة الرئيس.

ودارت الأيام، واضطرت فرنسا لمنح تونس استقلالا ذاتيا لتتفرغ لتدمير الثورة الجزائرية، وهو ما كان أساس سياسة المراحل التي نادى بها الرئيس التونسي، وكانت في صُلب خطابه أمام الجمهور الفلسطيني، وهو ما لم يدركه كل من تابعوا الخطاب، كما لم يدركوا حجم ما كان يُحسّ به وهو يسمع الهتافات الفلسطينية المتفجرة بحياة عبد الناصر، الزعيم الذي سمع منه يوما، كما يروي محمد حسنين هيكل، أنا لا أفهم، لماذا أنت طويل وأنا قصير.

وعلى ذكر هيكل، يروي الكاتب المصري أن الحبيب بورقيبة، يوم كان يقيم في القاهرة قبل استقلال تونس وتسلمه رئاسة الجمهورية، كانت أحواله المادية صعبة، وأضطر إلى استدانة 10 جنيهات من هيكل، وعندما زار بورقيبة القاهرة رسميا في عهد عبد الناصر شاهد هيكل فقال له أمام الحضور: يا سي هيكل أنا لم انسَ الـ10 جنيهات التي استدنتها منك، وسأعيدها إليك الآن بهذه الهدية.

 وكانت الهدية عبارة عن الأوراق الأصلية التي تضمنت نص خطاب الرئيس بورقيبة بخط يده، وروى هيكل عنها أنها كانت تحمل على هامش نص الخطاب ملاحظات أيضا بخط بورقيبة أمام كل فقرة حول كل حركة أو إشارة ينبغي أن يؤديها عند إلقاء الخطاب، وكانت كالتالي وعلى طريقة الإلقاء المسرحي: ….. هنا يجب أن أحرك يدي اليمنى… هناك يجب أن أحني رأسي قليلا… هنا يجب أن أعبس بعض الشيء… هنا يجب أن أبتسم إلى حد ما… هنا يجب أن ارفع رأسي عاليا.

وعودة إلى الزيارة الفلسطينية، قال بو رقيبة في خطاب أريحا من بين ما قاله: “ما كنا لننجح في تونس خلال بضعة سنوات لولا أننا تخلينا عن سياسة (الكل أو لا شيء) وقبلنا كل خطوة تقربنا من الهدف (..) أما هنا فقد أبى العرب الحل المنقوص ورفضوا التقسيم”.

وأثار خطاب بورقيبة حالة من الغليان في الشارع العربي، وتفاعلت الحكومات ووسائل الإعلام مع غضب الشارع، واعتبر البعض أن دعوته ليست فقط تنازلا أو تراجعا، بل خيانة للإجماع العربي وتخليا عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، واعترافا ضمنيا بالكيان الصهيوني الغاصب.

وهنا أقول لمن يأخذون على أخيكم تناوله للماضي بأن نسيان ذلك الماضي هو خيانة للمستقبل، فما لا يعرفه كثيرون هو أن أول من تفاعل إيجابيا مع قرار التقسيم الذي أصدرته الجمعية العامة للأمم المتحدة في نوفمبر عام 1947 كان الرئيس عبد الناصر نفسه، لكن موقفه كان يختلف عمّا نادى به الرئيس التونسي، حيث كان مناورة رآها كثيرون بالغة الذكاء.

كان ذلك على مشارف انعقاد مؤتمر “باندونغ” في أواسط الخمسينيات، عندما أحس الرئيس المصري بخطورة الدعوات التي كان وراءها “يونو” رئيس بورما (ميانمار حاليا) وتردد أن رئيس وزراء الهند “شو إن لاي” قد لا يرفضها، وكان مضمونها أن إسرائيل هي دولة آسيوية متوسطية، والمنطق يفرض دعوتها إلى المؤتمر الذي يمثل الإرادة الإفريقية الآسيوية.

وكان معني مشاركة تل أبيب في المؤتمر دخولها إلى الفضاء الإفريقي الآسيوي من الباب العريض، واعتبارها، وهي الكيان الغاصب المغتصب، جزءا من الدول التي تنادي بالتحرر الوطني وتحاول التخلص من بقايا الاستعمار.

كان ذلك صدمة للرئيس المصري والقادة العرب المشاركين، والذي كان من بينهم الملك (الأمير آنذاك) فيصل بن سعود والرئيس إسماعيل الأزهري، وممثلو جبهة التحرير الوطني الجزائرية، وكان لا بد من مناورة ذكية ابتدعها وزير الخارجية المصري آنذاك محمود فوزي، ومضمونها بأنه لا مانع من دعوة إسرائيل للمشاركة في المؤتمر إذا أعلنت قبولها لقرار التقسيم والتزامها بالحدود الجغرافية التي يعتمدها ذلك القرار، ولو تم هذا فإنه كان سيعطي دولتين كاملتي السيادة، بدلا من سراب الدولة التي تفتقت عن مشروع “فريدمان” وولدت “المبادرة العربية” التي رفضتها إسرائيل وما زال البعض يتغنى بها في ذلّة لم يعرفها التاريخ.

وبدون استهانة بموقف بو رقيبة وخلفياته ودوافعه فقد كان رفض العرب لقرار التقسيم موقفا وطنيا تاريخيا، لكن الخطأ الأكبر في نظري كان قرار دخول القوات العربية الهزيلة إلى معركة مرتجلة، أجْهِضت بهدنةٍ دعمت الجانب الصهيوني (وبدون الدخول في تفاصيل لا تشرف كثيرا).

ولقد كان المفروض أن تُواجه قوات “الأشكيناز” بالمجاهدين الفلسطينيين تحت قيادة فوزي القاوقجي وعبد القادر الحسيني وحسن سلامة وأحمد عبد العزيز، وبمساهمة شباب الإخوان المسلمين والمتطوعين من الضباط والجنود المصريين الذين قبلوا عطلة بدون مرتب، بجانب المتطوعين العرب وخصوصا من المغرب العربي، ثم دعم قوات الفدائيين بكل الإمكانيات المتوفرة لتواصل حرب عصاباتٍ شرسة بعيدا عن أي طابع رسمي، ويُعلن عن قيام الدولة الفلسطينية في نفس يوم إعلان قيام دولة إسرائيل، أي في 15 مايو 1948، ويتم الاعتراف العربي الفوري بها، ثم تجري دعوة الدول الصديقة إلى تأكيد نواياها الطيبة تجاه الوطن العربي بقبول الدولة الوليدة في حظيرة الأمم المتحدة، وهنا كان يمكن أن تتغير الأوضاع.

ولقد كان الغرور الصهيوني والأطماع التوسعية الإسرائيلية وراء رفض إسرائيل المتشنج للاعتراف المتبادل، وهكذا وقعت في فخ “محمود فوزي”، مما أدى إلى سقوط فكرة دعوتها إلى “باندونغ” وإلى العزلة الإفريقية الآسيوية التي عاشتها إلى أن عرفت المنطقة زيارة أهم رؤسائها للقدس المحتلة في 1977، وكان ما كان.

وشيئا فشيئا تحولت لاءات الخرطوم الثلاثة إلى …ثلاث “نَعمَات” متحمسة مهرولة.

هل يفهم الأشقاء اليوم لماذا أسقطت من حسابي خرافة “المبادرة العربية” وحلِّ الدولتين، ورجعتُ لفكرة الدولة الواحدة متعددة الديانات والمذاهب، لأنني أراها نهاية دولة الفصل العنصري اليهودي.

والبركة في الأرحام العربية.

كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى