رسالة الى السلام… يا أيها الزمان أفتنا في سنوات خداعات وجراح نازفات !/ خالد شحام
20 مارس 2023، 19:41 مساءً
طوال فترة هذا الصباح الماطر وفي طريقي وقبل أن أكتب أية كلمة وأنا أتفكر بعيدا وقريبا ببعض العبارات والمصطلحات المغرية التي لم أنم بسببها وهي تداعب مشاعري ! كلمات وعبارات تطوف مخيلتي مع إلحاح المطر في طرق زجاج السيارة ( التهدأة – تعزيز الأمن والسلام للفلسطينين والاسرائيليين -عدم المساس بالوضعية التاريخية للمقدسات – تعاطي الفلسطينيين والاسرائيليين عبر الحوار – تحريك عملية السلام – استحداث آلية للحد والتصدي للتحريض على العنف -عدم استغلال المشاعر الدينية في رمضان لدفع العنف – تعزيز الثقة المتبادلة ) .
لو سألنا اللغة العربية عن أبغض حلال الكلام إليها لقالت لكم بأنه في مثل هذه المواضع ، ونضم صوتنا إلى ضمير اللغة العربية لنقول بأننا في المستقبل غير البعيد ربما سنضطر إلى افتتاح متحف خاص بفنون الانبطاح وفقه العبودية والفنون التشكيلية اللغوية والسلوكية المخصصة لخدمة الزمن الاسرائيلي .
تم بالأمس اختتام الاجتماع الخماسي في شرم الشيخ والذي يحمل في شعاراته العبارات المذكورة والتي تمثل التوصيات المعتادة كما هي العادة و بالأمس أيضا كررت القالب الخاص بها فأدانت الفصائل الفلسطينية مشاركة رجال السلطة في الاجتماع وطالبت بوقف التنسيق الأمني وطالبت بوقف الانقسام وهي نفس العبارات المشروخة كل مرة ، وكما تلاحظون فإن مصطلح ( تحريك ) يؤكد بأننا أمام مركبة عتيقة متعطلة فاقدة للصلاحية لا يوجد فيه وقود ولا قائد لها ولا تعرف أصلا أين تذهب ولا لمن تذهب ! لا يوجد اي داع لكي اعيد عليكم مخرجات هذه القمة المصغرة لأنها معروفة جيدا لديكم وسترون قريبا هذه المخرجات في الواقع عيانا جهارا ولا داعي لان نراجع سويا النصوص التلمودية التي خرج بها الاجتماع ولكن كما هي العادة سنجد أن التوصيات وصياغتها تمت كتابتها على يد شاؤول لكي يغازل شـاؤوم ويصفق لها شموئيل.
حقيقة الآمر أن كل المجتمعين كان ينقصهم الطرف الحقيقي لبحث السلام الحقيقي وبهذا النقص كان الاجتماع مجرد خطة بديلة للخطة السابقة التي فشلت كليا في كسر شوكة المقاومة في مدن فلسطين، ، اذا كان هؤلاء يريدون فعلا بحث السلام فيجب أولا أن يلتقوا مع (السلام ) الذي صنعوه لنا طيلة هذه السنوات المرَّة ، سلامهم المؤلف من خيام المشردين وقافلة طويلة جدا من الضحايا والاسرى والمعتقلين والوف البيوت المدمرة والاشجار المقلوعة والاطفال المحترقين ومئات من المجازر وعمليات الابادة العرقية ، سلامهم المصنوع من الدماء والأغلال والسرقات والاغتصاب والمذابح ، هذا هو سلامهم وهذا هو ما يريدون التفاوض حوله وفعل المزيد منه دون قيد ولا شرط .
ad
من يتتبع مسار الأحداث والملابسات التي تحاك في القطعة العربية لا يمكنه إلا أن يرى لعبة السلم والحَيَّة على نطاق واسع ، أطراف تصعد وأطراف تنزل واخرى تتقدم ومن بعد تتأخر وهكذا دون توقف ، قد يبدو للوهلة الأولى لمن يراقب مسيرة وتفاعلات الأحداث بأن هنالك قرارات وقيادات وخطط وما شابه ولكن في جوهر الحقيقة لقد وصل العالم العربي وربما العالم بأسره إلى نقطة اختفت فيها القيادات الحقيقية وتلاشت القرارات الذاتية في الممالك الأمريكية بالتحديد ، لقد اصبح العالم فعلا قرية صغيرة تتلقى تعليماتها من الماستر الرقمي والنظام العالمي الجديد الدي يحتفل بعيد ميلاده الثالث بعد غزوة كورونا الخالدة ، لقد ولى زمان الرجال على مستوى العالم وحضر زمان القادة من فئة ( الصفر – واحد ) وتحولت ممالك العبيد إلى حالة شائعة وكبيرة وصارت الحرية الشيء الوحيد الخارج عن نطاق التشابه ، لقد أصبح من العسير جدا أن تعثر على بقعة جغرافية قادرة أن تصدر صوتا حرا متفردا معاكسا للنهج الاستعبادي الأمريكي .
في داخل المدن الفلسطينية ومع عمليات القتل الدموية التي يقترفها الصهاينة ثمة خيوط فضائية حرة تذهب بعيدا لتحقق فكرة الربط بين كل صيغ الأحداث التي تجري في هذا العالم وتربطها ببعضها البعض لتحقق محاولة في فهم ما يتم التحضير له ، ليس بعيدا أبدا عما يجري في فلسطين وعن اجتماعات ( السلام ) هذه ما يجري مع ايران ولا الاتفاقية السعودية ولا الحرب الروسية -الأوكرانية ولا إطلالة الصين في أثير العرب والخطط الكبرى المقررة للصين ، ولا حتى انهيارات البنوك الأمريكية ولا ما يحدث داخل ولايات المعصية ذاتها ، كلها خيوط مترابطة تسوقها عوامل متشابكة مشتركة جدا .
أول ما يجب حضوره في الذهن هو أن روح سايكس -بيكو لمن يدرك معناها لا تزال حية خالدة بعد كل هذه السنوات وهي الأصل وما عداها تفاصيل ، أكاد لا أصدق قوة الوحدة في روح سايكس – بيكو وقدرة القرار الموحد على الانتشار فيها بسرعة النار في الهشيم دون عقبات ولا حواجز ولا عوائق ولا تأخير ، شيء لا يصدق قوة الأوامر الأمريكية الاستعمارية التي تحرك في التوقيت الذي يتواءم مع تكريس الضعف واستمرار حالة الهزال ، إنها روح واحدة خَلقت جوهر الفرقة والتفكك والتشرذم وحولتها إلى عقيدة مقدسة لها سور وقاية أعلى من سور الصين العظيم وكل المظاهر المخادعة التي توحي بالاستقلال والعروبة والاسلام ثبت أنها مجرد ديكورات تنكرية لأعداء الأمة ومطلوب وجودها لتكريس التمثيلية على الشعوب الساذجة المسحوقة ، هذه الروح ذاتها هي التي تفشل كل محاولة ناجحة للارتقاء وتجهض كل محاولة حياة للعرب من بين الشعوب .
روح سايكس بيكو العجيبة المتجددة هي التي حفظت شكل ووجود وعهد الولاء للاستعمار الذي ظننا ظنا خاطئا بأنه هاجر دون رجعة ، هي ذاتها التي قتلت قائدا مثل جمال عبد الناصر رحمه الله ذات يوم لأنه أدرك حقيقتها ،هي ذاتها التي شكلت حزب حفر الباطن وحاصرت بغداد وقتلت صدام حسين رحمه الله وهي ذاتها التي ساهمت في إذلال الشعوب العربية ثمنا لأحداث الحادي عشر من سبتمبر وهي ذاتها التي أعلنت الحرب على العراق وسوريا واليمن ولبنان وليبيا وهي ذاتها التي تحاصر غزة وعقدت عليها حروبا لا إنسانية ، هي ذاتها التي تأمر بعضهم بزيارة قبر بن غوريون أو المشي في مسيرة لصحيفة تشارلي ايبدو أو الامتثال للتعزية بوفاة بيريس ، هي ذاتها التي تعيد اليوم كل الشعوب العربية إلى قفص العبودية الأزلي لبني اسرائيل كتكملة لحلم اسرائيل الكبرى وتكملة للقضاء التام على ثورة الربيع العربي التي كانت حلما جميلا وأدوه بسرعة وجلبوا مكانه أحلام بني اسرائيل .
في عالم السياسة الذي نعايشه يوجد نوعان أساسيان من الأحداث والمظاهر ، واحد اصيل وآخر مزيف أو مقلد أو غير أصيل ، في الحدث الحقيقي والأصيل نجد توافقا وانسجاما بين الشيء وخصائصه ، بمعنى أنه من الطبيعي أن يتصرف العميل كما يكون العميل ويجاهر بذلك صراحة ومن الطبيعي أن يتصرف البطل كما هي حقائق البطولة ومن العادي جدا أن تظهر الخيانة من الخائن بكل وضوح وجرأة ومن الحق أن تأتي الرجولة من الرجال .
في النوع الثاني من الأحداث المزيفة أو المخادعة سنكتشف بسرعة أن هنالك تضادا بين الشيء ومخرجاته ، بمعنى أنه من غير المتراكب أن تظهر البطولة من الجبان ومن غير المعقول ان يتصرف العبد بمنزلة السيد ، ومن غير المعقول أن يتصرف الحمار بمكانة الحنكة والذكاء ، يمكننا هنا أن نراقب أحداثا ما تتضمن في داخلها مجريات وأشخاصا ونتائج لكننا نعلم علم اليقين أن هذا الحدث هو مجرد ديكور مخادع وكاذب لأن كل الحاضرين فيه هم مجرد ممثلين عن نائب غائب ولا سلطة لهم ولا قرار ولا قدرة على صناعة شيء على أرض الواقع ، في زماننا المعاصر يمكننا أن نرى بسهولة كيف أن دولا كبيرة مثل الولايات المتحدة أو الصين أو روسيا تتزعم صناعة الأحداث الحقيقية بينما يقوم الوكلاء والتوابع بصناعة الأحداث الايمائية وغير المباشرة ويلعبون في مساحة التمثيل والتقديم بالوكالة ويشمل هذا دولا كثيرة وأشياء وشخصيات ومنظمات وحكومات ومسميات بدءا من أوروبا وآسيا وانتهاءا بدولة الكيان وشمول الدول العربية ، من هذه الزاوية اعزائي ندعوكم لقراءة الأحداث والصور والمخرجات السياسية التي تتبلور أمام أعيننا جميعا ويساء فهمها وتذهب بنا للتفكير بعيدا عن الحقيقة .
معركة الاصطفاف التي نشهد معالمها اليوم في زماننا وتفاصيل آلامنا هي معركة قديمة جدا كانت تتم في الماضي من خلال الايماءات والهمزات والخفايا ولكنها الان تغيرت وصار الوكلاء يجاهرون بالأسياد ، هذه المعركة تم تدشينها منذ حضر الرئيس الأحمر السافل ومساعده الوفي تي ريكس كوشنر ذو الألف مخلب والقادم من العصر الجوراسي بالتلمود ووصاياه العشر .
لا يوجد دخان أسود دون نار ، والنار قادمة لا محالة لمن يرفض تصديق ذلك وهي نار اتحاد قوى الشر بمطلق تسميتها وبغض النظر عن هويتها وجنسيتها ولغتها ضد ملامح المقاومة العربية التي تقض مضاجع بني اسرائيل وتوجيه الضربة القاضية لآمال الشعوب العربية بالحياة الكريمة ، المعاقل الأخيرة واضحة ولم تكن يوما مخبأة وكانت معلنة منذ البداية ولكن ضباب الرؤية والتشكيك كان يغشى عيون الجميع ، المقاومة الفلسطينية واللبنانية على رأس القائمة و هي المستهدف الأول كي تتمكن اسرائيل من فتح العالم العربي على شراعيه بعدما فتحت العواصم و وقفت في باب العزيزية وقفة الفاتحين المنتصرين دون أن يعلم أحد بذلك ، معالم الذل العربي تتبدى اليوم أكثر من أي يوم مضى ولا استثناء لأحد ولا نجــاة لأحد من شر بني اسرائيل في كل بيت عربي ولا عاصم من العبودية إلا هؤلاء الذين يستشهدون في جنين وحوارة وكل مدن النار التي تستعصي عليهم .
الاتفاق الصيني – السعودي – الايراني الذي شهدناه للتو يصعب التصور بأن اليد الأمريكية بمنأى عنه أو ربما هي التي دفعت بهندسته وربما هي التي تطلع عليه من الجوف الخفي وقذفت به ليكون ويخرج الى الملأ بهذه الصورة المتراكبة بشكل عجيب ، السبب في ذلك لا يتعدى بكل بساطة منطق الفكرة السابقة ، وإن كان من الامر كذلك فهو الإجراء الذكي الوحيد لحركة الحصان حيال القلعة التي تأكل أفقيا وعموديا لاستدراك حرب أو اشتباك مع ايران لا يقع في وقته ولا في جدول العمل الأمريكي المرحلي ، لقد كان لزاما إشعال النار في البيت العربي لإدانة ايران وجرها إلى كرسي الإتهام تماما كما تم جر العراق ذات يوم ، ولذلك فإن هذا الاتفاق يمكنه أن يوفر ويحقق قسطا كبيرا من الأهداف الأمريكية بطريقة الاحتواء والإغراء ، وإن صدق كل هذا وأتمنى ألا يصدق فهو يعني بأننا أمام توقع من المقياس الكبير بأن هنالك صفقة تطبيع كبرى يتم التحضير لها كانت في قائمة الانتظار منذ زمن غير قليل ولا يمكن الافتراض إلا بأن خطط الضربات للمقاومة العربية تجري على قدم وساق .
وختاما في رسالة إلى السلام ، يا أيها السلام الاسرائيلي كم يلزمك من الضحايا الفلسطينين والعرب كيف تقبل ( بالتهدأة ) ؟ كم يلزمك من الاجتماعات والمؤتمرات كي تقبل بنا أو تعتبرنا من البشر ؟ هل ستقبل ( بالحوار ) في الجلسة السابعة والسبعون بعد المليون ؟ يا أيها السلام الاسرائيلي هل من أمل أن تقبل بنا أو يرق قلبك على الأطفال الذين فتتهم قاصفة الأف 35 أو المحترقين بالفوسفور الابيض ؟ هل يرق قلبك على سلمى أو فاطمة أو هدى التي تحتجز أباها مند خمسين سنة أو تعتقل خطيبها مند عاهدها على الحب المقدس في حقل الزيتون الذي ورثته عن جدها الألف؟ يا أيها السلام الاسرائيلي المغمس بالدم العربي الأزلي ألم تشبع وترتوي من هذا الهدر الطويل ؟
يا أيها السلام الفلسطيني أخرج من طاولة القمار واذهب في جوف الليل فتهجد إلى ربك بصاروخك نافلة عسى أن تبعثك المقاومة سفيرا أو تصبك مقاما محمودا ، وقل ربي أخرجني مخرج صدق وأنزلني في يافا منزل صدق واجعل لي من لدنك نصرا عليهم وسعيرا !