هذه الأيام تتدفق التسريبات عن مسار التقارب السوري السعودي، ويبدو ان الرياض اخذت القرار بإعادة وصل العلاقة مع دمشق، في اطار التحضير لعقد قمة عربية تريدها الرياض استثنائية لجهة التوافق العربي بعد عقد ونيف من الفوضى والانقسام والخلافات العربية الدموية.
صحيح ان هذا التقارب ليس وليد الأسابيع القليلة الماضية وقد ظهرت اعراضه قبل ذلك، لكن في الفترة الأخير رفعت الرياض منسوب التواصل وفعلت وسرعت المسار وبدأت باتخاذ خطوات عملية.
على مستوى العلاقات الثنائية يمكن للرياض الوصول الى لحظة استعادة العلاقات مع سورية، كما فعلت الامارات وعدد من الدول العربية. لكن في مضمار عقد القمة وحضور دمشق فان الامر يتطلب تجاوز عقبة ماثلة وهي تمسك دول مثل قطر والكويت والمغرب بموقفها المقاطع لسورية. ويجب من اجل ذلك ان يكون المسار تجاه دمشق مترافقا مع مبادرة ذات طابع عربي للحل السياسي تكون مدخلا لقبول الدول المقاطعة لسورية عودتها الى الجامعة وحذوها حذو الدول التي إعادة وصل العلاقة مع دمشق.
هذا هو بالضبط سبب اطلاق الأردن مبادرة عربية، كشف عنها وزير الخارجية الأردني “ايمن الصفدي” دون الخوض في تفاصيلها، لكنه ربطها بالأمم المتحدة، وتلك إشارة الى انها ستكون في اطار الحل الدولي المنشود في سورية، اي بمعنى اخر ليست تحديا للقوى الغربية والولايات المتحدة التي ما زالت في الموقف العلني معارضة لاي علاقات عربية مع سورية وبذات الوقت ليست وفق الآليات المتبعة خلال السنوات الماضية في جنيف والتي لم تثمر شيئا.
وبالمناسبة هذه المبادرة الأردنية ذات الصبغة العربية ليست جديدة. فقد طرحتها عمان سابقا كأفكار على الرئيس الأسد. اللافت ان تلك الأفكار في حينها ولدت بعد زيارة العاهل الأردني الملك “عبد الله الثاني” للبيت الأبيض في ابريل العام الماضي، وهو ما أوحى بان الأردن حصل على ضوء اخضر امريكي للبحث عن مخرج.
مبدأ “خطوة مقابل خطوة” والتي تقوم عليها المبادرة الأردنية حسب ما قاله “الصفدي” هذا الأسبوع. سمعنا عنه قبل عام كذلك، وهو مبدأ يجعلنا نعتقد ان المبادرة ليست بعيدة عن البيت الأبيض وشركائه الغربيين. او على الأقل لا تمانعها هذه الأطراف ضمنا. ولكن لا يمكن تصور حل سياسي في سورية بغطاء عربي وبرضا دولي اذا كان قائما على الشروط والتصورات التي طُرحت قبل ١١ عاما. لابد لأي مقاربة للحل لكي تنجح ان تراعي حقائق الواقع الراهن في سورية، وما تكشف من اسرار وخبايا تلك الحرب، وموازين القوى في الميدان، وخلاصات تجارب الدول التي عصف بها ما يسمى الربيع العربي، والاهم من كل ذلك ان لا تكون مقاربة تستند الى المصالح والرغبات الامريكية.
من الواضح حتى الان ان دمشق منفتحة إيجابا على مناقشة الأفكار العربية سواء بشكلها الثنائي او وفق مبادرة مشتركة تتحدث عن الحل الشامل، وهذا ما شجع الدول العربية وتحديدا المملكة السعودية على التقدم خطوات، بالإضافة الى ما ذكرناه عن الرغبة السعودية في عقد قمة تاريخية تتوج النهج الجديد للمملكة في مقاربة السياسية الخارجية في الإقليم.
انجاز الرياض اتفاق مصالحة وفتح صفحة جديدة مع طهران اعطى مؤشرا واضحا على تحول في اتجاه السياسيات السعودية. يُجمع المهتمون بقضايا الخليج انه تحول إيجابي وعقلاني يأخذ السعودية بعيدا عن مستنقع الازمات والحروب نحو الاستقرار والتنمية.
من المرجح ان اسباب عدم استعجال الرئيس الأسد مسار عودة العلاقات السورية التركية مرتبط بعاملين الأول بات معروفا وهو الضمانات لانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، وهو مطلب لا يستطيع الرئيس اردوغان الالتزام به لاسباب انتخابية، وانتظار الأسد لنتائج الانتخابات اذ لا يريد ان يكون عاملا مساعدا للرئيس اردوغان في الانتخابات ضد خصومه بدون ثمن، فضلا عن انه لا يريد ابرام اتفاق مع رئيس قد يغادر السلطة بعد شهر. اما العامل الثاني قد يكون رغبة الأسد في تفضيل مسار التقارب السوري العربي أولا قبل الخوض في اتفاق مع تركية، لان دخول الأسد في تفاوض مع انقرة، بغطاء عربي بعد استعادة العلاقات العربية السورية، بالإضافة الى حليفين الروسي والإيراني سيكون افضل دون نقاش من خوض المعترك في الظروف الراهنة.
ما نود قوله بشكل مختصر ان المبادرة الأردنية مرتبطة بالخطوات السعودية، وكلاهما مرتبط بالقمة العربية المقبلة، والدول ذات الموقف الرافض لعودة سورية للجامعة من دون صيغة شاملة للحل. ونتائج ذلك هو ما ستبني عليه الدول الغربية موقفها لاحقا، وليس بالضرورة ان يكون تغير المواقف الدولية والغربية تحديدا تجاه سورية بشكل جماعي، بل ستتفاوت المواقف حسب المصالح والظروف لكل دولة. ولا يبدو من منطلق التحليل ان الأسد يراهن على فوز المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة بقدر ما يراهن على تحسين وضعه التفاوضي مع انقرة للوصول الى اتفاق يعيد الشمال السوري الى باقي الجغرافيا السورية.
الأسابيع المقبلة ستحمل الكثير من الاخبار عن الشأن السوري، ولا نعتقد انها سوف تنحصر بالمسارات التي يجري الحديث عنها الان فقط، ثمة ما هو قادم اكثر اثارة للدهشة، ولا نزعم اننا نعرف تفاصيل حوله، ولكن النار يعرف مكانها من الدخان المنبعث في السماء.