سورية: “خطوة مقابل خطوة” سياسة عربية غير واضحة/ علي الزعتري
30 مارس 2023، 13:09 مساءً
قد لا يمكن لخطة التقارب العربي، و ربما الدولي، مع سوريا و التي تكلم عنها وزير الخارجية الأردني و أسماها “خطوة مقابل خطوة” أن تنجح. هي ليست بالجديدة لأن الوزير تكلم عنها في أشهرٍ ماضيةٍ. هي على ما يبدو قناعةٌ مترسخةٌ أنه يمكن إقناعَ أو إغراءَ أو إغواءَ سوريا بالتقهقر التدريجي عن مواقف وسياسات هي بنظر الخارج ضارةً للمنطقة. و قد كان الوزيرُ صريحاً عندما قالَ أنه ناقشها مع سوريا و مع لبنان مؤخراً و ربما مع غيرهما من الدول. وكذلك مع المبعوث الدولي، و قالَ أيضاً أن سوريا إيجابيةٌ تجاهها، كما تَشَّجَعَ لها وزير الخارجية اللبناني و أيدها.
لماذا أعتقدُ أنها مشروعٌ تفاوضيٌّ غير واضح و قد تفشل؟
بدايةً لأنها تحملُ شرطاً أن يقوم طرفٌ بخطوةٍ ليقومَ الطرفُ الثاني بخطوةٍ. و هذا يستدعي وجود خطواتٍ هي في الواقعِ قراراتٌ سياسية و غيرها مما يُرضي الطرفَ المشترط. والطرفُ المُشْتَرِطُ على ما هو واضح هو الدول العربية، وسوريا هي الطرف الذي سيقبل الشروط مقابلَ تقاربٍ عربيٍّ معها. هل يمكنُ إغفالَ أن هذه المعادلة تحملُ فوقيةً في الطرحِ؟ كما أقرأها، أنتِ يا سوريا تحتاجين العرب و إن وددتِ قربهم فعليك أن تفعلي كذا وكذا كي يقتربوا منك. حسناً، ماذا سيفعلُ العرب مقابلَ تنازلاتِ و خطواتِ سوريا مما ستُقَيِّمُهُ سوريا مُقابلاً عادلاً لتنازلاتها؟ و ما هي هذه التنازلاتُ أساساً؟ و هل لا يحقُ لسوريا أن تطلبَ من العربِ تنازلاتٍ هي الأُخرى؟ كما يقولون، فالحقيقة في التفاصيل وهذه يسكنها إبليسُ اللعين.
نفهمُ أن العربَ لا يريدون إيران في سوريا، و لا التزام سوريا بالمقاومة بأشكالها و يريدون حلولاً سياسيةً للأزمة السورية و يريدون ضبطاً لما وُصِفَ بحماية سوريا لمنتجي ومهربي المخدرات. و ربما كان هناك مطالبَ أُخرى لكن هذه التي ذكرتها هي الأساسية. هل ستقبلُ سوريا هذه المطالب؟ الجوابُ عند السوريين. و الاعتقادُ أن سوريا لن تقبلَ سوى التعاون العربي العربي غير المؤثر على علاقاتها الاستراتيجية. يعني أنها ستسعى مع من يريد من العرب لعملٍ مشترك بقطاعاتٍ إنتاجية، مثل الزراعة و التجارة و الصناعة، و تشديدَ مطاردةَ مافيات المخدرات ضمن تعاونٍ عربيٍّ شُرَطي لأن هذا التعاون العربي واعدٌ و ثريٌّ و ستستفيد منه كل الأطراف و الشعوب. لكنه سيصطدمُ حتماً بقانون قيصر و السياسة الأمريكية المناهضة. فكيف سيتصرف العرب عندها؟ ما هي خطواتهم؟ و السؤال الأضخم هو ماذا سيقدم العرب لسوريا مقابلاً لتنازلها عن حلفها مع إيران و المقاومة و ربما روسيا؟ واقعياً، لا شيئ! و من زاويتين. أولاهما أنه من غير المتوقع أن تتخلَّى سوريا عن حليفٍ آزرها وقت الشدة. و ثانيهما أن العرب لا يملكون غير عضوية الجامعة العربية ليقدموها، والتعاون الثنائي والجماعي. و سوريا على لسان رئيسها تقول أن الجامعة ليست مهمة من دونِ تضامنٍ عربيٍّ حقيقي و الكل يعلم أن التعاون العربي رهينةً لقانون قيصر.
ونعلمُ أن الولايات المتحدة و الغرب عموماً لا يريدون في سوريا نظاماً سياسياً يلتزم باستراتيجية التقارب مع روسيا و إيران، فهل سترضى واشنطن رَدَّ قانون قيصر أو حتى التخفيف منه إن لم يتغير وجه و جوهر السياسة السورية بما يقبله الغرب بناءً على ما قد يريده العرب في سوريا و منها؟ لا أعتقد.
ثم أن فوقية الطرح ربما تستدعي رداً سورياً. ماذا لو اشترطت دمشق سحب الوجود الغربي في الجوارِ العربي و هو الوجود الذي يسمحُ للتنفِ أن تستمرَ قاعدةً للتحالف الأمريكي البريطاني ضمن أرضٍ سوريةٍ محتلة و يسمح للقوات الأمريكية استخراج النفط السوري و سرقتهِ عبر الحدود العراقية و من أراضٍ سوريةٍ محتلةً كذلك؟ ماذا لو قالت سوريا أنه لا يُعجبها تسفيهَ حكومتها و مواطنيها في إعلامٍ عربيٍّ مجاورٍ؟ و أنهُ ينبغي كتمَ النقد الجارح؟ أو طلبت وقفاً للتطبيع مع الصهيونية؟ أو غيرها مما قد تراهُ سوريا مطلباً شرعياً. و سيراهُ العرب مطالبَ تعجيزية، تماماً مثلما فكرة تخلِّي سوريا عن إيران و المقاومة؟
لا ندري كيف ستدور النقاشات العربية السورية في ظل هذه المعطيات. والسؤال المطروح إذاً هو: هل “خطوة مقابل خطوة” مُغريةً لدمشق الآن؟ ظنَّي أنها ليست كذلك و دمشق في الإمارات و عُمان علي المستوى الرئاسي، و ربما قريباً في السعودية و في موسكو و طهران حتماً و تناورُ أنقرة. و لا أظن سوريا مستعجلةً لدرجةِ أنها ستتنازل عن مداميكَ استراتيجيةً في سياستها وهي تعلم أن واشنطن و لندن و بروكسيل لن تتنازل إلا عند التغيير الشامل في سوريا وهو الذي يعني إزاحةَ الحكم السوري و تتويجِ حكمٍ يرضي عنه الغرب. و قد يعني أموراً متواليةً ترجوها هذه القوى لصالحِ الصهيونية و أهمها تغييب كل مقاومةٍ لها.
لذلك لا أظن أن سوريا ستعطي غير الردود الدبلوماسية مقابل أي خطوة لكن دونَ مساسٍ باسترتيجيتها أو اندفاعٍ للعرب دون مضمونٍ و تضامنٍ فعليين.