الدفع نحو اللاأمل.. مسيرة الأعلام وعلامات الاستعلاء الكبير.. حتى إذا جاء وعد الآخرة!/خالد شحــام
21 مايو 2023، 01:48 صباحًا
بمجرد أن تجلس قبالة شاشة التلفاز وتستمع جيدا إلى الشريط الإخباري يمكن لمخيلتك أن تهرب بعيدا وتتفكر في المحتوى السام الذي ابتلعته للتو مهما بدا متبلا ببعض الأخبار السارة في قشرتها الخارجية، يشبه عالم اليوم بأحداثه ومصائبه وآلامه سوقا غير شرعية ولا نظامية مفتوحة للمتجولين والمشترين والبائعين ، سوق للصوص والمجرمين مقامة على أطراف مدينة يغيب فيها القانون وتغيب الفضيلة ويغيب الرشد أيضا ويبدو أنها تنتظر العذاب من السماء، في تلة وسط هذه السوق يتم عقد اجتماع بين أطراف العصابة الأكثر ثراءا وقوة ونفوذا اسمه اجتماع السبع الكبار ، غير بعيد عن هذا هنالك مساحة كبيرة تشتعل النار فيها من أولها إلى آخرها معلق عليها لافتة باخموت وخيرسون وأوكرانيا وروسيا ويتجنب أحد المرور أو الاقتراب منها ويحظر التصوير والنشر ، في موقع آخر من سوق اللصوص هذا توجد زاوية أخرى كلها خرابات اسمها السودان تجد فيها تجار السلاح والاوطان والدم العربي الأسمر ويمكنك شراء قطعة من دارفور أو خرطوم بحري ببعض الذهب أو الماس أو الإبل والبيع لمن يدفع اكثر، في طرف آخر تجد بلادا سعيدة على اطرافها يباع الحزن ، وفي حكايا أخرى هنالك مجموعات من جماعة عنترة الرقمي وآخرون من جماعة عروة بن العكس تبيع وتسعد وتحتفل ولا تأبه بكل ما يحدث في هذا السوق الكبير ، في الجانب الأقرب الينا هنالك معرض يعقد للتو اسمه القمة العربية التي تعزف كونسرت الأوهام بعد أن مات الشهود والمشاهدون وانتحرت المسرحيات وكتابها ، وبالقرب الشديد منها وحولها تعقد احتفالية شيطانية ضخمة يسوقها مجرمون يحملون أعلاما ذات نجمة سداسية وخطوط زرق في بلاد الشعب الذي يحرس آخر الزمان لأمة العرب ، هذا هو عالم اليوم الذي يتميز بفقدان القائد وفقدان الثقة والأمان وحدوث الانفصام التكتوني البشري بكل أبعاده ومعانيه ووقوع التشقق في كل ترابطاته الإنسانية والآدمية الى الحد الذي صار فيه الإنسان عربيا وغربيا سلعة رخيصة أكثر مهانة ورخصا وهدرا مما كان في سوق العبيد والمجالدين والجاريات عبر كل سلسلة التاريخ المأسوف عليه .
يوم الخميس تدفق آلاف المعتدين اليهود ممن يسمون بالمستوطنين من عدة محاور وتجمعوا في منطقة باب العمود المقدسية وهم يحملون أعلام الدولة العبرية الموعودة في مظهر احتفالي يحمل في معانيه الخفية رسائل بأكثر مما يحمل في ظاهره ، احتفالية سنوية لكنها هذا العام تحمل رسائل من نوع مختلف ، صحيح أن من يدعون (بمواطني دولة اسرائيل ) هم من يقومون بهذه المظاهرة الاستعراضية لكن الصورة الخلفية التي تضم قناصة فوق الأسوار وسيارات مياه عادمة وعدد هائل من جنود اشباح وفرق الكلاب البوليسية يؤكد أن الدولة العبرية هي صاحبة المظاهرة ويؤكد هذا التوجه حضور المندوب السمين ذي النظارات الدائرية وذلك الآخر الأشقر ذي الحراشف المستورد لخدمة حلم التلمود ويضاف إليهم ميري رغيف واسحق بن فاسرليف وبقية من آل يائير وكاهانا وزئيف.
لا يريد العرب أن يفهموا ولا يريدون أن يعلقوا على كل هذه المظاهرة أو ما يتصل بها لأن المظاهرة يجب أن تخص الفلسطينيين وحدهم حسب أدبيات الهزيمة المعاصرة وأغمضوا عيونهم بأنها رسائل موجهة وقوية وواضحة لجماعة القمة وحكام المسلمين الذين أسقطوا كل قواعد اللعب الدينية والوطنية والقومية وأبقوا لعبة الغميضة وشد الحبل ، هذه الرسائل التي حملتها المظاهرة تصرح بها العبارات البسيطة التي هتف بها المشيعون الصهاينة للكرامة العربية والثمالة بانتصار الحلم التلمودي ، صيحات هادرة تنادي بالموت للعرب ( لاحظوا جيدا بأنه للعرب وليس للفلسطينين فحسب ) صيحات هادرة وحاقدة اخرى تشتم محمدا نبي الرحمة و الرسالة العالمية عليه الصلاة والسلام ، صيحات تنادي بالاستيلاء على أرض فلسطين وهضم السكان وابتلاع الأراضي والقتل بلا رحمة للفلسطينيين وحرق قراهم ! ، على شرف المظاهرة تم عمل بسطات لبيع أشياء متنوعة من منتجات العنصرية والكره ، قمصان وتي شيرت عصري أسود اللون مطرز بالنجمة الملعونة إياها وفوقها بندقية أمريكية من طرار إم 16 لكي يفهم العالم من هم هؤلاء وبماذا يفكرون ، هذه هي المظاهرة لمن لم يحضرها وغاب عن الوعي وعن زمانه ومكانه في سوق اللصوص الكبير ، نذكركم بأن هذه المظاهرة هي الرسالة القصوى لمؤتمر القمة العربية التي لا تبتعد كثيرا عن موقع الاحتفالية بمعية احتفاليات الدم العربي في السودان وفلسطين واحتفاليات الامتهان في لبنان واليمن وغيرها من العواصم التي تتجرع المصير المُرَ.
ad
الاقتحام الأشد مرارة وقع عندما فتح بوليس الشيطان باب المغاربة واقتحم اليهود ساحات الاقصى يتقدمهم الفاتح (يهودا غليك ) وامتزج تاريخ الانتصار بحاضر الهزيمة وحلت أجساد الرجس في بيت الطهارة وسط سوق اللصوص حيث لا أحد لأحد ولا يهم من يموت أو ماذا يحدث أو ماذا يعني ذلك ، الصور المنقوصة والمفضلة لدى اللصوص والتي لا تكتمل فرحتهم إلا بها هي صور الفلسطينين المبطوحين على الأرض داخل الحرم وأيديهم مكبلة خلف ظهورهم بالمرابط البلاستيكية المخصصة للأعمال الكهربائية وتكون الأمور أكثر إثارة لو تم ربط العصبة على الأعين حتى تمنح المتفرجين مهابة بني اسرائيل ، أما الصورة الأكثر تفضيلا والتي تدفع بالمتظاهرين الى التهليل والرقص اكثر فهي للفلسطينين الممددين على الأرض والغارقين في دمائهم مع بضعة مظروفات فارغة من الرصاص من حولهم وبعض الجنود يركلون الأجساد المسجاة ، هذه المسيرة هي مسيرة استهداف اشياء غير منظورة أكثر أهمية من الأشياء التي تراها العين ، إنها تستهدف كرامة العرب وتاريخهم ودينهم وحالتهم الجديدة في الجيتو الاسرائيلي الذي تم تفصيله على يد الوكلاء طيلة كل هذه السنين ، هذه المسيرة هي مسيرة كلمات غير مسموعة أكثر اهمية بكثير من الكلمات المؤذية المسموعة والتي تقول بلسان حالهم : نحن ورثة هذه الأرض بعد أن نقتل كل ما ومن هو عليها لأننا الوارثون الأكثر قذارة وانحطاطا وإجراما ، هذه المسيرة هي مسيرة سرقة الحق العربي الطبيعي في الحياة والاعتداء على سمعة العرب في سوق اللصوص الكبير ، هذه هي مسيرة سرقة المستقبل العربي.
هؤلاء الحثالة البشرية ومن يقودهم في زمن العصابات و الغوغاء وانفلات عقال العقل العالمي وزمن الزعرنة الامريكية المطلقة لا يسعون إلى تأكيد انتصارتهم فقط ولا إلى النكاية بشعوب العرب والمسلمين بل هم يريدون وبإصرار فائق أن يقتلوا الأمل الذي يمكن أن يكون منه شيء في الروح الفلسطينية اولا والعربية ثانيا والاسلامية ثالثا ، إنهم يطبقون ما يردده المجرم شلومو نيومان رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية بأنه يريد قتل الأمل لدى الفلسطينين خاصة بعد أن زرع الحكم العربي كل البلاد بأشجار اليأس والعلقم المنتشرة ملء البصر وأغلق الباب على أرواح العرب في غرفة مليئة بالعصي والذئاب والفقر والجوع والعفن التاريخي الذي افترش الوجوه والقبيلة ومعلقات الحداثة العربية المسكينة، هذه الكائنات المشبعة بالرذيلة البشرية في أقصى صورها وذروة انحطاطها يريدون مطاردة حتى الحلم أو السكينة أو أي شيء ينتمي إلى مساحة الفضيلة البشرية لأنهم يعلنون وعلى الملأ بأنهم لم يعودا من البشر وآثروا إنتمائهم لما تتلوه الشياطين على ملك سليمان ، صحيح أنهم يرتدون قمصانا بيضاء لكن اللون الأسود يليق بك ، هؤلاء لا يسعون فقط إلى فرحة أو نشوة بالذبح والقتل وإذلال شعوب العرب وشعوب العالم إبل هم آفة زراعية موجودة ومجهزة وتكمن في الانتظار لتنقض على كل هذا العالم ، على أمريكيا واوروبا وآسيا لتمارس طقوس التزمت والتشدد اليهودي الحاقد على كل البشرية وكل الانسانية مهما اختلفت ديانتها أو عرقها أو انتماؤها ، إنهم الخطر الحقيقي الذي يهدد السلم العالمي والمستقبل القادم للبشرية بكل الأبعاد المنظورة وغير المنظورة ، السؤال المقابل لكل هذه البشاعة المنظورة ماذا لو كانت مسيرة مماثلة صدرت من الجانب الفلسطيني ؟ ما الذي سوف نسمعه غير أننا حفنة من الهمج والرعاع والقتلة ومصاصي الدماء؟
سنعتب كثيرا على انفسنا أولا وسنعتب على هذا الزمان الكبير الذي لم نعد نعرف فيه كيف حدثت عملية التخدير القصوى ، كيف تشرب العرب بكل هذا القدر من البنج والشلل حتى عن الانتماء، كيف انتشر الموات المتمدد مثل الليل الطويل ؟ نعتب حتى على الريح التي لم تثر وعلى الماء الذي سكت عن الفيضان ونفهم الان جيدا أمر الله في قصة نوح ولا تسألن ما ليس لك به علم، نعتب على المقاومة الفلسطينية التي نعيش من خلالها و نتألم مع سجنها وتثخننا جراحها ونتفهم عدم قدرتها على كبس الزر الصحيح لأننا نعلم أن كل الأزرار محاصرة شرقا وغربا وكانت المسيرة تسرق كل شيء غصبا.
نحن يا سادة على مشارف النبؤات الكبرى حيث يتم رفع الضغط في حجرة الغليان الى النطاق الأحمر وتتصعد ذروة الظلم والقهر وتبلغ التحديات حواف الهذيان والانفجار، نحن يا سادة على أبواب النبؤات التي يكذب بها المنكرون ولا يؤمن بها اليائسون ، نحن على أبواب النبؤات الحتمية التي تتحول إلى حقائق علمية وشرطية لازمة لاستقرار النظام في هذا الكون والإتيان بطوفان نوح الجديد لإحقاق عدل جديد بعد كل هذا القدر من الجور والسقوط الأخلاقي لعالم اليوم والذي يتزعمه هؤلاء اصحاب الأخدود والرقص على أشلاء العالم الذي مزقوه، كل ما يحدث وما يجري إنما هو مدخلات يتم تلقيمها في فوهة سبطانة المستقبل للدفع بالانفجار الأكبر الذي سيفتت هذه الكائنات المكانية والزمانية الفاسدة، إنه سفر التكوين الجديد الدي سيكتب سفر التكوين الحقيقي للتاريخ بغير ذلك الذي زيفوه، الزمان يتحضر لظهور قائد جديد ومخلص جديد وجامع جديد لقلوب وهمم العرب الذين سيبقون بعد الطوفان الأكبر.
صورة اليأس التي ترسمها مسيرة الأعلام أو مسيرة قتل الأمل والتي تتكامل بالرقص والهتاف وشتم النبي محمد عليه السلام لا تقابلها إلا صورة خفية في أفق الغيب أكثر حيــاة ونورا ولكنها أشد عليهم عتيا ، إنها صورة تدعى ما بعد اليأس أو التدافع نحو الحدود العليا من سور اللاأمل الدي وصل إليه الفلسطينيون وشرفاء العرب الذين أغلقت في وجوههم كل الطرقات ويدفعون كل يوم الثمن المُرّ دفاعا عن كرامة وشرف العرب ، المفاجأة العجيبة التي علمنا إليها الفسطينيون كما قدمت فاطمة خضر ابنة القدس يوم الخميس هي أنهم اكتشفوا منجما كبيرا من الأمل والاستشراق للغد واستنباط الرؤى الصحيحة للحدث اليهودي المفبرك، منجم تكتشفه بعد أن تتسلق جدار اللاامل الأكبر الذي صنعه الحكم العربي ببقايا الايدي والعزيمة المتبقية بعد الاغتراب، فالشبان الفلسطينيون يذهبون حبا في الحياة نحو الاستشهاد على ضفاف الحطام العربي للرد على مسيرة اللاامل، شباب بكامل حبهم للحياة وكامل أناقتهم للإقبال على احتفاليتها يختارون الموت ليكسروا جدران اليأس لكي تبقى زهور الأمل محروسة وموجودة ومتاحة لشعوب تريد الحرية وتريد أن ترد الصاع بعشرة لهؤلاء الحثالة وللجنود الأشباح وللدولة التي قررت أن تحارب الأمل العربي بكل تفاصيله.