قلّما أنْشّد المواطن العربي الى اجتماع للقمة العربية منذ عقود كما أنْشّد إلى قمة جدة في 19-5-2023.
قد يكون هذا الانشداد سببه شعور واسع ينتاب هذا المواطن ان تحولات جديدة بدأت تعصف بالوضع العربي والاقليمي والدولي وتعبّر عن نفسها بمراجعات وانفراجات ومصالحات وانتصارات تطل علينا خلافاً لاجواء قاتمة عشناها منذ العشرية الدامية في الجزائر ، واحتلال العراق، وحرب تموز ضد لبنان، والحرب العالمية على سورية ،والعدوان على ليبيا واليمن، ومحاولات ضرب الاستقرار في مصر، والازمة الخانقة في لبنان، والجرائم الصهيونية المتمادية بحق القدس وفلسطين، وصولاً الى ما يشهده السودان هذه الايام من اقتتال، بعد تقسيمه الى جنوب وشمال.
وما شدّ اهتمام المواطن العربي أيضاً هو رغبته برؤية استعادة سورية لمقعدها في القمة العربية، وهو الذي يعرف اهمية سورية وحضورها في اي اجتماع عربي او اقليمي او دولي، كحارسة للثوابت القومية، وكرافعة للعمل العربي المشترك.
ولا ابالغ اذا قلت كم كانت سعادة العديد من أبناء الامة كبيرة وهم يرون الرئيس بشار الاسد يدخل بثقة عالية بالنفس، وبعزة وكرامة وإباء، قاعة الاجتماعات في جدة مصافحاً بكل ودّ وترفّع عن جراحات الماضي اخوانه الملوك والرؤساء والامراء المجتمعين في قمة اقل ما يقال فيها انها قمة العروبة الجامعة التي حرص الرئيس الاسد ان يكون صوتها المدوّي في زمن التناحر والتصادم والرضوخ لاملاءات الخارج.
ولكن لا بدّ من الاعتراف بأن غصتين رافقتا الفرحة الكبرى بهذه القمة، أولهما دعوة زيلينسكي المعروف بموالاته المطلقة للعدو الصهيوني، رغم ادراكنا للظروف التي أمْلت على القيادة السعودية لدعوته. وهنا لا بدّ أن نعبّر عن الاعجاب بالطربقة التي عبـر فيها الرئيس الاسد والوفد السوري عن امتعاضهما من وجود زيليسكي من خلال نزع سماعات الترجمة لدى كلمة زيلينسكي في مبادرة لقيت ارتياحاً واسعاَ لدى مئات الملايين من أبناء الامة العربية واحرارهم الغاضبين
على من جعل نفسه دمية بيد الادارة الاميركية وحلفائها الصهاينة والاطلسيين.
اما الغصة الثانية فكانت في تغييب الرئيس الجزائري الدكتورعبد المجيد تبون عن حضور القمة شخصياً، في وقت نعرف جميعاً كم كان كبيراً دور الجزائر، والرئيس تبون شخصياً ، في تمهيد الاجواء لنجاح هذه القمة، ولا سيّما لدعوة الرئيس الاسد لحضورها، كما لدوره في قمة فلسطين في الجزائر والتي هيأت للتأكيد على مركزية القضية الفلسطينية مجدداً، والتي كنّا نأمل ان تعلن الحكومات المطبّعة مع الكيان الغاصب انسحابها من الاتفاقات التطبيعية مع العدو، التي لا تستفز مشاعر ابناء الامة العربية فقط، بل تتنافى مع كل قرارات القمم العربية السابقة بما فيها مبادرة قمة بيروت عام 2002، والتي رغم تحفظنا كقوميين عرب على بعض بنودها، لكنها اشترطت انسحاباً اسرائيلياً من القدس والاراضي الفلسطينية والعربية المحتلة عام 1967، قبل إقامة أي علاقة مع الكيان الغاصب والمؤقت.
ورغم كل ذلك من حقنا أن نتفاءل، ولو بحذر بانعقاد هذه القمة وبأسقاطها لقرار جائر وغير قانوني وغير دستوري بحقّ عضو مؤسّس في جامعة الدول العربية، وفي قرار يكرّس منحى استقلالياً عربياً عن املاءات واشنطن وتل ابيب وحلفائهما في الاطلسي، والذين لم يخفوا انزعاجهم من استعادة سورية لعلاقاتها الطبيعية مع اشقاء عرب، لما فيه مصلحة العمل العربي المشترك ومؤسساته، مع ادراكنا أن القوى المتضررة من لمّ الشمل العربي ، وفي المقدمة الادارة الاميركية لن تألوا جهداً في حياكة المؤامرات والدسائس لضرب ما تمّ إنجازه حتى الان، وفي الضغط على الحكومات المرتعشة لإرباك هذه المسيرة..
من هنا فإن على كل قوى الامة الحريصة على مصالح الامة العليا ان تقف بالمرصاد لكل هذه المحاولات والمؤمرات والسير قدماً في خدمة كل ما يعزْز وحدة كلمة العرب حول قضاياهم العادلة، وفي المقدمة منها قضية فلسطين.