الفلسطينيون تحت نيران المُطبّعين المُمنهج.. ومُقاومة التطبيع في أزمة.. فهل من صياغة لميثاق شرف قومي يتضمّن قواعد ثابتة؟/ فؤاد البطاينة
25 يونيو 2023، 02:50 صباحًا
نستحضر بداية أن كلمة “التطبيع” اتخذت مدلولاً سياسياً جديداّ لمصطلح شرق أوسطي يخص بالتحديد أي نظام عربي أو إسلامي يقيم علاقة من أي نوع وبأي وجه مع “إسرائيل ” أو يعترف بها. وذلك بصفتها كيان غير مشروع قام على احتلال فلسطين وتهجير شعبها من قبل عصابات صهيونية إرهابية بدعم عسكري وسياسي ومالي غربي، استَخدمت فيه كل أنواع المجازر الإرهابية والإبادة الجماعية ضد المدنيين الفلسطينيين لتقتلعهم من أرضهم المتجذرين فيها منذ ثمانية ألاف عام.
فنحن كشعوب عربية في أزمة تخص،،التطبيع ومقاومته،، ولدينا فراغاً سياسياً ونضالياً في هذا، تركته لنا الأنظمة العربية عندما أنهت حالة العداء مع الكيان وابرمت معه معاهدات سلام وصداقة، وعندما عمَّ تطبيعهم في إطار عملية مدريد، وهذا بعد أن كانت مقاومة هذا التطبيع قائمة وشأناً عربياً رسمياً تَعتبر فيه الحكومات العربية أن الإعتراف بالكيان والتعامل معه بأي شكل وفي أي مجال هو من المحرمات والكبائر السياسية والأخلاقية، وكان مقنناً لديها تحت بند الخيانة العظمى. وكانت المقاطعة العربية مقننة من رحم مقاومة التطبيع تبعاً لذلك، وتشمل مما تشمله كل الشركات الأجنبية المتعاملة، بل وتأخذ موقفاً من دول بحالها. وتبخر كل ذلك وتحول لعكسه، ولم تتمكن نخبنا ومؤسساتنا الشعبية العربية للآن من أخذ مسؤوليتها في تأسيس البديل الموحد وتفعيل ملف مقاومة التطبيع على أصوله.
ونظراً لخطورة هذا التطبيع الرسمي على عدالة وسلامة القضية الفلسطينية والحقوق الفلسطينية وعلى سلامة الوطن العربي بأقطاره وشعوبها، فإن بناء وإنجاح مشروع مقاومة هذا التطبيع ومحاصرته شعبياً ضرورة ترقى للمصيرية. وإلى أن يتحقق هذا لا بد من إزالة اللبس في كثير من المسائل ذات العلاقة بالتطبع والمتولدة من حالة الشرذمة القائمة، مما يستدعي تحديداً أكثر تفصيلا ووضوحاً وشمولية لمفهوم التطبيع ومساحة انطباقه، ومن هو المطبع المُستهدف بالإدانة وبالمواجهة. فلا يعقل مثلاً التوسع أو التضييق بهذه المساحة على غير هدى أو تعويمها، وإلّا فسنميع فكرة مقاومة التطبيع ونفقدها مفعولها ونمسخ قيمتها. فهل يمكننا مثلا اعتبار المطبع مع جهة مُطبعة على أنه مطبع في كل الحالات، ولماذا عندها لا نبدأ بأنفسنا ونقوم بإدانة الحكام العرب غير المطبعين لتعاملهم مع أنظمة عربية مُطبعة. وهل من الممكن تطبيق استحقاقات التطبيع وعقوباته على دول العالم التي تتعامل مع الكيان ونفتح جبهة معها ؟، وكيف نسحب هذا على دول مثل روسيا أو أمريكا ودول أوروبا وما هي المعايير الأمنة الممكنة.
وفي ذات السياق، فليس من المعقول أن نسحب تهمة التطبيع على أي جهة عربية أو إسلامية أو أجنبية تسعى لجهد أو مشروع استثماري أو اقتصادي في داخل الضفة أو غزة إذا كان يصب حصراً في صالح صمود أهلنا تحت الإحتلال، ولكن كيف سيتم هذا الأمر الضروري من دون الإحتكاك بسلطة الإحتلال ؟ ونحن هنا لا نتكلم عن الشركات والمؤسسات الأجنبية والعربية التي تسهم بتسمين الكيان أو تمده بموارد وبمواد استراتيجية كمدخلات بناء المستوطنات وما شابه ذلك كثير، فهذا أمره محسوم. كل هذه المسائل في الفقرتين وغيرها الكثير يجب أن تناقش وتحسم.
وما أريد قوله في ضوء ذلك، أن تطبيع النظام العربي الرسمي وإلغاء قوانين حالة العداء مع الكيان بخلاف إرادة الشعب العربي، ذهب بفكرة وألية المقاطعة، مما يرتب على مؤسسات هذا الشعب الحرة المنتشرة في الوطن العربي أن تعقد مؤتمراً تشاوريا ومتخصصاً وصولاً إلى بناء وتأطير جسم مركزي شعبي متخصص ومؤهل لمقاومة التطبيع ومواجهة حالة الفلتان التطبيعية ً في داخل وخارج الوطن العربي. بحيث يتضمن أسس وتفاصيل امتداداته وقاعدة بيانات وأرشيف متطور كمرجع، وأن يصار لصياغة ميثاق شرف قومي للإلتزام بمقاومة التطبيع في ضوئه. لا سيما من واقع أن تطبيع الأنظمة باطل ولا أثر قانوني له، وأن قراراً كهذا مرجعيته هي شعوبنا وتاريخها وقيمها، وأن الخيانة يرتكبها أشخاص أو حكام مطلوقي الرسن وليس الشعوب، وأن فلسطين وقضيتها تخص الشعوب العربية، ومقدساتها وقف إسلامي..
مستحضرين هنا بأن حمولات التطبيع العربي قد ابتدأت بتخلي المطبعين عن القضية الفلسطينية وتركها للفلسطينيين. ثم تطورت لتصبح على حساب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني. وأخيراً وهو ما يهمنا أن هذا التطبيع العربي الذي ينطوي على الإعتراف بالسردية التوراتية المدعية بمعظم الوطن العربي، قد تطور ليأخذ شكل التعاون مع الكيان للفتك بالقضية وبالشعب الفلسطيني وبحقوقه وبأقطار المطبعين أنفسهم. فالتطبيع ابتدأ بلا سبب غير الخيانة وانتهى بحرب على الشعب الفلسطيني وقضيته. ثم صار التطبيع مطلباً عربياً من خلال المبادرة العربية، إلّا أن الأنظمة طبعت من دون قبول الكيان لمبادرتها، فهل الطلب الآن من الكيان أن ينسحب من الاراضي المحتلة هو كصدقة منه أم لغاية أخرى ؟.
تطبيع حكامنا ليس طبيعيا ولا مجرد تواطؤ ولا يتفق مع مفهوم التطبيع بين دول مستقلة ذات سيادة تحسب حساباً لمصالحها.ولا يقتصر على التعاون مع الكيان أو على الإعتراف به.فهم ليسوا في خانة التطبيع ولا مجرد متواطئين، فتطبيعهم لا يتفق مع المفهوم المتعارف عليه بين الدول ذات السيادة أو لتي تحسب حساباً لمصالحها، ولا يقتصر على اعترافهم بالإحتلال، ولا على التعاون معه. إن تطبيعهم وبشكل جلي يتفق مع مفهوم الخضوع للإرادة الصهيونية وتجنيد أنفسهم وطاقاتهم لها ولتنفيذ ما لا يسطيع الكيان تنفيذه، فهم الطرف الأساسي والداعم من تحت الطاولة ومن فوقها لما نشهده من تكثيف الكيان لجرائمه ومذابحه ضد المدنيين الفلسطينيين.
وختاماً، إن الفلسطينيين تحت الإحتلال في الضفة يتعرضون لحرب صهيونية وحشية ممنهجة وهادفة بنيران تطبيعكم. وما كان لهذا أن يحدث وبصمت دولي لولا تآمركم ودعمكم وغطائكم. ولكن اعلموا بأن الفلسطينيين لحمهم مر وتراب فلسطين عبر التاريخ لا يتقبل إلّا جذوره. وبأن فلسطين قضية الشعب العربي المقدسة والمصيرية، وأن الفلسطينيين ليسوا وحدهم، ولن تفلتوا من جرائمكم الكبرى بحقها وبحقوق الشعب الفلسطيني.. فدماء الفلسطينيين التي هدرت وتهدر من الطفل الى الشيخ أنتم شركاء أساسيين فيها، ولهذا ثمن يُدفع. اسرائيل الى زوال وأنتم معها.
فخذوا عبرة من وعي وتصميم وبطولات جنين ونابلس غير المسبوقة ومن صمود الشعب الفلسطيني الأسطوري، بل خذوا عبرة من فشلكم في سورية ولبنان واليمن وليبيا ومن تآمركم على العراق جماعة، وخذوها من انتصار ايران على الصهيوأمريكي وخذلانكم بما تبرعتم به، وإلى كل شعوب العرب وأهلي في الأردن تابعوا ما يجري في الأراضي المحتلة وانتفضوا من أجله واجعلوا من كلمتكم هي العليا، فأنتم مرشحون لمثلها.