لا يمكن فهم جذور انتفاضة القارة الإفريقية المتجدّدة ضد الاستعمار بشكله المتجدّد دون العودة إلى تاريخ هذه القارة الممتلىء بحركات التحرير وبرموز التحرر، لا في القارة الإفريقية فقط، بل في العالم كله..
فهل يمكن الحديث عن محاربة العنصرية دون ذكر اسم نيلسون منديللا الذي حرّر بسجنه الطويل وكفاح “مؤتمره الوطني الإفريقي” بلاده من العنصرية الحاقدة التي ما زلنا نواجه بقاياها في الكيان الصهيوني وبعض التجمعات المتطرفة في الولايات المتحدة وأوروبا وتوابعهما..
وهل يمكن الحديث عن حركة عدم الانحياز التي شكّلت بدءاً من أواسط خمسينيات القرن الماضي بقيادة جمال عبد الناصر، وجواهر لال نهرو، وجوزف بروز تيتو، دون أن نذكر موديبو كيتا في مالي، وأحمد سيكوتوري في غينيا، وكوامي نكروما في غانا..
هل يمكن أن نذكر حركات التحرير والاستقلال التي ملأت العالم في ستينيات القرن الفائت، دون أن نذكر ثورة الجزائر العربية الاسلامية الافريقية الخالدة، ثورةالمليون ونصف شهيد ، والتي ما زالت حتى اليوم ملهماً لأحرار العالم، ومدافعاً عن حق الإفريقيين بالسيادة والاستقلال والكرامة..
ولكن يبقى الجرح الإفريقي الأكبر هو جرح باتريس لومومبا رئيس وزراء الكونغو المنتخب عام 1960، والذي تم إعدامه بعد اسابيع على انتخابهعلى يد رجال الاستعمار البلجيكي، بدءاً من تشومبي الانفصالي في ولاية كينشاسا، ووزير الدفاغ سيسي سيكو موبوتو، فيما نفذ حكم الإعدام فيه وفي مساعديه، في غابة كونغولية على يد جنود بلجيكيين قرّر ملكهم وحكومته إعدام القائد الإفريقي الشاب بعد انتخابه و”تطاوله” على ملك بلجيكا خلال حفل الاستقلال بخطاب شهير اسمه “الدموع والدم والنار”..
طبعاً لم يدرك المستعمر أنه باغتيال قادة الشعوب المكافحة ضد الاستعمار، بل رؤساء اادول المنتخبين، سواء بالسم أو الإعدام، أو بالقصف الجوي، إنهم يجتثون روح الكرامة والتحرر والاستقلال من هذه الشعوب، فيما الواقع يثبت كل يوم أن دم كل شهيد، قائداً كان أم مجاهداً عادياً، يسهم في تأجيج لروح المقاومة في الشعوب..
لذلك على من يفكر اليوم بالحرب على النيجر، وبالضغط على مالي وبوركينا فاسو، أن يتذكر أن دماء لومومبا ودموع شعبه ونار الكفاح المستعر، ما زالت مشتعلة في وجدان شعوب إفريقيا والعالم كله.