بايدن العاجز بين أوكرانيا وغزة / خالد أبو بكر
على الرغم من الاختلاف العميق فى التاريخ والجغرافيا بين أوكرانيا والحرب الدائرة على أرضها مع روسيا منذ 20 عاما وفلسطين والحرب التى تجرى على أرضها المقدسة منذ 7 أكتوبر الماضى، إلا أنه وحده الرئيس الأمريكى جو بايدن ــ الذى فى محاولة لدعم حلفائه فى كييف وتل أبيب ــ تجاوز حقائق الجغرافيا وبديهيات التاريخ ليجمع روسيا بوتين وحماس فى بوتقة واحدة، فقال فى هذا الصدد صراحة فى 20 أكتوبر الماضى بعد عودته من زيارة إسرائيل التى أعلن فيها دعمه الكامل لها فى قتل الفلسطينيين: «إن حماس وبوتين يمثلان تهديدات مختلفة، لكنهما يشتركان فى أن كلاهما يريد تدمير الديمقراطية المجاورة بالكامل».
***
يستطيع المراقب أن يقول إن ما تشترك فيه المقاومة الفلسطينية للاحتلال العسكرى الإسرائيلى وروسيا هو أنهم قد كشفوا تراجع الولايات المتحدة الأمريكية كبلد قائد للعالم يمتلك نفوذا يمكنه من بسطه على الجميع خصوصا فى لحظات ذروة الأزمات.. ففى المسرح الأوكرانى، ورغم مرور 20 شهرا على الحرب إلا أن بايدن يعانى الإحباط تلو الإحباط، نتيجة الشعور المتزايد بأن مليارات الدولارات من الأسلحة والمساعدات وجمع المعلومات الاستخباراتية الأمريكية قد فشلت فى زحزحة القوات الروسية عن خطوطها فى العمق الأوكرانى ولو لعدة أميال محدودة.
بالإضافة إلى أن الصلابة الروسية ثبتت الرئيس الأمريكى أمام خطوط حمر يقاتل هو لعدم تجاوزها خوفا من الانزلاق إلى التهديد النووى الذى أثبت التلويح الروسى به بين الحين والآخر مفاعيله فى كبح الحماس الأمريكى ــ الأوروبى لدعم كييف إلى ما لا نهاية، فضلا عن اعتراض الجمهوريين فى الداخل الأمريكى على المضى قدما فى تقديم الدعم لكييف.
وفى المحصلة لم تخسر روسيا حتى اليوم، كما أنها لم تتنازل عن أهدافها الاستراتيجية التى تبدو أنها حققتها بالكامل ولم يفت من عضدها القتال الشرس على مدى الأشهر العشرين الماضية، فهى ثابتة صلبة فى مواقعها، وأثبتت أنها قادرة على التمسك بالأرض بعد أن ضخمت الآلة الإعلامية الغربية من هجوم الربيع أو الهجوم المضاد الرئيسى لأوكرانيا الذى لاقى الفشل الذريع.
***
فى مسرح غزة وبعد الدعم اللامحدود سياسيا وعسكريا لإسرائيل من جانب الإدارة الأمريكية، لم تبد إسرائيل أى اهتمام لمناشدات الرئيس الأمريكى وقف إطلاق نار إنسانى فى غزة مع تزايد المعارضة الدولية لقتل النساء والأطفال الفلسطينيين على مرأى ومسمع من العالم أجمع.. وهو ما أظهر عجز الإدارة الأمريكية الواضح فى هذا الملف، وأثبت كما تحدثت الكثير من التقارير فى الصحافة الأمريكية أكذوبة سيطرة أمريكا على إسرائيل، وعدم مصداقية الحديث عن أن ذر إيقاف الحرب فى يد واشنطن.
بل إن مضى إسرائيل فى ارتكاب المجازر فى غزة جعل أصوات الأمريكيين العرب والمسلمين تتعالى ضد سياسة الرئيس جو بايدن، وأصبح مطلب وقف إطلاق النار مطلبا أساسيا يتردد فى المظاهرات والنشاطات التى ازدادت واتسع مداها، فقد كانت المظاهرة التى نظمها تحالف يضم منظمات داعمة لفلسطين فى واشنطن يوم الرابع من نوفمبر الحالى واحدة من أكبر التظاهرات فى تاريخ قضية دعم فلسطين فى العاصمة الأمريكية، على حد وصف شبكة BBC. والأهم من ذلك أن هذه الفاعليات المنددة بسياسة الرئيس الأمريكى الداعمة لآلة القتل الإسرائيلية تجاوزت العرب والمسلمين إلى مجموعات كبيرة من الشباب الأمريكى اليهودى والسود والأمريكيين اللاتينيين والآسيويين وهى مجموعات تصوت غالبا للحزب الديمقراطى ومرشحه فى الانتخابات الرئاسية، ولعل ذلك يفسر تقدم ترامب على بايدن فى استطلاعات الرأى العديدة التى أجريت فى أمريكا الشهر الحالى.
***
بحكم دروس التاريخ يستطيع المرء أن يقول باطمئنان إن الدماء الذكية الطاهرة التى سالت فى غزة من النساء والأطفال والمدنيين العزل ستغير حكومات وتقضى على مستقبل رؤساء وتقض مضاجع أنظمة.. وعلى وجه التحديد فى أمريكا وإسرائيل.