محلُّ الجامعة العربية اليوم / عبد الوهاب دربالمحلُّ الجامعة العربية اليوم
على ماذا اجتمع العرب في تأسيس جامعتهم؟
هذا السؤال على بساطته وسذاجته يحتاج اليوم إلى إجابة صريحة، وعليه يجب أن تتم مراجعة هذه المنظّمة مراجعةً عميقةً ودقيقة من حيث الهيكلة والعضوية وتحديد الأهداف ورسم السّياسات.
قيل للأمّة العربية إنّ جامعتهم قوةٌ لهم، وإنّ وجودهم ضمن تنظيم موحَّد يُؤَمِّن وجودهم ويخدم تنميتهم ويصون حقوقهم ويُوحِّد كلمتهم أمام أعدائهم، يحمي ضعيفهم ويشدُّ أزره ويمنع من الاستفراد بهم.
قيل لهم أيضا إنّ قوتهم في وَحدتهم، وأنّ اجتماعهم يحقِّق لهم الأهداف الكبرى كالأمن القومي، ووثّقوا ذلك في قراراتهم إذ يُعتبر الاعتداء على أحدهم اعتداءً عليهم جميعا.
قيل لهم أيضا إنّ العمل العربي المشترك مُقدَّم على غيره، وإنّ فلسطين هي القلب النّابض لاجتماعهم وعملهم وسياستهم وأمنِهم.
قيل لهم أيضا إنّ الدّم العربي لا يهون، وإنّ منطقتنا التي توحِّدها اللّغة الجغرافيا والثقافة والتاريخ تمتلك كل عوامل القوّة، وإنّ تعزيز هذه القوّة بالعمل العقلاني المتضامن في استغلال ثرواتها المعدنية وخيراتها الزّراعية، وثروتها الثّقافية، عواملُ خادمةٌ لتقوية أمنها وتطوير سلامها ومن ثَمَّ فرضِ وجودها وصيانة سيادة دولها وسلامة أراضيها.
قيل كل هذا وأكثر، وحُفِرت هذه القناعة في عقولنا وقلوبنا، وأصبحت عقيدةً سياسية راسخة نتوارثها جيلا بعد جيل حتى اعتقدنا أنّ اجتماعنا في كيان واحد أصبح على مرمى حجر، وأنّنا قلب العالم النّابض، وأنّنا رقم لا يمكن تجاوزه في صناعة القرار الدولي.
بعد ثمان وسبعين سنة استفقنا على واقع آخر تبيّن معه أنّ كل قناعاتنا كانت أحلاما وأصبحت سرابا، وأنّ هذه الأمّة أصبحت مضرب المثل في الصراع والاختلاف والشّتات، بل وصل الأمر إلى حد الكيد والتآمر والعمالة.
واتّضح بالفعل مسار الخيبة لهذه الجامعة في كلّ ما تقوم به منذ نشأتها إلى يوم الناس هذا، فلا قراراتها تُلزِم أحدا ولا تُنتج أثرا إلّا أذا كان هذا القرار يستهدف شقّ الصّف العربي، ومن ذلك على سبيل المثال عجز جيوشهم عن حماية فلسطين من الاحتلال الصهيوني في سنة 1948، واجتماع جيوش أغلبهم في محاربة الجيش العراقي الذي أباح لنفسه غزو دولة شقيقة في بداية التسعينيات.
عجزُ الجامعة عن إلزام أعضائها بقرارات عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني والذي تَوسَّع لاحقا لتصبح بعض دول أعضاء الجامعة أكثر حماية للمصالح الصهيونية في العالم العربي، وأكثر تهديدا لأمن شعوب شقيقاتها، ثم تدحرجت هذه الجامعة سقوطا إلى حد التّخلي المُخزي عن القضية الفلسطينية بعد جهودٍ مستمرة لمحاربة سياسات اليأس، والفشل التنموي، والاستبداد السياسي، والحكامة القائمة على الشّعارات الكاذبة، والبرامج الارتجالية، وتعميم سياسات أمنية مُكمِّمة للأفواه، مناهِضة للحريات، مُعادية للإبداع.
إذن جاز لنا أن نعيد طرح السؤال مرة أخرى: لماذا وُجدت الجامعة العربية؟ وهل ما زال هناك سببٌ أو هدف يجمع هذه الدول في منتظم واحد؟
وبالنّظر إلى الأهداف التي أعلنتها الجامعة وتعهدّت بتحقيقها ولم تفعل، حُقّ لنا أن نتساءل: ألم يَحِن الوقت لمراجعة وجود هذه المنظمة خاصّة من نواحي:
1- المبادئ والأهداف.
2- العضوية، لأنّ بعضهم اليوم ليس له من العروبة إلّا لون البشرة واللسان والواقع الجغرافي.
3- من ناحية طريقة ووسائل العمل في اتخاذ القرارات ومآلاتها والالتزام بها.
4- من ناحية برامج وكيفية تأمين تنفيذها وسير المتابعة والمحاسبة.
وما لم تتمّ هذه المرحلة بصورة فعلية وجادّة وإلزامية، فإنَّ بقاء الجامعة على ما هي عليه اليوم يُشكِّل عبئا سياسيا وأمنيا وماليا على الأمّة العربية ومقدّراتها، كما أنّه هدرٌ للجهد ومضيعة للوقت.