حتى يَملّ إبليسُ من خُبثه / عبد الناصر بن عيسى
من الصفات التي قرأناها عن إبليس، هي جمعه التكبُّر والتمرد والكراهية والخداع والعصيان، في قالب من الخُبث، لا يهنأ له بالٌ إلا إذا أضرّ بالطيبين في الأرض، وقتَلهم جميعا. ونكاد نجزم الآن بعد ثلاثة أشهر من الأحقاد الشيطانية في غزة، بأن ما حدث ويحدث، قد زاد فاعلوه على صفات إبليس، الكثير من الصفات، التي جعلتهم برغم موت الأبرياء، يُقتّلونهم، وبرغم هدم بيوتهم، يهدّونهم بطريقة وحشية يجب ابتكار أو استحداث كلمة جديدة بكل لغات العالم، لوصفها.
أمام عجز عالمي مع شلل كل الهيئات الدولية، وصمت عربي إلى درجة العجز عن التنديد باغتيال الشيخ صالح العاروري في بيروت، يظهر بأن الصهاينة والأمريكيين، لن يتوقفوا عن مسلسل إبادة أبناء فلسطين، الذي باشروه في خريف السنة الماضية، من دون أي مخططات لا متوسطة ولا بعيدة المدى، وقد لا يتوقفون حتى يملّ إبليسُ من خبثه، أو عندما تنتهي الرصاصات والصواريخ وأعواد كبريت النيران.
يتَّضح من إصرار نتنياهو ومعه بايدن، على مواصلة التقتيل بتصاعد وحشي، بأن الصهاينة يؤمنون فعلا بأن حربهم الحالية، وجودية، فإما أن يكونوا بعدها لوقت آخر، أو لا يكونوا أبدا، ويتّضح من دعم الأمريكيين غير المشروط لكل الأعمال الصهيونية المشينة، بأن حربهم هم أيضا وجودية، فإما أن يواصلوا قيادتهم للعالم لبعض الوقت، أو سينتهون هذه المرة، بعد أن بدأ بعض المطبّعين يعلمون بأنهم قد استجابوا لقوى من ورق، وطبّعوا مع كيان من الوهم، لا حول ولا قوة له أمام مقاومة صفعته، وما استطاع أن يردّها عليها.
اختُصِرت الحياة لدى يهود الأرض المحتلة، وقادتهم، وقادة الولايات المتحدة الأمريكية، في الشأن الفلسطيني، فقد توقفت الرياضة والثقافة والاقتصاد والخدمات والمواصلات في القدس وتل أبيب، وما عاد من انشغال لبلينكن وبايدن وكيربي وكل المسؤولين الأمريكيين غير متابعة ما يحدث في البحر الأحمر وغزة وجنوب لبنان، وهو دليلٌ على أن الطعنة التي هزّتهم في السابع من أكتوبر لن يكون لهم من حلٍّ بعدها، سوى أن يحوّلوها إلى نصر، وإلا اقتربت نهايتهم أمام عالم مازال يصدّق قوتهم ويؤمن بها.
سقوط إسرائيل أو زوالها الأكيد، كما يردّد المقاومون الذين يجاهدون لأجل تقريب موعدها، سيغيّر العالمَ بأسره، فسيدرك الجميع بأن أمريكا التي لا تدخل رهانا أو حربا إلا وانتصرت فيها، وبأن ما شيّدته بريطانيا من “دول” الأوهام، إنما هو أيضا إلى زوال.
يقول مسؤولٌ في الأمم المتحدة: إن إسرائيل لم تترك قانونا دوليا، إلا وداسته بأقدامها، ويقول أحد سكان غزة: إن إسرائيل لم تترك وسيلة لاستفزاز العرب والمسلمين إلا ومارستها، فلا العالم تحرَّك ولا العرب والمسلمين تحرَّكوا، وبقي الأمل في أن تنطق النار والحديد في وجه الصهاينة والأمريكان، وفي أن يملّ إبليسُ من خبثه.