كم أسعدني قبل أيام ان أقرأ في مجلة الفورن افيرز الامريكية ذات الصيت الواسع بين النخب الامريكية والغربية وحتى العربية، مقالا لباحث بريطاني واكاديمي متخصص بالاسلام مشهود له بدقته وبحسن تحليلاته يتوقع فيه ان حرب غزة قد توحد المسلمين، سنة وشيعة.
شعرت وأنا اقرأ المقال الذي دون شك يلامس جزءاً كبيراً من الحقيقة، بأن المشروع الصهيوني الاستعماري في المنطقة قد أصيب أيضاً بهزيمة ثانية تضاف الى هزيمته في عملية ” طوفان الأقصى” وفي الصمود البطولي لاهل غزة وعموم فلسطين وللمقاومة الفلسطينية والعربية والإسلامية في وجه هذا العدوان الصهيوني.
فهذا المشروع الصهيوني الاستعماري الذي يجسده الكيان الصهيوني على ارض فلسطين مشروع يقوم اساسا على تفتيت المنطقة الى اقطار والى جماعات والى طوائف ومذاهب والى اعراق والى أحزاب تتصارع فيما بينها حتى يبقى المحتل الصهيوني والمستعمر الاجنبي الصهيوني مرتاحاً في نهب خيراتنا والسيطرة على مقدراتنا وفرض السياسات المنسجمة مع مصالحه علينا.
كذلك الامر سعدت لأنني شعرت أن هذه الوحدة بين أبناء الأمة عموماً، وبين المسلمين خصوصاً ما هي ايضاً الاّ ضربة كبيرة لهذا المشروع الذي يقوم على تفتيت المنطقة تماماً، كما يقوم الكيان الصهيوني على ضرب أي شكل من أشكال الوحدة فيه.
واذ أكتب هذا المقال في هذه اللحظات بالذات التي يحيي فيها لبنان بكل تنوعاته ذكرى استشهاد الرئيس رفيق الحريري وفي جو الوحدة الإسلامية والوطنية المميزة على نحو يؤكد أننا بدأنا نخرج من العصر الإسرائيلي الذي لم يكتف باحتلاله وجرائمه وانتهاكاته ولكنه كان أيضاً يسعى الى تفتيت هذه المنطقة والى اثارة النعرات فيها.
هزيمتان لهذا المشروع باتت تواجه اعداءنا اليوم احداها ميدانية تتمثل ببطولات المقاومة وصمود شعبنا في فلسطين واكناف فلسطين، وثانيهما عودة العلاقات الطبيعية بين أبناء الأمة الواحدة وأبناء الدين الواحد وأبناء الهموم الواحدة بعد عقود من التحريض الطائفي والمذهبي وبعد مليارات من الانفاق على العمل الاستخباري والسياسي والاعلامي لتمزيق وحدة الامة واشعال الفتن داخلها بل كي لا تقوم لهذه الامة ولكل مقوماتها قائمة ولكي لا يتحقق للامة اي نهوض، ولكي تتحول امة الوحدة والتحرر الى امة التباغض والتباعد فيما بين ابنائها والهوان والضعف امام اعدائها.