إنتصار واستنزاف في غزة وجنوب لبنان… ماذا عن الجبهة السورية/ خليل عبد الحميد
لم تنحصر الحرب ضد الكيان الغاصب في بقعة جغرافية واحدة منذ أن عرفها العالم المعاصر، بل كانت تمتد بين الحين والأخر إلى عدة جبهات متفرقة، سواء أكانت حرب مباشرة مع الكيان، أو بطريقة غير مباشرة من خلال عملائه في المنطقة، أوعبر الخلايا التي تعمل على تنشيطها للقيام بنفس الدور ولكن بزي مختلف.
تتعد الجببهات وغاية العدو واحدة في المضمون مختلفة في الشكل والمكان، حروب جرى توظيفها لتشخيص الواقع في كل منطقة لتغييره وطمس شواهده التاريخية لكل جزء من أجزاءه، فذاك العدو الغاصب للأراضي الفلسطينية لم يحسن تقدير قوة المشاعر الدينية والثقافية، فكانت عملية طوفان العزة والكرامة التي إنتهت بفضح مداى هشاشة واجرام هذا الكيان، وأما دمشق فقدغبرعليها عقد ونيف من مواجهة الاستيطان التكفري لتجريدها من مصادر هويتها الثقافية وإلحاقها في الركب المهيأ، فمن لا يطبل للكيان الصهيوني يصمت عن استبدادده، وتلكم بيروت التي لم تفلح محاولاتهم في تغريبها باسم التطوير والتحديث على طراز الغرب وعلمنة مفاصل الدولة والمجتمع، بعد هذا كله رأينا كيف تدافع الشعوب عن وجودها وهويتها المهددة ودفاعا عن الوجود الجمعي العربي.
منذ عملية طوفان الاقصى البطولية للمقاومة في فلسطين، والكيان الغاصب يتكبد خسائر فادحة على المستوى العسكري والإقتصادي، وتراجع في مستوى الرضى عن الحكومة التي يقودها نتنياهو، التي أصبحت عبئا على المستوى الداخلي من جانب سوء إدارتها للإزمة المحاطة بالكيان، حيث لقي مصرع المئات وجرح الألاف وأسر العشرات من جنود الاحتلال، وإجلاء عشرات الألاف من سكان المغتصبات وأضرار جسيمة لحقت في القطاع الإقتصادي، والتي تقدر بنحو 200 مليار دولار نتيجة تدهور قيمة الشيكل، والشلل التام الذي لحق بحركات الطيران وقطاع الطاقة والقطاع السياحي، وأما على الصعيد الخارجي فقد أصبحت إسرائيل ثقيلة الكاهل على الولايات المتحدة الإمريكية، وعلى الغرب المنهك إقتصاديا من خلال دعمه لأوكرانيا بالمليارات التي أنفقها على تسليحها، إضافة الى الأزمة الخطيرة في العلاقة بين بايدن ونتنياهو المتدهورة بشكل مطرد منذ بدء الحرب، بسبب الأجندة السياسية المختلفة وأهداف الحرب المتضاربة.
جبهات مقاومة عدة تفتح النار على العدو الإسرائيلي نصرة لأهلنا في غزة، كالهجمات التي نفذتها القوات اليمنية في حركة أنصار الله في البحر الأحمر وفي العمق الفلسطيني، من صورايخ بالستية وطائرات مسيرة واستهداف للسفن الإمريكية والبريطانية والإسرائيلية. والجبهة الجنوبية في لبنان التي شهدت تصعيدا كبيرا في الأونة الأخيرة، مع تكثيف الطيران الحربي الإسرائيلي هجماته على مناطق عدة في لبنان، فيما تستمر المقاومة (حزب الله) في هجماتها ضد قوات الإحتلال يوميا، وتلحق الخسائر في الجنود وتجهيزاتهم العسكرية المتطورة، مع فراغ تام في المستوطنات الشمالية في حرب استراتجية يقودها الحزب تحت مسمى استنزاف إسرائيل وتشتيت جيشها، وفي السياق السياسي فقد نقلت صحف عبرية أن وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غلانت الذي يزور واشنطن، وهو الذي يعتبر الأكثر تشدداً بين أعضاء كابينيت الحرب بما يتعلق بإبعاد المقاومة عن الحدود، وإستجداء بايدن للحصول على دعم أمريكي واسع لإسرائيل لتوسيع القتال على الجبهتين في القطاع والجبهة اللبنانية، وحضه الرئيس الامريكي على الضغط على طهران في وقف هجمات المقاومة اللبنانية بإعتراف ضمني بأن إسرائيل خسرت الكثير جراء هجمات حزب الله.
وسط هذه التطورات يبقى السؤال ماذا عن الجبهة السورية، وموقفها من الحرب المستعرة في غزة وجنوبي لبنان، لايخفى عن القاصي والداني بإن سوريا مازالت تعاني من تبعات الحرب ضد الجماعات التكفيرية الممولة من تل أبيب، وواشنطن ودول غربية لكل من هذه الدول أجندات ومصالح جراء ما يحصل على الأراضي السورية منذ عام 2011، لدمشق كانت هنالك نظرة مختلفة في التعاطي ودخول الحرب بشكل مضمر وبإستراتيجية (ضرب الرأس)، فمنذ بدء الحرب الظالمة على غزة إزدات الهجمات على القواعد الإمريكية في سوريا، في حرب مفتوحة ومعلنة ضد واشنطن الداعمة الرئيسية لإسرائيل، حيث شهدت مناطق شمال وشرقي سوريا هجمات بشكل دوري ويومي على القواعد العسكرية الامريكية في دير الزور والبوكمال والحسكة بالصواريخ والطائرات المسيرة، وأبرزها قتل ثلاثة جنود من عناصر الجيش الامريكي وأصيب أكثر من 35 آخروان جراء إستهداف قاعدة في الإردن، بالقرب من الحدود السورية مما آدى الى تعالي الأصوات في الكونغرس، حول جدوى وجود تلك القوات هناك من الأساس والمطالبة بسحبها، مسارعة إلى إجراء محادثات مع بغداد قد تفضي إلى سحب قواتها من العراق، ودراسة إدراة بايدن سحب قواتها من سوريا أيضا. هذه الإجراءات في السياسية الخارجية لإدارة بايدن لا يغير شيء في موقف دمشق، التي لطالما كانت سباقة في رفض أي استعمارفي المنطقة، والدعم الكامل للمقاومة الفلسطينية لتحرير كامل أراضيها، والوقوف مع أي جبهة لمواجهة المخططات الصهيونية وإستعادة الأراضي السورية المغتصبة كاملة.
خليل عبد الحميد/ صحفي سوري