التطرف ملة واحدة/ عماد الدين حسين
الكاتب الصحفى الإسرائيلى يوسى كلاين كتب مقالا مهما فى صحيفة «هاآرتس» يوم الأربعاء الماضى عن التطرف الصهيونى وخطره على إسرائيل.
وجاء فى مقال كلاين وعنوانه «النخبة التقية لدينا»:
«الصهيونية الدينية أخطر من حزب الله.. المتدينون القوميون خطرون، وأكثر خطرا من حزب الله، ومن السائقين «الفلسطينيين» الذين يدهسون، وأكثر من الطفلات اللواتى يحملن المقصات، هؤلاء العرب مسموح تحييدهم «أى قتلهم»، ولكن المتدينين ممنوع أن نفعل معهم ذلك. المتدينون يريدون السيطرة على الدولة وتنظيفها من العرب، وإذا واجهتموهم بهذا السؤال فسوف ينفون، لكن لا تصدقوهم ولا تثقوا بنفيهم».
فى مقالة أيضا قال كلاين إن «القومية الدينية فى إسرائيل متطرفة ومغطاة بالتقوى والورع وتتغلغل فى الجهاز التعليمى وفى الجيش وفى المحكمة العليا.. إنهم يرقصون رئيس الوزراء على أصبعهم الصغيرة، والوزراء كالدمى على الحيطان»!!.
أضاف كلاين: «هم أى المتطرفون فى الطريق إلينا، سوف يقتحمون الأبواب بعد لحظة، ينعتون أنفسهم بأنهم الصهيونية الدينية، يقطر منهم العسل الصافى والسكر والعسل.. هذه هى درعهم، وتحت رعايتها يرتكبون أعمالا مشينة، فيما تنظر عيونهم إلى السماء، هم يركزون فى عملهم، ولا يهمهم إلا السيطرة وطرد العرب.
لا تشغلهم أى أزمات اقتصادية أو اجتماعية فى المجتمع، وهم لن يسمحوا لليهود المطرودين من مساكنهم بسبب الفقر ان يقيموا فى بيوتهم الفارهة التى بنوها من دون مقابل فى المستوطنات، معظمهم من «الأشكنازى» أى اليهود الغربيين، وينظرون باحتقار إلى اليهود الشرقيين «السفارديم».
كل هدفهم هو طرد العرب «أى الترانسفير» والنخب السياسية تتملقهم من أجل أصواتهم فى الانتخابات. والكذب لديهم أسلوب حياة، لا يؤمنون بالديمقراطية أو بحقوق الإنسان إلا إذا تعرضوا هم للضرر.
وقال الكاتب إنه كإنسان يشعر بأنه قريب من أى شعب حتى لو كان الإسكيمو أكثر من قربه من قادة التطرف الدينى القومى مثل إسرائيل هرئيل أو بتسلئيل سموترتيش، معتقدا أن الحوار مع هؤلاء صار متأخرا جدا.
عقب نشر هذا المقال قامت الدنيا فى إسرائيل ولم تقعد. رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو هاجم المقال ووصفه بالمعيب والحقير، وطالب الصحيفة بالاعتذار لجمهور المتدينيين الواسع أو «ملح الأرض» كما سماه. وطالب وزير الدفاع المتطرف أفيجدور ليبرمان القراء بعدم شراء صحيفة «هاآرتس» التى تحولت إلى منصة لمهاجمة إسرائيل. أما زعيم المتطرفين بتسلئيل سموتريتش فقد طالب الحكومة بوقف الاشتراك فى الصحيفة لممثلى إسرائيل فى الخارج. وقال نفتالى بينت وزير التعليم العالى وزعيم الحزب المتطرف «البيت اليهودى» إنه كان يعتقد أن هاآرتس وصلت إلى الحضيض، لكنها تفاجئه دائما بحضيض جديد!!.
وزير الداخلية المتطرف أيضا اربيه درعى زعم أنه باسم التنور والتحرر يتم مهاجمة المتدينين، وكل ما يمس اليهودية وتقاليدها. حتى زعيم المعارضة العمالى إسحاق هيرتزوج فقد أبدى أسفه من ثقافة التعميم المستفز. الوحيد الذى تضامن تقريبا مع الكاتب هو مالك الصحيفة عاموس شوكن الذى قال إن المقال «تعبير شرعى عن رؤية سياسية».
لماذا أكتب عن هذه المعركة اليوم؟!.
ببساطة لأن التطرف ملة واحدة، ولو نزعت اسم الكاتب واسم الصحفية واسم الطائفة أو التيار أو البلد، فستجد قصصا متشابهة متكررة فى كل الأديان والمجتمعات.
لأنه باسم الدين يتم تمرير رسائل سياسية، يصعب تمريرها من دون هذا الرداء والستار.
نتنياهو مثلا، استغل المعركة ليس فقط لاسترضاء جمهوره الانتخابى من اليمين المتطرف، ولكن لمحاولة إحكام سلطته على الإعلام سواء كان عاما أو خاصا. وبعدما أحكم قبضته على سلطة البث الرسمية، فإنه يسعى للسيطرة على القنوات التليفزيونية التجارية، وكذلك أهم صحيفتين وهما يديعوت أحرونوت وهاآرتس، تحت حجة أن الصحفيين تتخصصان فى انتقاده.
تطوير التعليم ونشر العلم والمعرفة والثقافة والفنون المختلفة وإتاحة كل الآراء والأفكار والحريات خصوصا حرية البحث العلمى، هى أفضل الأسلحة لمواجهة التطرف الدينى فى كل زمان ومكان.