canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
كتاب عربموضوعات رئيسية

الاعتقال السياسي بين عبقرية الفكر وعبقرية السياسة!/ المهندس سليم البطاينة

يقول “دنغ شياو بينغ” خليفة ماوتسي تونغ ومهندس الإصلاح الصيني وقائد ثورة الفلاحين الصينية : إذا أردت ان تعبر النهر عليك ان تتحسس الأحجار التي في أعماقه لكي تتمكن من العبور بأمان.

في عام 1968 كان الجنرال ديغول رئيساً لفرنسا، وكانت هنالك مظاهرات واعتصامات كبيرة للطلبة والعمال الفرنسيين الذين يطالبون بالإصلاح ومحاربة الفساد، انظم إلى تلك الاعتصامات أقوى المنتقدين للجنرال ديغول الذي كان يلهب مشاعر الطلبة والعمال! اليساري الطاغي الشهرة في الشوارع الذي امتلأت صحف فرنسا بصوره والذي رفض جائزة نوبل للآداب الفيلسوف الفرنسي (جان بول سارتر).

في الاجتماع الأمني الذي تم تخصيصه لموضوع الاعتصامات والمظاهرات التي تجوب الشوارع الفرنسية، هرع عددٌ من المستشارين للوشاية بسارتر كعنصر متمرد على سلطة ديغول، وكان على رأسهم وزير الداخلية الفرنسي Charles Pasqua الذي كان معروفاً بتحكّمه في شبكات مؤثرة بالوسط السياسي الفرنسي ! واقترح على ديغول أنه سيقوم ببعض الاعتقالات ومن بينهم ( جان بول سارتر ) الذي كان يقود المظاهرات و يوزع منشورات ضد الدولة.

وببلاغة عميقة المعنى والدلالة رد ديغول على وزير داخليته بحزم وقال : لا يمكن لفرنسا أن تعتقل فولتير ! ( طبعاً كان فولتير في قبره منذ زمن طويل، وكان رمزاً للحرية في فرنسا وفي العالم )، وتابع ديغول موجهاً حديثه لوزير داخليته : لا يمكن وضع فرنسا في السجن، ولا يمكنني أن أمارس دور الطاغية، وعلى الدولة الفرنسية ان تتحمل صوت الشارع وأصوات المتظاهرين الذين تجاوزت أصواتهم الجدار الصوتي للدولة، فـ النظام السياسي العقلاني والذكي هو الذي يتسع صدره لمنتقديه.

كان الجنرال شارل ديغول رجلاً استراتيجيا بمعنى العبارة، وكانت الجريدة الساخرة ( لوكانار أنشينيه Le canard enchaine ) تطالع الجمهور الفرنسي اسبوعياً برسوم ساخرة ومقالات لاذعة عن ديغول، وذات يوم خَلت الجريدة الساخرة (لوكانار) من أي رسم كاريكاتوري للجنرال! فأرسل ديغول للجريدة بطاقة كتب على ظهرها: ألم يعجبكم اليوم شيء في أنفي؟

هنا كانت تكمن حكمة ديغول وعبقريته العميقة، فبعد انتهاء المظاهرات الطلابية التي استمرت نحو سبعة أسابيع، سُئِل ديغول من قبل الصحافة الفرنسية ما هي الديكتاتورية برأيك؟ أجاب ببلاغة وفكر العظماء: الديكتاتورية هي فرنسا بدون جان بول سارتر أو لوكانار أنشينيه (المجلة التي كانت تنتقده).

مواقف كثيرة حدثت لزعماء كبار وَشَموا التاريخ ببصمات من ذهب كانوا عُرضة لانتقادات بالغة وجارحة.

مرّة انتبه الرئيس الأمريكي الـ (33) روزفلت الذي أُعيد انتخابه أربع مرات محطماً الرقم القياسي في تاريخ أمريكا! بأنه لا يوجد انتقادٌ واحدٌ يوجّه إليه في الصحف الأمريكية، استغرب الأمر واستدعى بعض من مساعديه وطرح عليهم قلقه من خلو الصحافة من انتقاد وانتقاد حكومته! فقيل له ما معناه أننا نسير في الاتجاه الصحيح والكُل راضٍ عن النتائج التي نحققها، لكن كان لروزفلت وجهة نظر مغايرة، فقد طلب من مساعديه استدعاء الصحافة لعقد لقاء خاص، وقال لمساعديه أخشى ان تُحجم الصحافة عن انتقادي على اعتبار أني بطل، أجمعوا لي الصحفيين لأشجّعهم على النقد لأنه بدون نقد لن نسير أبداً بالشكل السليم.

وفي العصر الذهبي لرئيس وزراء بريطانيا ( Winston Churchill )  بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية شن الصحفي البريطاني Beard هجوما قاسياً على تشرشل واتهمه بعدم صفاء ذمته المالية في صفقات اعادة إعمار بريطانيا ! اتضح فيما بعد أن تلك الاتهامات غير صحيحة، وفي أحد المناسبات توجه Churchill إلى الصحفي Beard الذي كان بين المدعوين وخاطبه هامساً في أذنه : أشكرك لقد قدمت خدمة عظيمة لبريطانيا،  بتجرؤك على انتقادي حررّت الأقلام والألسن، وهو ما ساعدني على ان اكتشف أخطاء كثيرة في حكومتي، فالإنتقاد ضروري لأنه يقوم بنفس الألم في جسم الإنسان و ينبهنا إلى أمر غير صحي، ونادى تشرشل فوراً على مجموعة من مستشاريه وقال لهم : أطعموا بيرد الكعك الإنجليزي فمثله له فضل كبير.

عند سارتر مهمة الكاتب ان يكون ملتزماً بالحقيقة كما يراها، وجريمةٌ كبرى ان يتم تطهير الساحة السياسية من المعارضين والمختلفين مع الدولة وتوجهاتها! فإذا عمت الفوضى السياسية في البلاد لن يكون هناك حدود واضحة بين المسموح والمُحرم داخل بنية الدولة.

العمق في الرؤية والحكمة هي حصاد دروس الماضي، والحيطة أُمُّ الحكمة، والحِلم بكسر الحاء، والعفو عند المقدرة… هكذا تبنى الأوطان، بقي فولتير وبقي سارتر وديغول وروزفلت وتشرشل، ولن يذكر التاريخ اسم وزير الداخلية الفرنسي الذي طالب بسجن جان بول سارتر.

كاتب اردني

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى