من كتابات العشرية الثانية من الألفية الثالثة عن العشرية الأولى/ محيي الدين عميمور
احتضن شهر أكتوبر 2004 ندوة ثقافية لمؤسسة البابطين الكويتية، وكانت هذه المرة في قرطبة بإسبانيا
كنت آنذاك عضوا فيمجلسالأمة وكنت وصلت إلى اليقين بأن التقارير التي أضطر إلى كتابتها عند العودة إلى الجزائر ستدفن في مكاتب الإدارة، ولأنني كنت أؤمن بأن من واجب الرفقاء علينا اطلاعهم على كل صور النشاط التي نساهم فيها، واصلت نشر تلك التقارير عبر الصحافة الوطنية والأجنبية، وهو ما فرض علي أن أتعامل مع التقارير بأسلوب إعلامي يفضله القارئ الذي لا تهمه التقارير الجافة، وحملني هذا عبئا إضافيا في الإعداد، بجانب استثارة غضب رفاق، منهم من قام بأكثر من مهمة لم يسمع بتفاصيلها أحد، وآخرين لعلّ السفريات التي قاموا بها لم تعرف ما يستحق التسجيل، وهكذا كتبت عن أيامي في قرطبة هذه بعضها:
كنت كثير التنقل بين قاعة المحاضرات ولجنة الصياغة ومركز الإعلام، ولفتت نظري حسناء لا أتصور أن حوريات الجنة سيكُن أكثر جمالا ورقة ونشاطا منها.
عرفت أن اسمها “سارة”.وأنها مترجمة انغليزية تعمل في إطار الندوة، ولاحظت أنها كانت تلبس لباسا عاديا بسيطا، ولم أرها يوما تدخن سيغارة أو حتى تمضغ “علكا” خلال ساعات العمل، وتميزت بجمال لا تلوثه كثرة المساحيق، وبنشاط لا يكل ولا يمل، وبرقة رصينة في التعامل مع الجميع، وتلبية حاجيات مكتبية متتالية لبعض المدعوين، كان من أثقلهم دما حاخام إسرائيلي ينتمي إلى اليمين الديني المتطرف، دُعيَ تقديرا لمواقفه ضد الممارسات الإسرائيلية.
ولن أتوقف الآن عند تفاصيل الندوة بل أقفز إلى لحظة مغادرة قرطبة، حيث لمحتُ “سارة” في محطة القطار وهي تجر حقيبة ثقيلة، لتلحق معنا بقطار مدريد، الذي لا يتوقف إلاّ نحو دقيقتين قبل أن يواصل سفره.
وتعاونا، الدكتور أحمد طالب الإبراهيمي وأنا، في رفع حقيبتها قبل حقائبنا، وجلستْ سارة إلى مائدتنا لنسمع منها، بعربية جميلة، بأن عمرها 19 ربيعا، وهي تعيش في “مانشستر” وتدرس بها، وبأن أمها عربية ووالدها بريطاني الجنسية اعتنق الإسلام، وكان يعمل مترجما في مؤسسة البابطين، وتوفي منذ عدة شهور، وقبلت المؤسسة مشكورة أن تسمح لها باستكمال عمل والدها خلال الندوة مقابل مرتب مناسب، يعيينها على استكمال الدراسة.
كل هذا لم يكن السبب في هذه الثرثرة، لكنه ما حدث بعد ذلك، عندما قدموا لنا في القطار وجبة غذائية نظرت إليها سارة ثم هتفت بنا وهي تبعد عنها “الصينية” بقرف واضح : “حذارِ، إنه لحم خنزير” ( في الوقت التي يتحدث فيه كتاب مدرسي جزائري جديد عن لحم الخنزير المملح بما قد يثير فضول التلميذ، وهو ما أوردته صحيفة “الشروق” الجزائرية) واكتفينا جميعا بقطعة من الجبن العادي، كانت سارة تقضمها وهي تغالب النوم، وعندما رفعت المضيفة أواني الطعام تكومتْ على نفسها من شدة الإعياء، ولم أملك سوى أن أنزع “جاكيتتي” وأكورها جاعلا منها وسادة وضعتها تحت رأس البنية التي يعيش الإسلام في قلبها جذوة لا تنطفئ، ويتحكم في كل ممارساتها الحياتية، عملا متقنا وتصرفات اجتماعية وأخلاقا فاضلة، ورحت أتذكر صورا من بعض بنات جاليتنا في المهجر، وأتساءل عن المتسبب في وضعية تجعلنا نخجل أحيانا من ركوب المترو في بعض المدن الفرنسية، وأتساءل في الوقت نفسه عن عدد أمثال سارة في أوساط الجاليات العربية والإسلامية عبر العالم، وعن واجبنا تجاهها، بعيدا عن المزايدات السياسية والبلاغيات الخطابية.
أما تفاصيل الندوة فلها يوم آخر.
(مقتطفات من الجزء الثالث لكتابي ….وزيرا زاده الخيال)
محبي الدكتور محيي الدين عميمور
3 ي ·
الفنان الرائع فؤاد امان دُعيَ للغناء في سفارة سويسرا، فأرسل لي متسائلا ،قبل قبول الدعوة، “هل سويسرا تدعم الكيان.؟؟
،وقلت له …سويسرا محايدة سياسيا لكن اللي في القلب في القلب
تحية تقدير واحترام لفؤاد …
أنت أكثر وعيا وإحساسا بواجب التضامن مع الأبطال ممن يتصورون أنهم قادة الوعي ورواد الوطنية ودليل الأمة