canlı casino siteleri casino siteleri 1xbet giriş casino sex hikayeleri oku
كتاب عربموضوعات رئيسية

رحيل مجاهد كبير لم ينسَ واجبه في التأريخ/دكتور محيي الدين عميمور

قبل ساعات من الاحتفال بالذكرى الـ70 لثورة أول نوفمبر ينتقل إلى رحمة الله واحد من رجالات أول نوفمبر وهو العقيد الطاهر زبيري، آخر قادة الولاية التاريخية الأولى التي عُرفت باسم “الأوراس” خلال الثورة، وأول رئيس لأركان جيش الجزائر المستقلة، وهو من القلائل الذين سجلوا مذكرات سلطت الأضواء على الكثير من الأحداث، خصوصا بعد استرجاع الاستقلال، وكانت جهدا مشكورا حاول البعض أن يتناوله بأسلوب “ويل للمصلين”، تصفية لحساب معين أو تعبيرا عن خلفية معينة.وقد أردت، تكريما للراحل العظيم وخصوصا تسجيلا لفضله في كتابة مذكراته، أن أتعرض لبعض عناصر تلك المذكرات.

وقبل ذلك أعود بالذاكرة إلى منتصف الستينيات حيث كنت أعمل كطبيب للمراقبة الصحية في مطار العاصمة والتقيت يوما في المطار بالعقيد، الذي كنت من بين مستقبليه في احتفالات القوات البحرية عندما كنت من عناصرها.

وجلسنا نشرب القهوة في الكافيتريا فاقترب مني مواطن لا أعرفه وهمس في أذني متسائلا عمّا إذا كان من أجلس معه هو الطاهر زبيري، ولما كان ردي بالإيجاب طلب مني أن أقدمه له وهو ما فعلته، وفي نهاية حديثهما فوجئت بالمواطن يقول لعمّي الطاهر: لو كان سائقوا سياراتكم في مثل أخلاقك فسيكون لنا شأن كبير بين الأمم.

ومرت السنون، وعشتها مستشارا برئاسة الجمهورية وعضوا في مجلس الأمة ومارّا بوزارة الثقافة والاتصال، وكنت أحرص، كلما التقيت العقيد، أن أقف أمامه وقفة الانتباه مؤديا التحية العسكرية، وكان يرفض ذلك ضاحكا، وكنت أقول له: عندما كنتُ أنا طبيبا صغيرا في البحرية كنت أنت رئيس أركان الجيش، وهذا ما لا يمكن أن أنساه.

ولقد كان أسوأ ما ارتبط بمذكرات الطاهر الزبيري تصور البعض بأنها جزء من حملة ضد الرئيس هواري بو مدين، ولهذا قلت في أول تعليق عليها نشرته “الشروق” بضرورة قراءتها أكثر من مرة، حيث أن القراءة الأولى قد تكون بحثا لا إراديا عن المثالب والعيوب وتركيزا عليها.

يقول العقيد الزبيري بعد استعراضه للصراع بين قيادة الأركان والحكومة المؤقتة: “قررت مباشرة التحالف مع بو مدين وبن بله لأني رأيت أن ذلك في مصلحة الجزائر وفي صالح حماية وحدتها وعدم تمزيقها” (ص15)

ويتناول العقيد الزبيري تصرفات الشهيد محمد بو ضياف فيقول : “كان بو ضياف رجلا حاد الطباع صعب المراس، ويقول عنه ضباط جيش الحدود بأنه دائما “منرفز” ومكشر الوجه، لذلك لم يستطع أن يجمع الكثير من القادة والرجال حوله، حتى أولئك الذين يحترمون تاريخه المجيد وبطولاته (ص 29).

ويوضح الطاهر الزبيري حقيقة يتناساها الكثيرون، خصوصا أولئك الذين أرادوا إبعاد الجيش عن القضايا السياسية والاكتفاء بمهامهم العسكرية، في حين أن “ضباط الجيش هم في الأصل مناضلون سياسيون في حزب الشعب وحركة الانتصار للحريات الديموقراطية، وأن ظروف حرب التحرير هي التي ألزمتهم ارتداء اللباس العسكري وحمل السلاح في وجه الجيش الاستعماري، ورغم بقاء الكثير منهم مرتديا نفس اللباس العسكري بعد (استرجاع) الاستقلال إلا أنهم ظلوا يعتبرون أنفسهم مناضلين سياسيين مكلفين بمهام عسكرية”. (ص 35)

ويوضح الزبيري بعض المعطيات المتعلقة بتشكيل قيادة الأركان بعد ذلك، عندما أعلن الرئيس بن بله في مهرجان شعبي في العاصمة عن تعيينه قائدا للأركان، في الوقت الذي كان بو مدين في زيارة خارجية للاتحاد السوفيتي، ويصحح العقيد الروايات التي اعتبرت التعيين قرارا للرئيس بن بله “لكن الحقيقة أن بو مدين هو الذي اقترحني”. (ص 38) ويقول: عرض عليّ بو مدين أن يرقيني إلى منصب وزير الدفاع، وهو المنصب الذي كان يشغله، لكني رأيت أن منصب وزير الدفاع ربما يغلب عليه طابع البروتوكولية والرسمية، ويجعلني بعيدا عن هموم ومشاغل الجيش اليومية (ص 133).

وفي إحدى زياراتنا لميناء الجزائر أسر لي بو مدين بأن “الروس يريدون قاعدة عسكرية في الجزائر، والروس إذا دخلوا الجزائر فلن يخرجوا منها”.

وهكذا لم يكن بو مدين، كما يؤكد قائد الأركان، “يرغب في أن يرى الجزائر مركزا للقواعد العسكرية الأجنبية، حتى ولو كانت لدول صديقة لعبت دورا في تزويد جيشنا بمختلف العتاد العسكري، من دبابات وطائرات مقاتلة وقطع بحرية، فضلا عن تدريب ضباطنا على استعمال مختلف الأسلحة، سواء في الجزائر أم في الاتحاد السوفيتي”. (ص 137).

ولا بد هنا من التذكير بموقف الرئيس بو مدين من الأساطيل الأجنبية في البحر الأبيض المتوسط، فقد قال بأنه إذا كان الأسطول الأمريكي يفرض علينا وجوده فلن نقف ضد وجود الأسطول السوفيتي أمامه.

ويتناول الزبيري في مذكراته دور الجزائر في الصراع مع الكيان الصهيوني فيقول بأن الجزائر “لم تكن في أي وقت من الأوقات محايدة في الصراع العربي الإسرائيلي، حتى وهي تحت الاحتلال الفرنسي، بل إنه وبمجرد إعلان الصهاينة عن قيام دولة إسرائيل في 1948 حتى شرع حزب الشعب في جمع التبرعات لصالح القضية الفلسطينية، رغم أن المنظمة الخاصة التي أسست في 1947 كانت في أمس الحاجة إلى الأموال لشراء السلاح إعدادا للثورة (ص 141).

ثم يتناول العقيد علاقاته مع الرئيس جمال عبد الناصر، الذي أحبه منذ كان شابا في حزب الشعب وضابطا في جيش التحرير، ثم يقول أن “بومدين كان يكن احتراما كبيرا للرئيس المصري، بالرغم من موقف ناصر المتعاطف مع بن بلة” (ص 150).

ويتناول العقيد جهود الجزائر في الحرب، التي مُنيت فيها مصر وسوريا بهزيمة ساحقة، كما يتناول القضايا المتعلقة بتعيين قيادة الوحدات الجزائرية المشاركة في دعم الصمود المصري، والتي انتهت بتعيين من رشحه هوَ، أي الأخ عبد الرزاق بو حارة، “وقد استشهد خلال الشهر الأول بعد اندلاع حرب الاستنزاف نحو 17 جنديا جزائريا، ولكننا لم نخسر أية طائرة مقاتلة على ما أذكر” (ص165).

وابتداء من الفصل التاسع يبدأ العقيد طاهر زبيري في استعراض أوجه الخلاف مع الرئيس بو مدين، ويمحورها حول قضية الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، أو من أطلق عليهم DAF، أي (Déserteurs de l’Armé Française) وهي تسمية أطلقت على الجزائريين الذين كانوا مجندين بشكل دائم وعن طواعية داخل وحدات الجيش الفرنسي خلال فترة الاحتلال، والذين التحقوا خاصة بعد 1958، ولا يُقصد بهم الجزائريون الذين قضوا فترة الخدمة العسكرية الإجبارية في صفوف الجيش الفرنسي على غرار بن بو العيد وبن بلة، والتي أكسبتهم خبرة قتالية أفادتهم في حرب التحرير، كما لا يُقصد بهم الضباط الجزائريون الذين فرّوا من الجيش الفرنسي في السنوات الأولى للثورة (ص 169) ولكنهم لم يكونوا يتمتعون بشعبية وسط المجاهدين، بل كان ينظر لهم بعين الريبة (ص 171)

و”عرف الضباط الفارون بمستواهم العسكري الجيد سواء من حيث التدريب أو من حيث الانضباط (..) وسعى جيش التحرير خلال الثورة إلى استقطاب الضباط والجنود الجزائريين في الجيش الفرنسي إلى صفوفه (..) وخلال قيادتي لأركان الجيش الوطني الشعبي (1963-1967) كان مجموع هؤلاء بجميع رتبهم نحو 200 ضابط وضابط صف، ولكن أبرزهم كان الرائد عبد القادر شابو (..) والحق أن شابو كان يحترمني ولم يحدث طيلة قيادتي لأركان الجيش أن اصطدمت معه أو حدث خلاف بيننا، لكنني كنت أرفض من حيث المبدأ أن يتولى أولئك الضباط مناصب قيادية حساسة في الجيش (..) وهذا ما كان يوافقني فيه بو مدين (ص 172) الذي سعى إلى إحداث التوازن بين الضباط الفارين من الجيش الفرنسي وقدماء ضباط جيش التحرير في المناصب والمسؤوليات (ص 173) وكان قادة النواحي العسكرية كلهم من قدماء ضباط جيش التحرير”.

وأخرج من مذكرات العقيد زبيري لأروي حادثة عشتها، تبرز نظرة الرئيس بو مدين لهؤلاء الضباط الذين ارتبطوا به ووثق بهم واستطاعوا إنجاز الكثير من المهام التي أسندت إليهم.

ففي أبريل 1971 سقطت طائرة عسكرية أنهت حياة عدد من أولئك الضباط وكان منهم عبدالقادر شابو ورشيد ميدون وشريف جغري، وشيعت جنازتهم في موكب مهيب، وفي فورة العاطفة دفنوا في مقبرة “العالية” أمام ضريح كل من الأمير عبد القادر وعدد من قيادات الثورة.

والتحقت للعمل برئاسة الجمهورية مستشارا للرئيس وبدعوة ملحة منه في يونيو من نفس العام، وبعد نحو عام اتجهت إلى مقبرة العالية لإعداد تظاهرة لا أذكر مضمونها، وفوجئت هناك بعمال المقبرة وهو يفتحون قبور الضباط ويستخرجون توابيتهم، وسألت عن الأمر فقيل لي بأنهم سينقلون إلى المنطقة التي يدفن فيها كبار الشخصيات، والموجودة على الطرف الآخر من الطريق الذي يخترق المقبرة.

وفوجئت، فكلمت هاتفيا الأمين العام للرئاسة آنذاك الدكتور محمد أمير لأبلغه بما يحدث ولكنه أخبرني بحسم أن تلك تعليمات الرئيس، وبالطبع فقد تركت الأمور تجري في أعنتها، وفهمت يومها أن الرئيس يقول بأن تقديره لأولئك الضباط هو شيئ ولكن مساواتهم بالأمير وبقيادات الثورة شيئ آخر.

هذه وقفة سريعة أترحم بها على الرجل الذي كان دائما…رجلا.

كاتب ومفكر ووزير اعلام جزائري سابق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى