نحو تقاسم سوريا… من دون إيران!/ عبدالوهاب بدرخان
هل من رابط بين “الانتصار” الذي يعلن به “حزب إيران/ حزب الله” انفصاله عن الواقع غداة وقف اطلاق النار في لبنان، وبين “الانتصار” الذي غيّرت به المعارضة السورية الواقع في حلب وحماة وربما في عموم سوريا؟ نعم، إنه المأزق الإيراني الذي يزداد عمقاً وتعقيداً. في البداية قالت طهران، بلسان عباس عراقجي، إن التطوّرات الميدانية في سوريا “مخطط أميركي- صهيوني لإرباك الأمن والاستقرار في المنطقة عقب إخفاقات الكيان الصهيوني وهزائمه أمام المقاومة”، غير أن الوضع على الأرض كان مختلفاً جداً: إذ أدركت طهران أن “المخطط” روسي تركي وأن “عملية ردع العدوان” ثمرة تحضير طويل، وكان العديد من المراقبين يتوقّعها في أي وقت، حتى أن أجهزة النظام أُبلغت بشأنها عبر قنوات عدّة. هذه “العملية” تلقّت “ضوءاً أخضر” تركياً- روسياً، وهو ما كان معلوماً لدى دمشق وطهران، لكنهما فضّلتا التصرّف على أنه ليس مفهوماً.
ارتبط الحدث السوري بالحدث اللبناني لأن حرب الجنوب استدعت معظم مقاتلي “حزب إيران” من سوريا الى لبنان، فيما فرضت الضربات الإسرائيلية المتواصلة شيئاً من الإرباك والانكفاء على الميليشيات الإيرانية في سوريا. لكن عنصر المفاجأة تمثّل بانهيار قوات النظام وعدم مقاومتها وانسحاباتها السريعة. لذا التساؤل: ممن جاء الأمر بالانسحاب، من الروس أو بالأحرى ممن يأتمرون من الروس داخل النظام؟ ولكن ماذا تريد موسكو وعلامَ تفاهمت مع أنقرة؟ الأرجح انها استحقاقات مرحلة ما بعد انتهاء حربَيْ غزّة ولبنان وإن لم تنتهيا كليّاً بعد، بل ربما تخفيان مفاجآت أخيرة. كانت موسكو وأنقرة توصّلتا الى تقدير للموقف مفاده أن ثمة تقاطع مصالح دولياً- اقليمياً على إضعاف أذرع إيران وأن الحرب الإسرائيلية ستمتد لا محالة الى سوريا وقد تصل الى دمشق أو الى تخومها، لكن طهران ظلّت على رفضها حقيقة ما حصل في غزّة ولبنان بل دخلت في تماسٍ مباشر مع إسرائيل، لذا كان لا بدّ من التمايز عنها.
لم تتخلَّ روسيا عن بشار الأسد فهي لا تزال بحاجة اليه، لكنها راكمت منذ تدخّلها لإنقاذه عام 2016 كمّا من المآخذ على سلوكه السياسي المتكلّس وغير المتعاون مع أي حلول. فعندما وجد فلاديمير بوتين مصلحة استراتيجية روسية في جذب الاسد الى مصالحة مع رجب طيب اردوغان، تمنّع الأسد وزاد اقتراباً من إيران التي لم تكن تحبّذ تلك المصالحة. وعندما أخذ الأسد بتحذيرات روسية ونصائح عربية نائياً بنفسه عن “حرب مساندة غزّة”، كان همّه الأول حماية رأسه، ومع ذلك واصل نهج اللعب على الروس والإيرانيين، لكن هؤلاء كان مستائين من عدم رضوخه لـ “وحدة الساحات”، ثم أنهم واجهوه باتهامات لعناصر في أجهزته بالتواطؤ مع ضربات إسرائيلية أودت بالعديد من كوادرهم. قبل اسبوعين أصدرت الداخلية السورية قراراً يضبط تأجير المساكن وفُهم أنه خصّص لإبعاد الإيرانيين عن مبانٍ قد تتعرّض للتدمير بسببهم، لكن الأهم أن الأسد سمع من زائره وزير الدفاع الإيراني تحذيراً حادّاً من عرقلة نقل الأسلحة الى “حزب إيران” في لبنان.
أحد أهم شروط وقف إطلاق النار بين إسرائيل و”حزب إيران” أن يُقطع “أوكسيجين الأسلحة” كما سمّاه بنيامين نتنياهو الذي حذّر من أن الأسد “يلعب بالنار”. لذا تتكرّر الغارات الإسرائيلية على المعابر غير الشرعية، وسبق أن وصلت رسائل تهديد بأن استمرار تدفّق السلاح بات خطراً على النظام. لم يتمكّن الأسد من لقاء بوتين الذي كان خارج موسكو فانتظره والتقاه لاحقاً، لكن أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو أبلغه “لائحة الشروط”، ومما فيها: تعاون مع الأمم المتحدة وعودة الى فكرة “حكومة وحدة وطنية”، مصالحة مع تركيا، ضبط علاقته مع إيران وإلا فإنه سيواجه سقوط “الضمان الإسرائيلي” للنظام… ومع أن الأسد فهم أن لحظة اسقاطه لم تحن بعد، وبإمكانه أن يأمر بهجوم مضاد للمعارضة، إلا أن التعامل مع “الشروط” يعني أن ينقلب على الحليف الإيراني وعلى نهج اتّبعه طوال ثلاثة عشر ماماً.
في الأثناء تحاول طهران انعاش تفاهمات مع موسكو في شأن سوريا غير أن الظروف تغيّرت، وتحاول كذلك مع تركيا لكن مناخ تقاسم سوريا هو السائد حالياً على قاعدة أن إيران يجب أن تصبح خارج المشهد. هناك مؤشرات تأهب لفصائل درعا و”الجيش الحرّ” في التنف، وحرص الاميركيون والإسرائيليون على اعلان أنهم في تنسيق نشط تحسّباً لانهيار نظام الأسد. ووسط ما يبدو أنه تفاهم رباعي (روسي- تركي- أميركي- إسرائيلي) يتردّد أن هناك بحثاً في تأمين “خروج آمن” لإيران من سوريا (مع إبقاء بعض مصالحها الاقتصادية)، فهل تملك طهران “خطة باء” للحفاظ على نفوذها؟