توقف اطلاق النار ولا تنتهي الحرب/ عبدالوهاب بدرخان
أياً يكن شكل الاتفاق ومضمونه فإنه سيكون أفضل الممكن الذي يستطيع لبنان الحصول عليه، فقط لأنه أولاً وأخيراً “وقفٌ لإطلاق النار”، فلا مزيد من الضحايا والمصابين و”أوامر الإخلاء” والنازحين، ولا مزيد من الأبنية والمساكن والمزارع والحقول والطرق مرشّحة للتدمير والحرق والتجريف. في الأيام الأخيرة، مع اقتراب “نهاية الحرب”، كان هناك بين ساسة العدو مَن يدعون الى قصف المراكز الحكومية اللبنانية، بعدما شعروا بأن لبنان لن يمنحهم “نصراً” لم يكن متاحاً في الأساس، بل كلّفهم الكثير من القتلى في صفوف جيشهم، لكنهم سرّاً وعلناً كانوا يتوقّعون أكثر ومستعدّين لدفع الثمن مهما بلغ. الأكيد أنهم جُبهوا بمقاومة أكثر شدّة وخطورة من تلك التي عرفوها في غزّة، ومع ذلك اخترقوا المناطق لتلغيم القرى والبلدات ورسموا خط الدمار الشامل من القطاع الشرقي الى القطاع الغربي. تلك هي “المنطقة العازلة” التي جعلوها أرضاً محروقة، وغير قابلة للعيش فيها، بمعزل عن اثبات أو عدم اثبات ذلك في نص الاتفاق.
لم تُرِدْ إسرائيل وقف الحرب الآن، واعتقدت أنها تستطيع العمل بحرّية خلال المرحلة الانتقالية بين الإدارتين الأميركيتين، لكن إرادة الإدارتين رسمت لها خطّاً احمر: إما “اتفاق” على وقف النار، أو قرار دولي تتقدم به إدارة بايدن ويحظى بتأييد من إدارة ترامب. حتى أن نتنياهو لفت متطرّفي حزبه وائتلافه الحكومي الى احتمال أن تُفرض عقوبات على إسرائيل. أي أن هامش المناورة ضاق عليه، مع أن في جعبته الكثير من وسائل التعطيل. بقي أمامه انتزاع اعتراف أميركي بـ “حقّ إسرائيل في التدخل في لبنان” كلما اشتبهت بـ “تهديد لأمنها”، لكنه حصل على اعتراف مقيّداً، وفي خطاب منفصل عن الاتفاق المزمع. لم يكن ممكناً أن تمنح واشنطن الى إسرائيل حرية العمل المنفلت فيما هي تعتبر انتشار الجيش اللبناني ركيزة أساسية لاتفاق وقف النار، بل تعتبر أن لجنة المراقبة بقيادة أميركية تشكّل “ضماناً” للطرفين، على قاعدة التطبيق الأمثل للقرار 1701.
خلال ستين يوماً، أي بحلول تسلم إدارة ترامب، يُفترض أن تكون إسرائيل انسحبت من الأراضي اللبنانية، وأن يكون “حزب إيران/ حزب الله” سحب مقاتليه الى شمال الليطاني، وأن يكون الجيش اللبناني في صدد استكمال انتشاره الى جانب قوات “اليونيفيل”. ثمة احتجاجات عالية النبرة في الجانب الإسرائيلي، ضد الحكومة والجيش، بأن “الاتفاق” لن يكون كافياً لعودة “آمنة” للمستوطنين الى الشمال، إذ أنهم سيبقون مهددين بصواريخ “الحزب”، كان هؤلاء صدّقوا الوعود (كما في 2006) بالقضاء نهائياً على خطر هذا “الحزب”. واقعياً، لن يعود تصرّف “الحزب” بصواريخه حرّاً، وسيجد نفسه في مواجهة واقع بالغ الصعوبة لأن أبناء “بيئته” يستطيعون- نظرياً- العودة، لكن إما الى بيوت لم تعد موجودة أو الى مناطق مدمّرة كلياً أو جزئياً، بلا مرافق وخدمات. قد يعاود “الحزب” الادعاء بأن مقاومته حققت “نصراً”، لكنه لن يستطيع اقناع جمهوره واللبنانيين جميعاً بأنه لم يرتكب أخطاء فادحة في حقهم وفي حق البلد، أو بأنه أحسن فعلاً بالإصغاء فقط الى أوامر الولي الفقيه.
ربما تكون هذه نهاية الأعمال القتالية، إلا أن تداعيات الحرب ستبقى في يوميات لبنان لسنوات طويلة مقبلة، كما لو أنها بلا نهاية. فمن سيساعد في رفع الركام، وترميم البنية التحتية، وإعادة الاعمار، واستعادة حيوية قطاعي الصحة والتعليم، والأهم كيف سيحصل لبنان على مساعدات يحتاجها إذا بقي “الحزب” مصراً على الاحتفاظ بسلاحه والإبقاء على هيمنة لم يعد مؤهلاً لها.