بيت الشعر بنواكشوط يطلق فعاليات دورته الأدبية الثانية
(إيجاز صحفي)
أطلق بيت الشعر – نواكشوط مساء أمس (الخميس) بالعاصمة الموريتانية نواكشوط فعاليات دورته الأدبية الثانية، التي تنظم هذا العام تحت شعار “فنيات الإبداع الشعري” وذلك بإشراف أساتذة متخصصين، ومشاركة عشرات الشعراء الشباب، وبعض المهتمين بالتدريب على قراءة النص الشعري قراءة صحيحة.
وجرت وقائع الافتتاح، التي تستمر على مدى ثلاثة أيام بقاعة التأطير بمقر بيت الشعر – نواكشوط وسط حضور أدباء كبار.
وأكد الأستاذ الدكتور/ عبد الله السيد مدير بيت الشعر – نواكشوط في كلمة الافتتاح أن إدارة بيت الشعر لم تتدخل في اختيار عنوان وموضوعات هذه الدورة، وإنما قررت أن يترك ذلك للطلبات التي وصلت من الشعراء، مذكرا بأن الدورة الأولى التي نظمت العام الماضي، وحظيت بنجاح باهر، جاءت بناء على ملاحظات تفيد بأن أهل هذه البلاد لا يولون فن الإلقاء الشعري الأهمية التي ينالها لدى الشعراء في البلدان الأخرى.
واستعرض الأستاذ الدكتور ولد السيد برنامج هذه الدورة، الذي يتطرق لمختلف فنيات الإبداع الشعري، وقدم مهادا لرحلة الشعر العربي مع الوزن، وخاصة منذ وضع الخليل بن أحمد الفراهيدي قواعد “علم العروض” والتي من خلاله تم ضبط أغلب ما هو موجود من إيقاع في الشعر العربي آنذاك، قبل أن يطل القرن العشرين مع “الشعر الحر” (شعر التفعيلة) ثم إرهاصات ما عرف بـ”الشعر النثري”، والجدليات التي صاحبت المراحل الثلاث الرئيسية في موسيقى الشعر.
مدير بيت الشعر أبدى ارتياحه لمستوى الحضور لهذه الدورة، وجدد تعهد البيت أن يظل فضاء لتشجيع الإبداع بوحا وتأطيرا، منوها إلى أنه تم اختيار المشرفين على التدريب في هذه الدورة من خلال معيارين، أولهما المعيار الأكاديمي العلمي، الذي يمتد لأكثر من ثلاثين سنة من الخبرة في البحث والتدريس لفنيات الإبداع الشعري، وثانيهما: كون المشرفين الثلاثة شعراء متمكنين ومشهود لهم بالكفاءة الأدبية.
بعد ذلك بدأت الجلسة التدريبية لليوم الأول من هذه الدورة مع الدكتور والأستاذ الجامعي والأديب محمد الأمين ولد صهيب، الذي قدم عرضا قيما تحت عنوان “مكانة الموسيقى في مكونات الخطاب الشعري”، توزع إلى: محورين: “موسيقى الشعر الخليلي” و”موسيقى الشعر الحر”، وفي المحور الأول تطرق الأستاذ الدكتور إلى نبذة عامة عن الخليل بن أحمد الفراهيدي، والأسلوب العلمي (موسيقيا ورياضيا)، والذي من خلاله وثق أسس علم العروض، بناء على ما كان قائما ومتعارفا عليه من مجمل أشعار العرب؛ حيث قسم الخليل موسيقى الشعر العربي إلى خمسة حزم موسيقية، وقدم في هذا المجال شرحا ضافيا لكل من هذه الحزم وبحورها الشعرية، من الإيقاع إلى التسمية، ضاربا أمثلة كثيرة على كل حزمة موسيقية وجوازاتها وتحولاتها الإيقاعية بين البحور، الحية والميتة، المستخدمة وغير المستخدمة.
بعد ذلك استعرض في المحور الثاني “موسيقى الشعر الحر” معرفا بها، وقدم شرحا مفصلا ومعضدا بأمثلة من أوزان الشعر الحر، حيث اختار مقاطع من قصيدة “السفين” للشاعر الموريتاني الحديث أحمد ولد عبد القادر، وحلل عروضيا المقطع الافتتاحي لقصيدة “السفين”:
رحلنا كما كان آباؤنا يرحلونْ
وها نحن نبحر كما كان أجدادنا يبحرونْ
تقول لنا ضاربة الرمل
واعجبا
سفينتكم رفعت كل المراسي
مبحرة
ألا تشعرون.
كما حلل عروضيا نص قصيدة “انتظار” للشاعرة الحداثية باتة بنت البراء، وخاصة مقطع:
الكوخ والريح عواء وبقايا وذبابْ
شاحنة تهز بالأزيز كل بابْ
والصمغ والشيخ العجوز يستعد للذهابْ
مرتلا ياسين.
الأستاذ صهيب قدم عرضا شاملا عن ظروف نشأة الشعر الحر ورموزه، وأهم النظريات التي صاحبت ظهوره، والمؤلفات التي تناولت الشعر الحر مؤسسة لنظريات نقدية حوله، بدء بكتاب نازك الملائكة (قضايا الشعر المعاصر)، وعز الدين إسماعيل “قضايا الشعر المعاصر وظواهره الفنية”، وكتاب “موسيقى الشعر” لإبراهيم أنيس، وكتاب “في البنية الإيقاعية للشعر العربي” لكمال أبو ديب، وكتاب “الشعر العربي الحديث في موريتانيا” للدكتور محمد الحسن ولد محمد المصطفى، وكتاب “شعرنا الحديث إلى أين”. لغالي شكري، وغيرهم.
وأوضح أن الإشكالات النقدية التي صاحبت ظهور الشعر الحر، سرعان ما أخذت تجلياتها في قلق رواد الشعر الحر (شعر التفعيلة)، من تمييع الشعر نثريا، موضحا أن الشعراء المعاصرين عموما ينقسمون إلى قسمين، أحدهما كلاسيكي متمسك بالشعر الخليلي، أو شعر التفعيلة، الذي ينتمي إلى الخليل إيقاعيا (التفعيلة) ويخرج عليه في نفس الوقت في سياقاتها العددية وفي القافية، لكن بضوابط معروفة، والقسم الآخر من الشعراء يرى أن الشاعر يجب أن لا يلزم أو يلتزم بأي قيد وأن يغرق في كتابة قصيدته كما يعيش الحلم دون إكراهات فنية من أي شكل كانت.
وحلل الرؤية النقدية، التي تقوم على أن الشعر في جميع اللغات، عند النشأة والتمكين، ارتبط بالموسيقى والقافية، قبل أن ينقسم الشعراء والنقاد حول “قيود الشعر” من وزن وقافية وغيرهما.
وتفاعل الأستاذ صهيب مع كل المداخلات والإشكالات التي أثارها المشاركون في الدورة، ورد على عشرات الأسئلة التي تقدموا بها، وتركزت على جدليات وزن الشعر، وفنياته الإيقاعية، وطبيعة الموسيقى الشعرية باعتبارها “مألوفا صوتيا” بين المنتج والمتلقي، وأثار البعض محاولاته تأسيس بحر عروضي جديد في الشعر العربي، والمزج بين بعض البحور كنوع من محاولات الخروج على الأنماط المألوفة وغير ذلك.
وكان من أبرز المتدخلين من الأدباء الشباب: محمد المامون محمد، محمد محمود ولد عبدي، محمد ناجي أحمدو، ميمونة بنت محمد فاضل، يحيى العربي، خطاري عبد الله، سعدنا أحمدو، وغيرهم.
135 تعليقات