تطرّف المناخ يهزّ الصحة النفسيّة للبشر ويزيد الانتحار
مورينيوزـ وكالات . هل صارت الصحة النفسية – العقلية للبشر أسيرة المناخ وتقلّباته التي تزداد حدّة بصورة متصاعدة؟ أكثر من ذلك، هل يصل تأثير المناخ في الأحوال النفسيّة – العصبيّة للناس على امتداد الكرة الأرضيّة، إلى حد رفع معدلات الانتحار بينهم؟
في صيف 2018 الذي سجّل ارتفاعات غير مسبوقة في درجات الحرارة خصوصاً في أوروبا، صدرت دراسة علمية عن العلاقة بين زيادة الحرارة وارتفاع معدلات الانتحار. أجريت الدراسة على أيدي فريق من الخبراء في جامعتي كاليفورنيا وستانفورد قاده البروفسوران سولومون هسيانغ ومارشال بروك، وهما من الجامعتين على التوالي. واستندت الدراسة إلى قواعد معلومات تفصيلية عن درجات الحرارة في الولايات المتحدة والمكسيك على امتداد عقود عدّة، إضافة إلى دراسات علميّة موثّقة عن العلاقة بين العنف وظاهرة احترار الكرة الأرضيّة في السنوات ذاتها. ونُشِرَت الدراسة في مجلة «نايتشر» Nature المرجعيّة المعروفة، وهي الأولى التي تثبت بالأدلة العلميّة وجود صلة بين الارتفاع المتزايد في حرارة الأرض من جهة، وزيادة الانتحار من الجهة الثانية.
ووثَّقَت الدراسة أنّه مقابل زيادة درجة مئوية في المناخ، حدثت زيادة في حالات الانتحار بـ0.7 في المئة في أميركا، و2.1 في المئة في المكسيك. وتوقَّعَت أن تصل زيادة حالات الانتحار المتصلة بارتفاع حرارة الأرض إلى قرابة 1.4 في المئة في أميركا و2.3 في المئة في المكسيك، عند حلول عام 2050. وفي البلدين، تبيّن أنه لا يوجد في الظروف العامة ما يزيد نسب الانتحار على ذلك النحو، إلا حدوث أزمات ركود كبرى في الاقتصاد!
وفي منحًى يتصّل بالـ «سوشال ميديا»، لاحظت الدراسة أنّ الشهور التي تشهد ارتفاعات غير مألوفة في حرارة الجو، تترافق مع انتشار استعمال لغة توحي بالميل إلى الانتحار، كالتغريدات على «تويتر» التي تحتوي كلمات «أنا وحيد»، و «أحس بالوحشة» و «عندي رغبة في الانتحار» وغيرها.
وأوضح الفريق الذي أجرى الدراسة أن الانتحار يعتبر من الأسباب الرئيسيّة للوفاة عالميّاً، ومعدّلاته ارتفعت بصورة دراماتيكيّة في الولايات المتحدة خلال الـ15 سنة المنصرمة. وذكّر بأن الارتفاع في درجات حرارة الجو ليست المُسبّب الوحيد للانتحار، ولا هو بالعامل الأبرز أيضاً، لكن العلماء باتوا يعرفون الآن أنه يساهم في زيادة حالات الانتحار. ولفتوا إلى أن دراسات أخرى وجدت عوامل أكثر أهمية تساهم في الانتحار، خصوصاً زيادة معدلات البطالة وحالات الانتحار بين المشاهير التي تُسبّب ظاهرة يُشار إليها باسم «الانتحار بالنسخ» Copy Cat Suicide. وضربوا مثلاً على الأخيرة، ارتفاع نسب الانتحار بين الشباب في أميركا بعد انتحار الممثلة الفاتنة مارلين مونرو في مطلع الستينات من القرن العشرين. وفي المقابل، تميل نِسب الانتحار إلى الانخفاض مع تعزيز برامج مكافحته وتقييد حرية امتلاك الأسلحة الفردية.
وفي السياق عينه، اهتم «التقرير عن حال الأمن الغذائي في العالم – 2018» الذي صدر عن «منظمة الأمم المتحدة للغذاء والزراعة» (فاو FAO) أخيراً بالصحّة النفسية للبشر، محذّراً من تأثّرها بالتغيير في المناخ. ولفت إلى أنّ اضطرابات المناخ وزيادة ميله إلى أحوال متطرّفة، تزيد الاضطرابات النفسية كالقلق والاكتئاب والضيق المزمن وحالات الانتحار. ويؤدي تكرار تلك الحوادث التي تشمل الفيضانات والجفاف إلى نزوح السكان، ما يزيد الأمراض المعدية ويفاقم الاضطرابات النفسيّة كالكآبة المرضيّة.
ولفت التقرير نفسه إلى ما تسبّبه موجات الجفاف والتقلّبات المناخيّة من نزاعات على الأرض والكلأ والمراعي في كثير من البلدان، ما يؤدي إلى عمليات نزوح واسعة وتأثيرات اجتماعيّة واقتصاديّة سلبيّة. وفي ذلك الإطار، دعا التقرير إلى تضافر الجهود للقيام بدراسات تبحث في الآثار الاقتصاديّة والاجتماعيّة المباشرة وغير المباشرة لظواهر التطرّف المناخي وتأثيرها في البيئة والموارد الطبيعيّة. وحضّ الدول كلها خصوصاً النامية والدول الجزيريّة الصغيرة، إلى البدء فوراً في وضع وتنفيذ خطط متكاملة لحماية نُظم الغذاء وآليات التغذية.
ودعا إلى بناء القدرات في مجال الصمود لكسب العيش ومواجهة ضربات الطبيعة، واتباع سبل الوقاية وحماية الصحّة، والاستفادة من خبرات السكان المحليّين، واتباع نهج تشاركي تضطلع فيه كل أطراف المجتمع بمسؤولياتها حيال الأمن الغذائي. كذلك دعا الدول كلها إلى تبني حلول نوقشت بتوسّع ضمن الأطر والمؤتمرات الدوليّة المختصة، خصوصاً تلك المتعلّقة بالحدّ من أخطار الكوارث الطبيعيّة، ورصد أخطار التغيّرات المناخيّة، واستخدام طرق الإنذار المبكر والتنبؤ المناخي، والاستثمار في البنية التحتية القادرة على مقاومة تغيّر المناخ وغيرها.
وقبل فترة وجيزة، عُقِدَت اجتماعات أولى للجنة الفرعيّة [تابعة للجامعة العربيّة] لمناقشة سُبُل القضاء على الجوع في المنطقة العربية. ورعت الاجتماعات الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، وإدارة التنمية المستدامة والتعاون الدولي فيها.
وشُكلت تلك اللجنة بقرار من اللجنة العربية لمتابعة تنفيذ أهداف التنمية المستدامة 2030 في المنطقة العربية، وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة. وتهدف تلك اللجنة إلى صوغ خطط تنفيذية عربية متعمّقة، في مجال تحقيق أهداف التنمية المستدامة الخاصة بتوفير الغذاء للجميع والتغذية السليمة والقضاء على الجوع، وتوفير المياه ومجابهة التغيّرات المناخيّة وغيرها.