بيان حول كتاب “محمد المختار بن الحامد، الزعيم السياسي والمجاهد”
أصدر الكاتب محمد محمود ولد ودادي البيان التوضيحي الآتي حول كتابه”محمد المختار بن الحامد، الزعيم السياسي والمجاهد” الذي أثار بعض الجدل في بعض الأوساط:
نص البيان:
بسم الله الرحمن الرحيم
صدر أخيرا كتاب “محمد المختار بن الحامد، الزعيم السياسي والمجاهد” الذي يتناول حياة هذا الزعيم فقط، في مرحلتين:
الأولى: زعامته السياسية، وعلاقاته مع محيطه، في السنوات الأخيرة من الصراعات البينية، التي لم يُذكَر من أحداثها إلا ما شارك فيه، وهو معركة ﮔصر البركة سنة 1308/1891.
الثاني: تعاطيه مع طامة الاحتلال، وأسباب مكاتبته الفرنسيين، ثم انقلابه عليهم وانضمامه للجهاد، ومشاركته في معركتين فقط هما النييملان وتجـﮕـجه.
لقد انطلق منهج الكتاب من مقاربة علمية حديثة ومتنامية في العالم اليوم، وهي تحرير الوقائع اعتمادا على تواترها الشفهي، لا اعتماد الروايات الهامشية والشاذة، هذا بخصوص الوقائع التي يكون مرجعها الوحيد هو المصادر الأصلية، في حين اعْتُمد أيضا بشكل لا لبس فيه على المراجع في أكثر من موقع، خاصة أن هذه الأحداث مطروقة في الكثير من الكتب والدراسات، التي توجد لبعضها لائحة في نهاية الكتاب.
وخلال نقاش الكتاب في ندوة أقيمت في 11/02/41 – 2/11/19 أبدى عدد من المشاركين بعض الملاحظات تتلخص في:
أولًا: الفقرات المتعلقة بتجاوزات إبراهيم بن بكار (إبراهيم بن إبراهيم) في الرشيد، قبل موته بسنوات (الفقرة الثانية، ص.20) حيث ذُكر فقط حادثان متواتَران مع بعض تفاصيل ملابساتهما ومآلهما، والضحية في كليهما أهل القرية بالعدوان عليهم ثم المدارة أيضا، حيث اعْتبر المنتقدون ذلك تنقيصا من مكانة الرجل “الذي يُضرب ويُسْكَتُ بالمال” بدل أن يُعتبر الحادثان عدوانا، اضطر ضحاياه إلى مداراته كل مرة، حيث لا ملجأ إلا بكار الذي تبرأ منه إبراهيم، ولا يخضع لسلطته؛ وكان الحادثان في عهد الحامد بن امّينوه، الذي انتهج السلم وأصبحت وسيلته الدفاعية المداراة.
وقد قدم الكتاب لإبراهيم سيرة ذاتية تليق بمكانته عن النشأة والتربية والنبوغ، ونعته بأوصاف متعددة، منها الفتوة التي استشهد فيها بأهم أشعاره وأكثرها إبداعا، ومنها المغامرة، دون ورود لفظ اللص أو المجرم، كما ذكر المنتقدون (ص 18 و19).
ثانيا: في الحديث عن رد فعل بكار النبيل بعد موت ابنه، ورَد أن دموعه سالت، طبقا لرواية متداولة، مما اعتبره أحد المتحدثين إساءة، وهو أمر لا يُربأ بأحد عنه، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عند وفاة ابنه إبراهيم: (إن العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا بفراقك يا ابراهيم لمحزونون) صحيح البخاري.
ثالثا: وعن معركة ﮔصر البركة (ص.34 الفقرة 2 السطر الثالث) فهم أحد المتحدثين أن الكتاب اعتبر أن مجموعته هي التي انتصرت في الصباح وهو أمر صحيح وجاء في الكتاب. ونفى المتحدث جزءا من رواية شفهية مخصصة بظفرين، وذلك أمر سيعاد النظر فيه (ص.36 نهاية الفقرة الأولى).
رابعا: وعن يوم فرع الكتان الذي لم يشارك فيه محمد المختار بن الحامد، وشارك فيه فقط مائة متطوع من قومه ،اعتبر بعض المتحدثين أنه تم التقليل من انتصاراتهم لصالح مجموعة حليفة لهم، وهو استخلاص غير صحيح، حيث ذُكر بالأسماء القادة والفرسان الذين حققوا النصر؛ وعلى كل، فالمصدر موجود وهو (إمارة آدرار الموريتانية .. الحريم، التنافس، الحماية في مجتمع قبلي صحراوي) لپْيير بونت، تعريب الدكتور محمد ولد بو عليبه ولد الغراب، ص 476.
خامسا: أثار بعض المتحدثين الصراع المسلح بين عثمان بن بكار ومحمد المختار بن الحامد، صديقه ورفيقه في النضال حيث ظلا حليفين ضد المحتل، إلى أن وقع ما وقع وهو أشهر من أن يُطعن في صِدقيته، ومدوّن في المراجع.
سادسا، إن بعض أصحاب هذه الملاحظات الذين نحترمهم لم ينفوا رواية، ولم يُثبتوا أخرى جديدة، لكنهم انتقدوا أسلوب السرد وبعض الألفاظ التي اعتبروها غير لائقة، وهو أمر وارد، لكن المؤسف أنهم شوّهوا وعمّموا، في وسائل التواصل الاجتماعي، مستخدمين أدوات التحريض من شحن قبلي بغيض وشيطنة للكتاب ومؤلفه؛ مدّعين الذود عن “مجموعة ورموزها” على حساب واجب الذكر الحسن والإنصاف الوارد في الكتاب لكل الفاعلين في تلك المرحلة من تاريخنا، والذين أداروا طموحاتهم السياسية وتناقضاتهم – أحيانًا – بكثير من الحكمة والتقارب والتمازج وحسن الجيرة.
سابعا، غضِب البعض من ذكر الكتاب فرار بعض الرجال من المعركة، ونسوا أن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم قد فرَوا يوم أحد حيث جاء في نص التنزيل:
{إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} آل عمران ، 153. فكيف بمعارك لم يدّع أصحابها – على طول التاريخ – أن قتلاها شهداء.
**
لقد فوجئنا بردة الفعل هذه التي استمرت إلى اليوم، خاصة من لدن مسؤولين مجرِّبين معروفين بالحكمة والرزانة، وهم من بُناة الدولة الحديثة، انتصارا من “الإساءة على العشيرة ورموزها” هذا في الوقت الذي تَعرِض فيه مكْتباتنا عشرات الكتب عن الصراعات القبلية، وأيامها، وكذلك كتب المستكشفين الأوروبيين المترجمة، وكتب الضباط الفرنسيين مثل النقيب “جيليى”؛ ثم العمل الأشهر والأكثر إمعانا في الإساءة: كتاب “فرير جان” (المترجَم إلى العربية):
Commandant Frerejean, Mauritanie 1903-1911 Mémoires de randonnées et de gue au pays des Beïdane, Editions KARTHALA, 1995
والذي قاد حملة المستعمر الرئيسية ضد قلعة الجهاد، التي استُشهد فيها أمير الشهداء بكار بن سْويد أحمد، وبعدها حصن تجـﮝجه الذي سقط فيه سيّد الشهداء سيدي بن مولاي الزين؛ ولم يترك هذا الضابط رمزا سياسيا ولا دينيا ولا مجموعة إلا نكّل بها بالسلاح ثم بالقلم، وقبله كتاب “ديزيرى فيلمين”
Géneviève Désiré VULLEMIN Contribution A L᾿histoire de la Mauritanie de 1900 A 1934, Éditions Clair Afrique Dakar.
الذي نشر ووُزَع في البلاد، بل قدّم له أحد أعضاء الحكومة آنذاك، رغم ما يحتويه من إساءة للمجاهدين، وما يزال متداولا إلى اليوم.
**
إن على السلطات العمومية وبمآزرة أهل الاختصاص من قادة فكر: أساتذة جامعيين وباحثين ومؤلفين وأصحاب قلم وصحفيين وقضاة ومحامين وحقوقيين أن لا يبقوا مكتوفي الأيدي اتجاه حالة الحبس التي فيها اليوم ثقافة البلد وتاريخه، فيفكوا أسرها والوصاية عليها وينفضوا عنها الغبار في حلّة جديدة، تلائم العصر والنشء الحاضر والأجيال القادمة، بدل تركها بأيدي الباحثين الأجانب الذين لا يعترض أحد على تعاملهم معها.
إن تاريخ الإمارات والقبائل والأعلام من سياسيين وعلماء وأولياء وأدباء وشعراء ليس ملكا لأسرة ولا قبيلة، خاصة بعد موتهم، أحرى بعد مرور قرن من الزمن عليها؛ فمَنْ يحكم على هؤلاء هو التاريخ الذي تكتبه الأجيال اللاحقة، ولا يمكن لأحد أن يُستثنى منه، وإلا لما شاهدنا قبل حوالي ثماني سنوات كتابا بعنوان الخلافات السياسية بين الصحابة، رضوان الله عليهم ، الذي كان تقييما عصريا لما جرى من فتنة بعد موت سيدنا عثمان رضي الله عنه.
ثامنا: انطلاقًا من أن كل عمل بشري معرّض للنقص، فقد طلبنا من المنتقدين مباشرة في الندوة – الذين اعترفوا بأنهم لم يقرأوا الكتاب – طلبنا منهم تزويدنا بملاحظاتهم المحددة، بغية تنقيح الكتاب في طبعة جديدة خدمة للموضوعية والأمانة.
خاتمة
في الأخير، لا بد في هذا المقام، أن أذكّر – دون أن أنَصّب نفسي لما لست أهلا له بإعطاء الدروس لأي كان ـ أن موريتانيا دولة مستقلة ذات سيادة، وهي الحامية لشعبها وحوزتها الترابية، بنظامها القضائي، وإدارتها، وقوانينها التي تضمن حرية التعبير وحرية الفكر، والتي انتزعها الشعب بنضال استمر عدة عقود؛ وواهم من يتصور أنه سيوقفها.
إن القبيلة هي التي عرَفها الباري عز وجل في محكم تنزيله {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وأنثى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحجرات 13).
فهي للتعارف والعشرة الطيبة والمصالح المشتركة، وفي المدن هي الجيران والأصدقاء، ورواد المسجد.
ومن جهة أخرى، فإنني إذ أتفهم ردود الفعل الرزينة الداعية للإصلاح فإنني أندد بأية إساءة لأي كان، أو أية محاولة لإحياء النعرات القبلية البغيضة (لَيْسَ مِنَّا مَنْ دَعَا إِلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ قَاتَلَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ وَلَيْسَ مِنَّا مَنْ مَاتَ عَلَى عَصَبِيَّةٍ) الحديث.
وأوكد رفضي لخوض أي أحد في موضوع يخصني ولا أحتمي إلا بالله جل جلاله ولا أحتكم إلا إلى ضميري وإلى مؤسسات الدولة وقوانينها، وإلى قيم شعبي المسلم المسالم النبيل.
والله من وراء القصد
محمد محمود ودادي
نواكشوط في 22 /03/ 1441 – 21/11/ 2019