حكاية حرف !!/ المرتضى محمد اشفاق
المنشور وجبة متعددة العناصر ، القراء كالأكلة حول القصعة….يمج بعضهم ما يستطيبه البعض ، ويستحلي الآخر ما يمرض غيره ، هناك من يشبع ب”صوص” كضيف نهم يستثيره طعم التوابل المسيلة للعاب ، فيشبع قبل أن يذوق الوجبة الحقيقية ، ثم ما يلبث أن يصيبه “المحور” وتمرضه الحموضة فيلعن الطعام وصانعه ، ومنهم من يقبل على الأكل بنهم شديد فيبتلع بلا مضغ ، يزدرد الفراسن و الكلى ، فتعتمل في معدته حركات معامل التصفية فينتفخ بطنه ويصاب بالغثيان و كلما شم رائحة الطعام صاح (أفيف ) و قاء…..وهناك فئة تحتاط لنفسها وتأكل الوجبة بتوازن وحيطة فتنعم بفوائدها…
في رحلة غير محضرة سلفا وجدتني محاصرا بين سوح تحترق بالجدب الفكري..وسراديب تتلوث بالفاقة الأدبية….أقلام عرجاء تحاول دخول المارتون….وأفكار موقوذة ليس للذئب فيها حاجة….والحر شديد…والغبار يصفع خد السماء ، ويعفر وجه الأرض….كل شيء مقزز الريح..الرائحة…الأرواح….الراحة….الراحات….لا شهية….لا شيء….وحده الفضول الأعمى يسوق أحيانا ويهدي إلى بحيرة صافية بين أجاديب ، تتوارى بين ركام ، وحطام و زكام….. مرة أتذكر أني بلا زاد وتخيفني الأهوال والمفاجآت ، وأحيانا أنسى راحلتي وأسير حافي القدمين….أحلم أني على أرض زهر ، وورد ، وعبق….فأتيه وأهيم بروضة اغتسلت حروفها بزخات مطر تخلفت عن زحف النوء إلى أهداف قصية …حبات ماء باردة يرشق بها صحن السماء المنتشي بولادة طبيعية لغيماته الحبلى بالأماني والأغاني ، أجدني مرة طفلا شقيا لا ينتظر أن يهدأ قصف الرعود وتختفي الصواعق ويذوب البرق بين أشعة الشمس المتسللة من بقايا الرذاذ… و قد استيقظت المشاعر النائمة و دب الحنين والشوق في ذاكرة الأرض….
هذه الأجناس المبعثرة التي لا تنتمي إلى وطن أدبي واحد…قد يختلف القراء في مقاصدها…أحببت أن تكون كاشفة جدا….عقيدتي الكتابية علمتني أن أعدم الكون حين أكتب…فلا يبقى غير القلم والخواطر و أنا أول الميتين….لا أملك قطيعا من الكلمات في زريبة أتخير السمينة للذبح …تحاصرني الكلمات في غزوة خلق ، في لحظة لا شيء إلا القلم أتركه صاحب الوقت…أقبل من ترد علي في سحرها الطبيعي دون ماكياج أو حلى مستعارة … ستتحرر الحروف من معاناة الكبت ….وتتدفق الكلمات دون الحاجة إلى نتر آذانها لتسير في طريق تكفر به .. قد أقسو وقد أكشف المستور..المستور جراح تغطيها ستائر حريرية لكنها تتعفن وتصبح قاتلة إذا لم ننقها بقسوة راحمة…لا بد من الألم وأنا أضغط الجرح وأعمل موساي ومرهمي لإزالة القيح…هل يصرفني صراخ المريض عن دوائه….المجاملات مخدر محظور و مغالطة و خداع … إطالة عمر الوجع خيانة ….