انت عالمي الخاص الذي أجد فيه نفسي / العالية إبراهيم أبتي
مونگل 2020..
تقبل بصمت مهيب، طويلا قمحيا ذو قسمات متباينة…نظرتك حادة وتستبدل الضحك بالتبسم وتترجم كلامك إيماء.
كنت حينها مزهوة بحماسي وبفضول مراهقة تحاول أن تختبر كل المسموح.
أدمنت أحاديثك الرتيبة، تغريني أكثر وأكثر لمعرفة سرك الدفين…ولكن يكفيني منه ذكراك وصدقك حين تنظر إلي قائلا “أنت عطر يفوح أنوثة”…
هل تصدق أنها المرة الأولي التي أفكر أنني أنثي، لا علاقة للأمر بشعوري الفطري…
لم نلتقي إلا قليلا، نحكي عن كل شيء إلا الحب…كنا محاطين بدائرة الشوق في غياب أي عامل مساعد للتواصل غير رسائل هاتفية قد تصل متأخرة.
كنت تحدثني عن الألم كثيرا وأحدثك عن السعادة…لا أعرف ولكنني تذكرت كرتوني المفضل “بوليانا” وهي تحاول نثر السعادة، نعم هناك إحساس يتنامي بداخلي لا أعرفه ولا أريد صده، ولكن الأكيد أنه علي حمله أو تحمله.
تقاطعني أنت لترجعني لإحساس الحجر قائلا “إحساسك صادق مذ تعرفت عليه”.
ولكن اتركني أواصل كي لا أفصل تفكيري حيث حملته منذ أول رسالة ولقاء.
انت عالمي الخاص الذي أجد فيه نفسي، عالم جميل لدرجة السحر، وحلم لا أريد الاستيقاظ منه.
لعل من حسنات الحجر أنه علي أن أمارس عادة “الكتابة”، كنت تدعوني إليها دوما…ولكن رفض الأيام كان يقف أمامي.
تصل رسالتك الدافئة، ترسلها وسط مغالبة الانشغال بمواكبة جديد “كوفيد19″، تصل في وقت متأخر لا أريد أن أفكر في النوم عنك.
حسنا، كي لا أبتعد عنك كثيرا….دعني أعود قليلا حيث كنت أحكيك في الماضي.
توقفت حيث “السعادة”، نعم فعل علينا ممارسته دوما حتي لو تكلفاه، أو هكذا تجسدت علاقتي معك…الأمر سيختلف حتما وحينها فقط حاول أن تسلمني نفسك قدر استطاعتك.
النقاش كان يدور بيننا حول السياسة والاقتصاد، وإن شئت تلطفيه أخذتك للفن، عله يوقظ بعض المشاعر فيك…علني أجد غير الحزن وسأجده حتما، لدي إيمان قوي أن بداخلك مجنونا يحتاج فقط أن يجرب العيش خارج الصندوق.
أي قدر ينتظرنا تسألني؟ ولكن لا تعرف إنني لا أحب الأسئلة ولا سرقة اللحظات بها…لا أريد أن ينكسر حلمي علي صخرة التفكير وأضطر للغوص معك في عالم لا أريد دخوله.
مرت الأيام سريعا وتعلقنا سريعا وكنت حين ألقاك أستسلم للغوص في عينيك علني أصطادك، أستسلم للصمت كي أعيش شعوري بك…وتبعث لحنا خلته انطفئ فيك، إنها قهقهتك التي تمنيت سماعها منذ أشهر…ألم أقل لك “سلمني نفسك”.
والآن بعد كل ضجيج المشاعر بيننا ألا يمكنني سماع صوت قلبك وتحسس أنفساك التي تغالبها وأنت تجلس أمامي بمسافة تذكرني الآن “بمسافة الأمان”، وتضع يديك جانبا كي لا أحسهما ترتعشان…فأنت أمام فيروس لا يمكن لمناعتك صده، أنت أمامي باختصار وعليك أن تعزل نفسك معي حيث لا يمكن لأحد الوصول إلينا.
بعد أسبوع من مغادرتك تصلني رسالة منك علي بريد والدي، لا أنسي ذاك الظرف الأحمر والورقة المخططة، وعلبة الشوكولا بنكهة البندق، أفتحها لأشم رائحتك وأتحسس خطك الذي يشبه خط جدتي، الفرق فقط هو رعشة يدك البادية بين السطور.
أدمنت كلمتك التي توقع بها رسائلك “السلام كما بدأ يعود”…فلن ينقطع الوصل وسيعود يوما، وتمر الأيام وأسافر. تحضر بحال مزهو ولكن قلبك وصدقك كما هو…كم فرحت لحالك وحال أيامك واشتقت لخجلك من فضفاضتك المرقعة من الجانب، ولكن هل تعرفني باحثة عن مظهرك أم تعنيني حالتك المادية؟.
لا أريد ردا علي سؤالي بقدر ما أتركه للأيام وسيتجلي لك صدق بداخلي ووفاء لن تجده حيث غادرت.
كان لقاءنا الأخير قصيرا ولكنك رغم ابتعادك لن تستطيع التخلص من لهيب شوقي.
هل مازلنا علي حالنا وهل تغير شيء…
تلك الفتاة الخجولة أصبحت تنبض بالجنون وذاك الشاب الباسم أصبح يقهقه…هل تريد بعدها معرفة مصدر الجنون، جرب أن تحب أنثي استثنائية مثلي وستجيبك الأيام.
تصلني رسالة منك بعد أن انقضت أوقات المتابعة والتدوين…هنا أبدأ في محاولة التعايش مع وضعي الحالي، تصور أن أحبس نفسي طوعا وأنا التي اخترت حياتي وعملي وبحوثي كي تساعدني في التواجد في فضاء حر…كل شيء هاديء بارد، باستثناء تلك التعلميات التي لا أحبها وذاك الانضباط المقيت الذي أحس فيه أنني في مختبر معقم.
غرفتي الموصدة إلا عن عامل إيصال الطعام، والنوافذ التي لا تطل إلا علي بيوت خشبية اختار أهلها العزل طوعا يخافون أكثر علي قوتهم منه علي سلامتهم.