الشعر الموريتاني.. جدل التقليد والتجديد/ ادي آدب
الحقيقة أن الشعر الموريتاني ليس أستثناءً من الشعر الإنساني عموما، ولا الشعر العربي خصوصا، فلا يُوجَدُ أي مُنْتَجٌ إنْساني أزَلِيٌّ، لا يَحتاجُ التجديدَ أبَداً، بل ربما كان الشعر الموريتاني أحوجَ إلى التجديد من أغلب أشعار الأقطار العربية الأخرى، لأنه –في عمومه- يرْتكنُ على خلْفيةٍ ثقافيةٍ “مَحْظَرِيةٍ”، أكثر أصالة وعمْقا وصلابة من خلفيات نظرائه من الآداب العربية، نظرا لاختلاف طبيعة التكوين الثقافي والتربوي، هنا وهناك، ولكنه -رغم كل ذلك- لم يعش عزلة عن المؤثرات الثقافية الكبرى، لا قديما ولا حديثا، لأنَّ الإنسانَ الموريتاني-بفطرته- مُطالعٌ نَهِمٌ، ومُنْفَتِحٌ، مع تقليديةِ ذائقتِه الشِّعْرية المُتَجَذِّرَة، المَبْصُومَة بالنموذج الشعري القديم، وهذا ما يجعله يعيش- في ذاته- تقاطباً بين الأصالة والحداثة، فمِيراثُه الثقافي الثقيلُ يشدُّه للماضي، وحصادُ اطلاعه المُنْفَتِحُ يخْترق-حتْماً- جِدارَ التقليدية المَضْرُوب على ذائقته، وفي مناخِ هذا الجَدَل الوجودي المُحْتَدِم في كيْنُوته، تتمُّ عمليةُ التلقِّي الإبْداعي والنقْدي للأدب عموما، والشعر خصوصاً، ويبقى التفاعلُ بين الاتجاهين صِحِّيا، ما لمْ يَغْلُ المُتعصب للتقيدية، لدرجة الانغلاق، أوْ يُسْرف المُتعصب للحداثة، لدرجة القطيعة.
ولعلَّ أخْطرَ ما فِي الاتجاهين، هو اخْتِزالُ المفْهوميْنِ، في بُعْدهما الشكْلي البَحْتِ، وإفْراغهما من رُوحَيْ الأصالة والتجديد، اللتيْن تتكاملان، ولا تتناقضان، وذلك ما لن يتحقق إلا بتوازن الروافد المعرفية في تكوين الأجيال ثقافيا، عَبْرَ عملية ترْبَوِية واعية بأهْدافها، ومَنْهَجٍ عِلْمِي وأكاديمي حَصيفٍ، وبَنَّاءٍ، يَسْتَظِلُّ بهُوية، “أصْلُها ثابِتٌ، وفَرْعُها في السَّمَاء”.