أكره الغزل و أحب أن أقوله / محمد المرتضى محمد اشفاق
في منشور سابق، طوت عليه المناشير المهمة و غير المهمة صفحاتها، قلت إنني أحب من الشعر المدح و الثناء و الهجاء، و لكنني أكره أن أقول فيهم… وأكره الغزل، و أحب أن أقوله…
لم أذكر المديح النبوي، ولا الرثاء و لا الفخر… لأن المديح النبوي لا مجال لمقارنته مع الأغراض الأخرى، و أرفعه عن هذا المقام أصلا، فهو زينة الشعر و أصله، و مدح للقريض و ربه…
قلبي يذوب بعشقه فغرامُه … وجه الرسول الهاشمي محمد
فإذا مدحت محمدا بقصيدتي … فلقد مدحت قصيدتي بمحمد
و أحسن منك لم تر قط عيني … و أجمل منك لم تلد النساء
خلقت مبرأ من كل عيب … كأنك قد خلقت كما تشاء
حسان بن ثابت.
فشغلي مدى الأيام مدح جنابه … و أسمو به فوق السها و النعائم
وثقت به في حالتي و إنني … على كل حال خادم لابن هاشم
الشيخ إبراهيم انياس.
و أما الرثاء فهو أصدق الشعر، أساسه العاطفة، دون نفاق و لا طمع… يبدع فيه الشاعر أيَّما إبداع، حتى أن بعضه تفوح منه رائحة كبد محروق مفجوع صاحبه، كقول الخنساء في صخر:
يا صخر كنت لنا عيشا نعيش به … لو أمهلتك ملمات المقادير
يا فارس الخيل إن شدوا فلم يهنوا … و فارس القوم إن هموا بتقصير
يا لهف نفسي على صخر إذا ركبت … خيل لخيل كأمثال اليعافير
يا صخر ماذا يواري القبر من كرم … و من خلائق عفات مطاهير
أو بكائية مالك بن الريب ( رثائيته لنفسه )
خذاني فجراني بثوبي اليكما … فقد كان قبل اليوم صعبا قياديا
وقوما إلى بئر السمينة أسمعا … بها الغر و البيض الحسان الروانيا
بأنكما خلفتماني بقفرة … تهيل عليَّ الريح فيها السوافيا
و لا تنسيا عهدي خليلي بعدما … تقطع أوصالي و تبلى عظاميا
ولن يعدم الوالون بثا يصيبهم … ولن يعدم الميراث منّي المواليا
يقولون: لا تبعد وهم يدفنوني … و أين مكان البعد إلا مكانيا
وأذكر أنني قرأت فكرة في بيتين من رثائية لأبي – أطال الله عمره – رثى بها ابن عمنا و خالنا و ابن خالنا المرحوم الشيخ عبد الله ولد أداع، ما قرأت صورة مثلها، و ما رأيت فكرتها قبله.يقول:
ألم تكن بهما برا ألست ترى … سوى الممات وفاء الحق للأهل
لكي ينالا ثواب الصابرين جزا … لا خاب سعيك ما أوفاك من رجل
أي أن المرحوم بلغ منه البرور درجات حتى رأى أن موته فيه جزاء لأهله إن صبروه، فمات لذلك.
و أما الفخر فشعر!
و إني و إن كنت ابن سيد عامر … و فارسها المغوار في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة … أبى الله أن أسمو بأم و لا أبِ
و لكنني أحمي حماها و أتقي … أذاها، و أرمي من رماها بمنكب
عامر بن الطفيل.
سيعلم الجمع ممن ضم مجلسنا … بأنني خير من تسعى به قدم
ما أبعد العيب و النقصان من شرفي … أنا الثريا وذان الشيب و الهرم
ليت الغمام الذي عندي صواعقه …. يزيلهن إلى من عنده الديم
أنام ملء جفوني عن شواردها …. و يسهر الخلق جراها و يختصم
أبو الطيب المتنبي.
النماذج كثيرة، و الإطالة تمسخ الحديث